مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي هالة بدري

مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي هالة بدري في حديث خاص لـ"هي" بمناسبة عيد الاتحاد: المرأة الإماراتية شريكٌ في صنع الازدهار الثقافي

يورغو البيطار
1 ديسمبر 2025

في لحظةٍ تتعانق فيها الذاكرة مع الحاضر لترسم ملامح مستقبل أكثر إشراقًا، تلتقي "هي" مع سعادة هالة بدري، المدير العام لهيئة الثقافة والفنون في دبي، في حوارٍ خاص بمناسبة عيد الاتحاد. هي مناسبة لا تُستعاد فقط كمحطة وطنية، بل كقصة استثنائية عن الإلهام والوحدة والطموح… قصة صنعت الإمارات كما نعرفها اليوم: دولة تُكرّم ثقافتها وتحتفي بتنوعها، وتبني اقتصادًا يقوم على الابتكار والإبداع، وتفتح أبوابها للمواهب من كل أنحاء العالم.

من قلب المشهد الثقافي المزدهر في دبي، تتحدث هالة بدري عن القيم التي تُشكّل ملامح الهوية الإماراتية، وعن حضور المرأة الريادي في القطاع الإبداعي، وعن الدور المتنامي للثقافة كقوة ناعمة تعكس صورة الدولة وتُعزّز مكانتها العالمية. وفي هذا الحوار، نكتشف رؤيتها للإنجازات الوطنية البارزة في عامٍ استثنائي، ورسالتها للشباب الإماراتي الذي يشكّل اليوم نبض الإبداع وروح المستقبل.

مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي هالة بدري
مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي هالة بدري

بمناسبة عيد الاتحاد، ماذا تعني لكم هذه المناسبة على الصعيدين الشخصي والمهني؟

عيد الاتحاد مناسبة عزيزة على قلوبنا، تتجسّد فيها مشاعر الفخر والاعتزاز بمسيرة الاتحاد والإرث الذي تركه الآباء المؤسسون، والذي لا يزال يشكّل مصدر إلهام لنا جميعاً. وبالنسبة لي، يمثّل الثاني من ديسمبر قصة ملهمة عن قوة توحّد القلوب وتلاقي الطموحات، وما يمكن أن يثمر عن ذلك من إنجازات استثنائية تُثري مسيرة الوطن. كما أرى في هذا اليوم رمزاً للوحدة الوطنية، ومثالاً للتلاحم بين الشعب وقيادتنا الرشيدة، وفيه نستحضر قيم الانتماء والولاء والوحدة التي نشأنا عليها. كما يمثّل هذا اليوم لحظة اعتزاز بما حققته دولتنا من إنجازات رائدة جعلت منها نموذجاً متفرداً للتعايش والتسامح، ووجهةً لريادة الأعمال وملتقى للمواهب.

إذا أردتِ اختيار كلمة واحدة تلخّص روح دولة الإمارات، فما هي ولماذا؟

إن كان لا بد من اختزال جوهر روح دولة الإمارات بكلمة واحدة، فهي المستقبل والطموح، حيث آمنت الدولة منذ تأسيسها بأهمية الاستثمار في الإنسان الذي يشكل أساس نهضتها، وبقدرته على تحويل التحديات إلى فرص. ولذلك عملت الإمارات على بناء منظومة متكاملة قادرة على استشراف المستقبل وتسهم في تحفيز الابتكار والإبداع، واحتضان المواهب، وتدعم تحقيق الطموحات وتحويل الأفكار إلى مشاريع واقعية ومؤثرة. ما يعكس تفرد نهج قيادتنا الرشيدة ورؤيتها التي جعلت من الإنسان محوراً للتنمية وركيزة أساسية لبناء مستقبل أكثر إشراقاً للجميع.

تلعب المرأة الإماراتية اليوم دورًا محوريًا في المشهد الثقافي. كيف تصفين مساهماتها وتأثيرها في هذا القطاع؟

أثبتت المرأة الإماراتية قدرتها على تحقيق التميز في كافة المجالات ومن بينها قطاع الثقافة والفنون، ما فتح أمامها آفاق الإبداع، وجعل منها شريكاً فاعلاً في بناء جسور التواصل من خلال أدوارها التنموية المختلفة، كما نجحت المرأة في إثراء المشهد الثقافي المحلي، من خلال قيادتها وإدارتها للعديد من المشاريع الإبداعية التي تجسد رسالة دبي والإمارات الهادفة إلى تعزيز التعاون وتبادل الرؤى مع العالم، وذلك بفضل دعم القيادة الرشيدة التي أولت المرأة اهتماماً كبيراً ووضعتها على رأس قائمة أولوياتها، وساهمت من خلال إستراتيجياتها المبتكرة في تمكين المرأة في مختلف القطاعات، إيماناً منها بأهمية دورها كمحرك أساسي في مسيرة التنمية، كما هيأت لها بيئة إبداعية شجعتها على المساهمة في وضع السياسات والمبادرات الهادفة إلى تفعيل الحراك الثقافي الذي تشهده الدولة، وبناء بنية تحتية ثقافية قادرة على مواكبة متطلبات المستقبل.

من خلال عملكم في قيادة القطاع الثقافي، ما هي القيم أو المبادئ التي ترين أنها تشكّل جوهر الهوية الثقافية الإماراتية؟

تستند الهوية الثقافية الإماراتية في جوهرها إلى منظومة شاملة من القيم الأصيلة التي شكلت ملامح مجتمعنا، وأسهمت في صياغة الشخصية الإماراتية القائمة على الانتماء والاحترام والتسامح والطموح، إضافة إلى الانفتاح والتعايش، وهي قيم رسخها الآباء المؤسسون في نفوس أبناء المجتمع، وجعلت من الدولة موطناً يحتضن أكثر من 195 جنسية تعيش في إطار من الاحترام المتبادل.
ويُعد التراث مصدراً متجدداً للإلهام، يُسهم في توطيد ارتباطنا بجذورنا وهويتنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة. كما تمثل هذه القيم جوهر عملنا في "دبي للثقافة"، حيث نعمل على بناء بيئة متكاملة تعزز الإبداع، وتصون التراث، وتفتح آفاقاً جديدة أمام الأجيال القادمة.

تشهد دبي والإمارات عموماً توسعاً كبيراً في الفنون، والمتاحف، والمهرجانات، والمبادرات الفنية المختلفة. ما المشاريع أو المنجزات الوطنية التي تعتقدين أنها تركت بصمة خاصة هذا العام؟

يتميز المشهد الثقافي في الإمارات بتنوعه وغناه وتكامله، ويعكس تفرد نهج قيادتنا الرشيدة التي تؤمن بأن الثقافة تعتبر محركاً للتنمية المجتمعية والاقتصادية، وجزءاً أساسياً من اقتصاد الدولة القائم على المعرفة والابتكار، وتميز هذا العام بإطلاق العديد من المشاريع والمبادرات الثقافية والفنية المختلفة، ومن أبرزها استضافة دبي للمؤتمر العام السابع والعشرين للمجلس الدولي للمتاحف "آيكوم دبي 2025"، الذي عقد تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وكذلك اعتماد المجلس التنفيذي لإمارة دبي، بتوجيهات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، مشروع "أوركسترا دبي" الهادف إلى تعزيز حضور الفنون والثقافة الإماراتية على الخريطة العالمية.

كما تصدرت دبي خلال هذا العام مؤشر عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات الثقافية والإبداعية لعام 2024، حيث حافظت على مكانتها كأفضل وجهة عالمية في استقطاب مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة في الصناعات الثقافية والإبداعية للسنة الثالثة على التوالي. كما شهدنا إطلاق منتدى "بين أعمدة العريش: العمارة في تغير" الذي نظمته "دبي للثقافة" بالشراكة مع "جناح دولة الإمارات في إكسبو 2025 أوساكا"، كجزء من مسؤوليتها تجاه القطاع الثقافي والإبداعي المحلي وتعزيز قوته وحضوره على الساحة الدولية والتعريف بإنجازات أصحاب المواهب والمصممين وإبداعاتهم.

وفي مجال المتاحف، تواصل الدولة تطوير هذا القطاع الحيوي من خلال إضافة مجموعة جديدة من المتاحف المميزة، ومن أبرزها متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي في المنطقة الثقافية بجزيرة السعديات، ومتحف زايد الوطني الذي سيتم افتتاحه خلال ديسمبر 2025، إضافة إلى الإعلان عن إطلاق متحف دبي للفنون «DUMA» بالشراكة مع القطاع الخاص، وغيرها الكثير، وتعكس هذه المشاريع والإنجازات رؤية الدولة في بناء منظومة ثقافية مستدامة قائمة على الابتكار، وقادرة على مواكبة متطلبات المستقبل.

مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي هالة بدري
مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي هالة بدري

إلى أي مدى ترين أن الاستثمار في الثقافة والإبداع يعزز مكانة الإمارات عالمياً ويعكس صورتها كدولة مبتكرة ومتسامحة؟

تمثل الثقافة قوة اقتصادية واجتماعية وإنسانية تعكس جوهر الدولة وهويتها المتفردة، ويُعدّ الاستثمار فيها ركيزة محورية تسهم في تعزيز مكانة دبي والإمارات وقوة حضورها على الخريطة العالمية، بوصفها مركزاً عالمياً للاقتصاد الإبداعي وملتقى للمبدعين ورواد الأعمال. وقد أثمر ذلك نتائج ملموسة، تمثلت في تصدر دبي مؤشر عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات الثقافية والإبداعية لعام 2024، حيث نجحت الإمارة، بفضل سياساتها المبتكرة، في استقطاب 971 مشروعاً في هذا القطاع، ما أسهم في رفع تدفقات رؤوس الأموال للاستثمار الأجنبي المباشر إلى 18.86 مليار درهم، بزيادة تقارب 60%، وأسهم في توفير 23,517 فرصة عمل جديدة. وتؤكد هذه الأرقام أهمية الثقافة ودورها في بناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، وتبرز قوة الدبلوماسية الثقافية وفاعلية رؤيتها في ترسيخ حضور الإمارة مركزاً عالمياً للثقافة، حاضنة للإبداع، وملتقى للمواهب.

ولم تعد الثقافة اليوم مجرد عنصر من عناصر الهوية الوطنية، وإنما أصبحت قوة ناعمة تعزز صورة الإمارات كدولة متسامحة ومنفتحة، قادرة على مدّ جسور التواصل بين المجتمعات، وتهيئة بيئة إيجابية يسودها الاحترام والتعايش ونبذ التطرف. وهو ما جعل الدولة نموذجاً للدبلوماسية الثقافية التي تجمع بين الابتكار والقيم الإنسانية، وتسهم في تشكيل مستقبل الإبداع والمعرفة على مستوى العالم.

ما الرسالة التي تودّين توجيهها للشباب الإماراتي العامل في المجالات الإبداعية بمناسبة عيد الاتحاد؟

بمناسبة عيد الاتحاد، يسعدني أن أعبر عن فخري واعتزازي بالشباب الإماراتي العامل في مختلف المجالات الثقافية والإبداعية، وبما يبذلونه من جهود تُسهم في تعزيز مكانة الإمارات ودورها في إثراء الحراك الثقافي العالمي. وأدعوهم إلى مواصلة تطوير مهاراتهم وصقل قدراتهم، والاستثمار في شغفهم وطموحاتهم عبر تبني الابتكار وتحويل أفكارهم إلى مشروعات نوعية تعزز قوة الصناعات الثقافية والإبداعية. كما أحثهم على التمسك بتراثنا الأصيل الذي يشكل نبض الماضي وروح الحاضر، وجسراً يربط الأجيال بقيمها وهويتها الأصيلة، إلى جانب مواصلة سرد حكاية دبي والإمارات بروح جديدة تعكس طموح الدولة ورؤيتها، وتسهم في ترسيخ حضورها على الخريطة العالمية.