خاص "هيَ": آسان… حين يتحوّل التراث من مادة تُعرض إلى مساحة تُبنى

خاص "هيَ": آسان… حين يتحوّل التراث من مادة تُعرض إلى مساحة تُبنى

نورا البشر
26 نوفمبر 2025

في منتدى مسك العالمي 2025، لم يكن حضور متحف “آسان” مجرد مشاركة في برنامج أو جناح عابر. بدا واضحًا أن المتحف جاء ليُعلن شيئًا مختلفًا عن السائد: أن التراث ليس كتلة جامدة من الماضي، هو مجال مفتوح للأفكار الجديدة، وشريك في رسم مستقبل الشباب، تمامًا كما يقول شعار المنتدى لهذا العام: “بصُنع الشباب قصصهم وحلولهم”.

الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"
الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"

وسط زخم الجلسات والحوارات، لفت جناح المتحف الأنظار بتجربته التفاعلية التي تجمع بين التاريخ القديم والتقنيات الجديدة. لم يكن المكان يروي الماضي فقط، هو يفتحه للنقاش، ويتركه مساحة يكتب فيها الشباب رؤيتهم، ويصوغون أسئلتهم، ويقترحون حلولهم.

ومن هنا بدأت حكاية “هيَ” مع آسان، عبر مقابلة حصرية تكشف عمق المشروع وفلسفته.

 

التراث كحياة، لا كمعروضات

في حديثهم لـ”هيَ”، أكّد فريق “آسان” أن المتحف وُجد ليكسر المفهوم التقليدي للمتاحف. فهم لا يرونه مساحة لعرض المقتنيات فقط، يرونه فضاءً حيًا يتقاطع فيه الماضي مع الحاضر، ويجد فيه الشباب مساحاتهم لكتابة سرديتهم الخاصة.

يقول الفريق:

"يتجاوز آسان في رؤيته وبرامجه فكرة المتاحف التقليدية، حيث نؤمن بأن دور المتاحف لا ينبغي أن يقتصر على عرض المقتنيات والقطع التراثية والتاريخية، يمتد إلى تقديم مساحة تفاعلية ملهمة تتيح للزوار اكتشاف أصالة تراثهم وإثرائه بإبداعاتهم ورؤاهم ليبقى جسراً نابضاً بالحياة وممتداً بين أجيال الماضي والحاضر والمستقبل.

وعند اكتمال بنائه وافتتاحه في الدرعية، سيوفر آسان للشباب ولجميع فئات المجتمع مساحات ملهمة يكتشفون من خلالها أصالة التراث السعودي، ويصيغون رؤيتهم الخاصة لما يعنيه هذا التراث اليوم، وفي المستقبل.

وترتكز رسالتنا في آسان على تحويل التراث من مادة تُعرض إلى سردية حيّة يُشارك الجميع في بنائها، وينسجون من خلالها قصصهم وحلولهم، بما ينسجم تماماً مع شعار منتدى مسك العالمي لهذا العام.

ومنذ انطلاقتنا في فبراير الماضي، ركّزنا على تمكين الشباب عبر ورش العمل، والجلسات التفاعلية، وبرامج المشاركة المجتمعية.

ووجودنا اليوم في منتدى مسك العالمي هو محطة أساسية لتقديم هذا الدور للجمهور، وإظهار كيف يمكن أن يكون التراث مساحة للتفكير والإبداع وليس فقط للتأمل."

وفي سياق المنتدى، ظهر هذا المفهوم بوضوح من خلال ورش العمل، البرامج الشبابية، والجلسات التفاعلية، في ترجمة حيّة لفكرة أن التراث مادة يُعاد تشكيلها وحوار يُكتب.

 

الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"
الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"
الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"
الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"

 

المعمار كجسر بين زمنين

يقف “آسان” اليوم في قلب الدرعية، بتصميم معماري يحمل توقيع Zaha Hadid Architects، مبنى يستلهم الطراز النجدي، لكنه يدمجه بلغة معاصرة تفتح الباب أمام التجربة قبل المشاهدة. وفي سؤال حول كيفية ترجمة هذه الهوية المعمارية إلى برامج تعليمية ورقمية يشارك فيها الشباب، جاء الجواب:

"إن تصميم المتحف المستوحى من الطراز العمراني النجدي والذي يدمج أحدث الابتكارات والتقنيات التفاعلية، يعكس رؤية وفلسفة آسان في تقديم التراث كقيمة حيّة ومعاصرة. ونعمل اليوم على ترجمة هذه الرؤية إلى برامج نوعية تشمل:

• برامج تفاعلية: تمنح الشباب فهماً أعمق للتراث السعودي من خلال قصص، ومقتنيات، وتجارب حسيّة وتفاعلية.

• مساحات رقمية غامرة: تجمع بين التراث والتقنيات الحديثة، تُمكّن الشباب من التوثيق والإبداع في مجال التراث لتقديم محتوى يعكس رؤيتهم.

• أنشطة تفاعلية: كما لاحظتم في جناح آسان بالمنتدى، حرصنا على تصميم تجارب وأنشطة غامرة تدمج بين التاريخ والتقنية لصناعة تجربة حية تربط الماضي بالحاضر والمستقبل.

هدفنا أن يشعر الشباب بأن التراث جزء من أسلوب حياتهم اليومي، وأن لديهم الأدوات التي تمكنهم الإبداع لإعادة تقديمه بطرق جديدة تبقيه حياً ومؤثراً وممتداً في ذاكرة الأجيال.

وقد نظمنا خلال مشاركتنا في منتدى مسك العالمي ورشة عمل تفاعلية، أتاحت للشباب السعوديين تقديم أفكار وحلول عملية للتحديات التي تواجه قطاع التراث في المملكة. وتتضمن مخرجات الورشة إعداد ورقة بحثية في مجال التراث تعبّر عن رؤى الشباب في صياغة مستقبل التراث السعودي، وستُسهم في تطوير مبادرات جديدة تدعم القطاع."

الفكرة ليست بناء متحف يعرض الماضي؛ الفكرة بناء موقع حيّ يعيد الاشتعال كلما دخل شاب وأعاد النظر في قطعة أثرية أو قصة قديمة.

الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"
الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"
الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"
الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"

 

التراث في يد الشباب… وليس خلف زجاج

في المنتدى، نظّم “آسان” ورشة عمل خرجت منها أفكار شبابية حول مستقبل القطاع التراثي في المملكة.

هي ليست نقاشات عابرة، لأن مخرجاتها ستتحول إلى ورقة بحثية تُسهم في تشكيل مبادرات جديدة تخدم قطاع التراث.

بهذا تتضح هوية "آسان": تراث يُعاد إنتاجه داخل العقول قبل أن يوضع داخل خزائن العرض المتحفية.

شراكات تعيد ترتيب المشهد الثقافي

وخلال اللقاء، شارك الفريق تفاصيل الشراكات التي بدأت في التشكل:

"نحرص في “آسان” على أن يوفر المتحف مساحة مفتوحة أمام الشباب للمشاركة والتعلّم، وقد بدأنا بالفعل بتأسيس شراكات مهمة مع مؤسسات وطنية رائدة مثل دارة الملك عبد العزيز ومؤسسة فنون التراث.

وتسهم هذه الشراكات في تطوير برامج وأنشطة تساعد الشباب على التعرف على مجالات العمل المتحفي، واكتساب مهارات مرتبطة بالتراث والبحث والتوثيق.

وفي الفترة المقبلة، سنعمل على توسيع دائرة التعاون مع الجهات الثقافية في المملكة، بما يمكّننا من تقديم مبادرات أكثر تنوعاً تثري تجارب الشباب وجميع فئات الزوار. كما يقدم المتحف مساحات تفاعلية ملهمة مثل والمعارض الرقمية لتكون منصات عملية للتجربة والتطبيق، ما يتيح للشباب فرصة المشاركة في بيئة نشطة تدعم تطوير معارفهم ومهاراتهم وخبراتهم في مجال التراث."

التعاون مع مؤسسة فنون التراث سيتيح عرض أكثر من 57 ألف قطعة لأول مرة للجمهور، في خطوة تعيد توسيع فهم التراث السعودي بعمق واتساع جديدين.

ما يعنيه آسان فعلًا: أن يكون التراث فكرة مستقبلية

“آسان” ليس مشروعًا معماريًا فقط، ولا متحفًا ينتظر لحظة افتتاحه.

هو رؤية تُبنى على مراحل، ومفهوم يعيد تعريف العلاقة بين الشباب وتراثهم، تراث يعيش في المستقبل كما عاش في الماضي.

كما يقول الفريق:

"هدفنا أن يشعر الشباب بأن التراث جزء من أسلوب حياتهم، وأن لديهم الأدوات التي تمكنهم من إعادة تقديمه بطرق جديدة تبقيه حياً وممتداً في ذاكرة الأجيال".

ورغم أن المتحف ما زال في طور الإنشاء في الدرعية، إلا أنه نجح في أن يكون حاضرًا، مؤثرًا، ومشاركًا في صياغة مسار جديد للتراث من خلال المنتدى، الورش، البرامج، والشراكات.

متحف مسك للتراث آسان يقدّم اليوم معنى مختلفًا:

تراث سعودي كحكاية تُروى… وهوية تُبنى.

الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"
الصورة مُقدمة من متحف مسك للتراث "آسان"