
نانو الرئيس تبحث عن رسائل إنسانية تتجاوز الحدود وتؤكد لـ"هي": أغني للحرية والغربة منحتني أفقا جديدا
نانو الرئيس الصوت السوري الذي حمل في حنجرته عبق الشرق ورحابة الغرب، نسجت مسيرة موسيقية عالمية بدأت من بيت في حمص يصدح بأغاني أم كلثوم وعبد الوهاب، لتصل إلى خشبات المسارح في أمريكا وأوروبا. درست الهندسة المعمارية في حلب، لكن قلبها كان مع الموسيقى، فانتقلت إلى Berklee College of Music، حيث انصهرت المؤثرات الشرقية مع الجاز والبرازيلية والكلاسيكية.. نانو الرئيس التي صاغت لنفسها مسارا فنيا عالميا ينبض بالحنين والعمق، تغني للحرية والمرأة والغربة، وتبحث في كل عمل عن رسائل إنسانية تتجاوز الحدود. في هذا الحوار، تكشف نانو الرئيس عن بداياتها، وتأثير الغربة، ورسالتها الفنية، وأغنيتها الأخيرة oh ma demeure التي جمعت المقام العربي بالموسيقى الكلاسيكية الغربية، لتصوغ عملا شخصيا عميقا يمس القلوب.
في البداية، كيف بدأت علاقتكِ بالموسيقى والغناء؟ وكيف تطورت؟
بصراحة، أعتبر أنني ما زلت في مرحلة الانطلاق. نشأت في بيت محب للموسيقى، وإن لم يكن فيه موسيقيون محترفون. كانت والدتي تهتم بالأغاني الكلاسيكية الشرقية والغربية، من أم كلثوم وعبد الوهاب إلى المقطوعات العالمية، وكانت تعطر البيت دائما بالموسيقى. شقيقاي كانا يعزفان البيانو، وبدأت دراستي للعزف الكلاسيكي عليه في عمر خمس سنوات. في سن الثامنة عشرة، سمعتني أمي أغني، فأعجبها صوتي، وعرّفتني على أستــــاذتــــي المـــؤثـــــرة "آراكس شيكيجيان" التي رافـــقــتـــــني منذ 2004 حتى اليوم، حتى بعد انتقالي للبنان وأمريكا، ولا تـــزال تـــدعــمـــني كأم ومعـــلـــمــــة في كل خـــــطــــوة. لاحقا، التحقت بـBerklee College of Music، وتأثرت بالموسيقى الغـربــيـــة والبــــرازيليــــة والجاز، فامتــــزجــــت هذه المؤثرات مع الجذور الشرقية لتبدأ رحلتي الاحترافية.
كيف أثرت الغربة القسرية في فنكِ بشكل عام؟
الغربة تجربة غنية ومؤلمة في الوقت نفسه، فهي تفتح الأفق على ثقافات وأساليب حياة جديدة، لكنها قاسية حين تأتي قسرا، فتجبرك على الابتعاد عن أهلك وبيتك وذكرياتك. هذه المشاعر المتضاربة انعكست بوضوح على شخصيتي وعلى أعمالي الفنية، وهذا يبدو جليا في كثير من أغنياتي.
كيف تختارين الموضوعات التي تتناولينها في أغنياتكِ؟
في رأسي أفكار كثيرة أعبّر عنها مباشرة أو بشكل غير مباشر. عندما أغني للحرية أو للشعوب المقهورة في سوريا أو لبنان، أقصد بذلك كل الشعوب المقهورة في العالم. أنا ابنة سوريا، وأغني لها ولجيرانها وأصدقائها، ومن الطبيعي أن أتناول قضايا وطني والمنطقة. كما أتحضر لعمل خاص بفلسطين. وبصفتي امرأة عربية ومغتربة، أجد في قضايا المرأة والغربة مساحة واسعة للتعبير، لأنني عشت تجارب مشابهة.
تميلين إلى دمج أنماط موسيقية ولغات مختلفة في أعمالكِ. هل كان ذلك خيارا مقصودا؟
لم يكن قرارا مخططا، بل نتيجة طبيعية لمسار حياتي، من طفولتي في حمص، إلى سنواتي في لبنان وأمريكا وفرنسا. أتنقل بين الكلاسيكي، والجاز، والبرازيلي، والشرقي، وأحيانا أدمج أكثر من لغة في الأغنية: العربية، الإنجليزية، الفرنسية، البرتغالية وغيرها. أترك إحساسي يختار، فكل أغنية تحدد بنفسها اتجاهها.
ما أهمية وسائل التواصل الاجتماعي للفنان؟ وأين أنتِ منها؟
هي أداة قوية وسريعة لوصل الفنان بجمهوره، لكنها تحتاج فريقا متخصصا للتصوير والنشر والتسويق، ولا يمكن للفنان أن يقوم بكل ذلك وحده. لفترة طويلة ركزت على العمل الإبداعي أكثر، لكن مع أغنيتي الجديدة "بيتي اللي بعيد" بدأت أعمل على تعزيز حضوري الرقمي من خلال الفيديو كليب.
حدثينا عن أغنيتكِ الأخيرة oh ma demeure.
الإلهام جاء من مقطوعة "غنوسيان 1" لـ"إريك ساتي"، التي تمزج المقام العربي "نوى أثر" مع الكلاسيك الغربي. أثناء خلوة موسيقية بقيادة المايسترو سيمون شاهين في بوسطن، ولدت كلمات الأغنية كتعبير صامت لحنيني ووطني، وكأنني أحدثه على ضفاف النهر. لاحقا، ألفت مع شاهين عزفا منفردا مزج بين المقامات، ليصبح جزءا من العمل.
وماذا عن فكرة الفيديو كليب؟
أردته أن يجسد هُويتي وحنيني، فجاء البيانو في قلب الصحراء رمزا لعزف الروح، وأضفت أصوات أهالي حمص والزي التراثي. الفكرة بدأت مع المخرج طارق الحفني في مصر، لكن لأسباب لوجستية أكملنا العمل في دبي مع المنتج رامي الجيوسي والمخرج محمد علوان. أضفت لمسات سريالية تعكس عبثية الأشياء بعيدا عن الوطن.
لك عـلاقـــة فنـــيــة قـــويــــة بالمايستــــرو سيــمـــون شاهـيــــن. ماذا يعني لكِ التعاون معه؟
أنا محظوظة بلقائه في بداياتي، وبتقديم عروض معه في أهم المسارح الأمريكية. شاهين ليس فقط موسيقيا بارعا، بل هو مدرسة في فهم الموسيقى العربية كجسر بين الثقافات.
كـيــف تــــريــــن دور الــمــوســـيـــقـــى في القـــضــايـــــا الإنــســانــيــــــة والاجتماعية؟
للموسيقى دور عميق في رفع الوعي وتحفيز التغيير، وهذا ما يخشاه الطغاة، لذلك تم منع أو محاربة أعمال كثيرة عبر التاريخ. أتمنى أن أسهم من خلال فني ولو بجزء صغير في إيقاظ هذا الوعي.
ماذا عن مشاريعك القادمة؟
لدي أعـــمــــال جــــاهزة مع الشاعر اللبناني سليم علاء الدين، وكاتب الأغـــاني السنغـــافــــوري "لولو" وغيرهما، وأنتظر التوقيت المناسب لإطلاقها.
هل من كلمة أخيرة؟
أتمنى أن يــعــم الســـلام والــحـــب والخير شعـوبـنــــا العـــربية التي طال انتـظــارها، وأرجو أن أحقق كل ما أصبو إليـــه في عـــالـــــم الموسيقى.