رسالة مهرجان برلين- فيلم "Disco Boy"

خاص "هي" رسالة مهرجان برلين- فيلم "Disco Boy".. عندما تصبح البداية الجديدة مجرد نهاية! 

أندرو محسن
23 فبراير 2023

اعتدنا أن نشاهد مشاكل اللاجئين العرب في الدول الأوروبية، لكن ليس من المعتاد أن نشاهد لاجئين أوروبيين في أوروبا. فيلم "Disco Boy" (راقص الديسكو) إخراج جياكوم أبروتزيسي، وبطولة فرانز روجوفسكي يطرح قضية الهجرة غير الشرعية داخل أوروبا، لكنه لا يتوقف فقط عند هذا الأمر، بل يطرح الفيلم عدة أفكار عن الإنسانية بوجه عام.

بين أوروبا وأوروبا

تدور أحداث في خطين الأول يتابع أليكسي (روجوفسكي) القادم من إحدى دول شرق أوروبا إلى فرنسا، حيث ينضم إلى إحدى القوات العسكرية الخاصة، وهو ما يعرف أليكسي أنه بمثابة ميلاد جديد له، إذ بانتظامه في فرقته سيتمكن من إخراج أوراق فرنسية مما يعني بداية جديدة له. 

لم تكن رحلة أليكسي إلى فرنسا سهلة على الإطلاق، ومن خلال هذا نشاهد ما يمكن أن يصل إليه حجم التنازلات والخسائر لدى بعض مواطني شرق أوروبا من أجل السفر إلى دولة أكثر ثراءً واستقرارًا مثل فرنسا. لكن عندما يصل إلى فرنسا وينتظم في الفرقة الخاصة، يجد نفسه مضطرًا إلى مواجهة أحد الأسئلة الصعبة، وهو هل عليه الامتثال للأوامر فقط أم يتبع إنسانيته؟

بل

يسافر أليكسي ضمن فرقته لتحرير أسرى فرنسين لدى إحدى الجماعات المسلحة في دولة النيجر، وأثناء ذلك يجد أن بإمكانه إنقاذ بعض أهالي القرية، ولكن الأوامر تقتضي بأن يلتزم فقط بإنقاذ الأسرى الفرنسيين، وهو ما يوقعه في مأزق أخلاقي، ويوقعنا نحن المشاهدين أيضًا معه. من المعروف أن الامتثال للأوامر في المؤسسات العسكرية أمر مقدس، وفي هذه الحالة ربما الإقدام على فعل خارج المتفق عليه قد يهدد العملية بأكلمها، ولكن بالنسبة لألكسي الأمر يختلف.

هذا الشاب لا ينتمي إلى وطن حقيقي، فقد ترك وطنه والآن هو في مرحلة اختبار حتى ينتمي إلى فرنسا، وربما كانت هذه أكثر تفاصيل الشخصية حساسية، إذ نحن نشاهد شخصًا يحاول التشبث بالحياة نفسها، ليس لديه مشكلة أن يخوض التدريبات الشاقة ويقاتل، حتى يصل لاحقًا إلى حياة كريمة، أو من وجهة نظر أخرى، ليس لديه مشكلة في أن يكون الوصول إلى حياة أفضل يتضمن إمكانية التضحية بحياته في المقابل.

غ

بين إفريقيا وأوروبا

في الخط الثاني من الفيلم، نتعرف على بعض من الجماعة المسلحة في النيجر والتي تقاوم الدولة لأنها ترى أنها تعمل في إدارة الموارد وتسمح بتلويث بيئة النيجر لأجل الشركات الأجنبية. على عكس الأفلام الأخرى التي تقدم عادة الشخصيات داخل تلك الجماعات المسلحة إما بشكل جاف تمامًا، في صورة آلات قتل فقط، أو لا تهتم بتقديمها على الإطلاق، في "راقص الديسكو" يقترب المخرج من الشخصيات أكثر، ويستكشف أحلام الشاب جومو، الذي كان يتمنى أن يصبح مع أخته أودوكا راقص ديسكو، في حالة كان وضعه أفضل بعيدًا عن النزاع والقتال.

لا يحاول الفيلم بالطبع تجميل صورة النزاعات المسلحة، ولكنه يحاول أن ينظر بعين أخرى إلى البشر، طارحًا سؤال: ماذا لو كنا في عالم أفضل؟ 

غ

في فصله الأخير، يأخذ الفيلم طابعًا غرائبيًا بعض الشيء، إذ يشاهد أليكسي جومو في خيالاته، ويشاهد أودوكا بالفعل في أحد الأندية الليلية. ربما تكون المصادفة كبيرة بعض الشيء هنا من الناحية النظرية إذ أن أودوكا، من بين كل الأندية الليلية في فرنسا، ترقص في النادي الذي يذهب إليه أليكسي. لكن عندما ننظر إلى البناء الخاص بالفيلم وفكرة تقاطع المصائر التي يحاول تقديمها منذ البداية فسنجد الصدفة ملائمة تمامًا.

رغم النهاية الواضحة للعمل والتي لا تتركنا كثيرًا مع الخيالات أو محاولة توقع مصائر الشخصيات، فإنه يزرع الكثير من الأسئلة الأخرى داخلنا، أولها بالتأكيد عن فكرة الهرب ومحاولات البدء من جديد، إذ أن أليكسي الذي حاول أن يخلق لنفسه هوية جديدة، وجد أنه يتعذب حتى يصل إليها، بينما أودوكا التي كانت تحلم فقط بأن تحيا بسلام في وطنها انتقلت لتبدأ في عالم جديد لم ترغب فيه من الأساس، حتى وإن وفر لها هذا العالم بقاء هوايتها الأثيرة، الرقص.

ب

الصور من موقع المهرجان الرسمي