المنظار الرحمي لعلاج العقم عند المرأة

حيث ساعد اكتشاف تلك التقنيات الحديثة على الكشف عما بداخل التجويف الرحمي الذي كان في السابق يعتبر كهفا مظلما تصعب رؤية ما بداخله، واستكشاف أمراضه ومعالجتها بدرجة عالية من الدقة وتحت الرؤية المباشرة والمكبرة. وتم تطوير مختلف الأدوات المساعدة من قواطع وملاقط ومقصات جراحية وأطراف كاوية لا يتعدى سمكها 2-3 مليميتر، فمكنت من إجراء كثير من العمليات الجراحية باستخدام تقنيات حديثة حلت محل الأساليب القديمة. كل هذه التطويرات في أجهزة المنظار الرحمي مكنت، بفضل الله، من استخدامها لتشخيص وعلاج الكثير من الحالات المرضية داخل الرحم، واكتشاف ومعالجة المشكلات المتعلقة أيضا بعنق الرحم مثل استئصال اللحيمات والزوائد اللحمية من داخل بطانة الرحم إضافة إلى استئصال الأورام الليفية، وتفكيك التصاقات بطانة الرحم، ومعالجة الاختلافات التكوينية في الرحم، وغيرها من الاستعمالات المتزايدة والمتطورة دائما. وتختلف أنواع المناظير الرحمية حسب مرونتها بين صلبة ومرنة، وحسب سمكها بين مناظير رفيعة يتراوح قطرها بين 2-3 مم، ويتم استخدامها غالبا في عيادة الطبيب ومن دون الحاجة إلى إعطاء المريضة أي أدوية مسكنة أو مخدرة وبفاعلية تشخيصية عالية جدا. كما يمكن استخدام المناظير الجراحية ذات القطر الكبير نسبيا الذي يصل قطرها إلى 10 مم لإجراء استئصال الأورام الليفية واللحيمات، وكي بطانة الرحم، وإزالة الالتصاقات الرحمية، بل وتسمح باستخدام أشعة الليزر أثناء الجراحة. دور المنظار الرحمي في علاج حالات العقم: مع اكتساب المنظار الرحمي مزيداً من القبول كوسيلة لتشخيص ومعالجة الحالات المختلفة التي تصيب الرحم، استخدم ايضا كأداة متميزة في تقييم تجويف الرحم عند السيدات اللاتي يعانين من صعوبات الإنجاب لزيادة دقة تشخيص سبب العيوب داخل الرحم. ويتم إجراء المنظار الرحمي لتقييم تجويف الرحم قبل البدء في برنامج تنشيط المبيضين والتخصيب في المختبر للسيدات اللاتي سبق أن خضعن لعمليات تخصيب أو تلقيح اصطناعي غير ناجحة أو اللاتي أظهرت الفحوص بالأشعة الصوتية وجود اشتباه في سماكة بطانة الرحم أو ضعف أو عدم الانتظام في تكوينها. كما يمكن إجراء الفحص في عيادة الطبيب كإجراء مبدئي للتحقق من وجود سبب يستدعي إجراءه تحت التخدير أو باستخدام أدوات جراحية مساعدة ويمكن إجراؤه في وقت واحد مع تنظير البطن لتقييم عنق وتجويف الرحم. استئصال لحيمات من تجويف الرحم: تنشأ لحيمات بطانة الرحم في مرحلة الإنجاب بسبب اضطرابات في دورة النمو والتشكل لبطانة الرحم أثناء الدورة الشهرية، ما ينتج عنه نمو زائد لخلايا الطبقة القاعدية لبطانة الرحم. وتعتبر اللحيمات من التورمات الموضعية الحميدة، ويتراوح حجمها من حجم حبة الزبيب إلى أحجام حبة العنب (من 5 مم إلى 3 سم) تقريبا، وقد تكون لحيمة وحيدة أو متعددة داخل بطانة الرحم. وقد تصحب هذه اللحيمات اضطرابات في الدورة الشهرية تتراوح بين إفرازات دموية خفيفة متقطعة غير منتظمة لا علاقة لها بالدورة الشهرية إلى نزف دموي مصحوب بكتل دموية أثناء الدورة الشهرية. وتسبب اللحيمات التهابا موضعيا في بطانة الرحم، ما ينتج عنه فشل في التصاق الأجنة الملقحة داخل الرحم وإجهاض متكرر. ولتشخيص اللحيمات لا بد من الفحص بالموجات فوق الصوتية، إضافة إلى إجراء المنظار الرحمي، واستئصالها وإجراء كشط لبطانة الرحم مع الفحص النسيجي. وكي لقاعدة اللحيمات بدقة لمنع نموها مرة أخرى. وقد أثبتت الدراسات العلمية أن معالجة الحالات المرضية التي تصيب تجويف وبطانة الرحم قد تزيد من نسبة حدوث الحمل تلقائيا أو باستخدام التلقيح داخل الرحم أو التخصيب في المختبر لمعدلات تصل إلى 78 في المئة. استئصال الأورام الليفية من تجويف الرحم: هي أورام حميدة في الأنسجة المكونة لجدار الرحم، تحدث الأورام الليفية عند السيدات في سن الإنجاب دون مسببات واضحة، حيث تشير التقديرات إلى تشخيص الألياف الرحمية عند نحو 3 في المئة من السيدات اللاتي يعانين من صعوبات في الإنجاب. ويرجع تأثير الأورام الليفية إلى تسببها في تشويه جدار وتجويف الرحم وضعف بطانة الرحم المحيطة بالورم الليفي، ما يؤدي إلى تقليل إمكانية حدوث الحمل. ويتناسب تأثير الأورام الليفية مع حجم الورم وموضع قربها من تجويف الرحم، فكلما زاد حجم الورم الليفي وقربه من بطانة الرحم، ازداد تأثيره في الخصوبة ومعدل الحمل والإجهاض. ويتم استئصال الأورام الليفية الواقعة داخل تجويف الرحم عن طريق المنظار الرحمي الجراحي وتحت التخدير الجراحي لتحقيق الاستئصال الكامل. حيث إنه لا بد من إعادة تشكيل جدار الرحم الداخلي بالحجم الطبيعي لاستيعاب التصاق ونمو الأجنة. الالتصاقات داخل بطانة الرحم: تنشأ الالتصاقات داخل الرحم نتيجة تعرض الطبقة النامية السفلى من بطانة الرحم للتلف بسبب التخريش والتجريف الجائر أثناء كشط بقايا إجهاض أو إزالة بقايا مشيمية، أو بعد استئصال اللحيمات أو الألياف من تجويف الرحم. وقد تنشأ الالتصاقات لأسباب أخرى كالإصابة بالعدوى الجرثومية للجهاز التناسلي، ما ينتج عنه انقطاع الدورة الشهرية أو الإجهاض المتكرر أو العقم بسبب ضعف البناء الدوري لبطانة الرحم. ويتم تشخيصها عند 1.5 في المئة من السيدات اللاتي يعانين من صعوبات الإنجاب. ويعتبر المنظار الرحمي من أفضل الوسائل المستخدمة لتشخيص وعلاج هذه الالتصاقات. حيث تتم بواسطته رؤية وعلاج الالتصاقات في آن واحد. ويختلف سمك الالتصاقات من سيدة إلى أخرى حسب السبب الذي نتجت عنه، فقد يتراوح سمك الالتصاقات من خفيف جدا يشبه شبكة العنكبوت بحيث يمكن إزالته بواسطة ضغط السوائل فقط، إلى الالتصاقات الكثيفة التي يستدعي استئصالها استخدام أدوات جراحية متقدمة، إضافة إلى إجراء منظار للحوض للتحكم في فاعلية العملية الجراحية، وتجنب المضاعفات المحتملة. وينجح المنظار الرحمي في استعادة شكل التجويف الرحمي الداخلي والبطانة المغلفة له بنسب متفاوتة. حيث تصل نسبة حدوث الحمل بعد إجراء العملية إلى 75 في المئة من السيدات المصابات بالتصاقات خفيفة، بينما لا تتعدى نسبة الحمل 31 في المئة فقط مع الالتصاقات الشديدة. وكما هي القاعدة في الإجراءات الطبية تخضع كل حالة لعوامل كثيرة متفاوتة بين حالة وأخرى. الاختلافات الخلقية الرحمية: تعتبر الاختلافات الخلقية في تكوين الجهاز التناسلي عند الإناث من الحالات النادرة التي تختلف نسب تشخيصها بحسب اختلاف المناطق الجغرافية حول العالم. حيث تزيد نسب الإصابة بها لدى سكان حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية. وتندر الإصابة بها في شمال وشرق آسيا وأوروبا وشمال أمريكا. ويرجع ذلك إلى تركز الجينات المورثة لتلك الاختلافات في سكان تلك المناطق من العالم. وإجمالا يتم تشخيص الاختلافات الخلقية بأشكالها المختلفة لدى نحو 1-2 في المئة من جميع السيدات في مرحلة الإنجاب، بينما تزيد إلى 4 في المئة من السيدات اللاتي يعانين من صعوبات الإنجاب. ويزيد معدل تشخيص الحالات المماثلة إلى 10-15 في المئة من السيدات اللاتي يعانين من الإجهاض المتكرر. وتختلف أنواع الاختلافات التكوينية من عدم تكون للرحم أو جزء منه إلى ازدواج في الرحم مرورا بالرحم القلبي، والرحم ذي القرنين، أو الرحم ذي الحاجز الطولي بدرجاته المختلفة. كذلك تختلف الأعراض المصاحبة لهذه الحالات من سيدة لأخرى. حيث تعاني بعض السيدات اللاتي يعانين من اختلافات تكوينية في الرحم من آلام متزايدة ومبرحة في الحوض أثناء الدورة الشهرية، مع تكون أكياس على المبيضين. بينما يتم اكتشاف هذه الحالة بعد فحوص متتالية لحالات الإجهاض المتكرر أو الولادة المبكرة. وتعتبر الاختلافات التكوينية في جدار الرحم من الحالات المعروفة، والتي كانت تعالج سابقا عن طريق إجراء عملية جراحية عن طريق البطن، وفتح جدار الرحم لاستئصال الحاجز وإعادة تكوينه. وعلى الرغم من صعوبة هذا النوع من العمليات ودقتها إلا أن نتائجها لم تكن مرضية دائما. حيث يتعرض جدار الرحم لكثير من الضعف، وهو ما يقلل من احتمال اكتمال نمو الحمل إلى الشهر التاسع، إضافة إلى احتمال تكون الالتصاقات داخل الحوض ومضاعفات أخرى متعددة. وقد مكن اكتشاف استخدام المناظير الرحمية، بفضل الله تعالى، من إجراء تسوية واستئصال الحواجز داخل الرحم بسهوله وفاعلية تقنية عالية جدا، ومن دون تأثير يذكر في تكوين وقوة جدار الرحم. حيث تجرى هذه العملية تحت التخدير العام في الغالب بالتزامن مع إجراء منظار الحوض إذا لزم الأمر. ويتم قص وكي الحاجز الرحمي بدقة باستخدام الأدوات الجراحية المناسبة. وتعتبر عمليات تصحيح الحواجز الرحمية بواسطة المناظير الرحمية من أنجح العمليات التي تجرى لهذا الغرض، حيث أظهرت الدراسات تحسنا في نتائج الحمل تصل إلى 80 في المئة، مع انخفاض كبير في معدلات الإجهاض. توسعة مداخل أنابيب فالوب: قد تظهر الفحوص المبدئية باستخدام الصبغة ضيقا أو انسدادا في الفتحات الموصلة من تجويف الرحم إلى قناة فالوب. وقد يرجع سبب ذلك إلى إصابة بعدوى جرثومية سابقة، أو وجود بقايا متفتتة من الدورة الشهرية أو الإصابة بالالتهاب العقدي أو الإصابة بالتصاقات البطانة المهاجرة، وقد يكون الضيق مجرد تشنج موضعي في الفتحات المؤدية إلى قناة فالوب. حيث يمكن في مثل هذه الحالات إجراء المنظار الرحمي بغرض قسطرة وتوسيع الفتحات المؤدية إلى الأنابيب لمعالجة الانسداد، وتحسين فرص الحمل قبل اللجوء إلى الإخصاب الاصطناعي. وعلى النقيض يمكن المنظار الرحمي من إدخال مدرجات دقيقة جدا إلى داخل الفتحة الموصلة إلى قناة فالوب بغرض إغلاقها، ومنع تسريب السوائل الضارة في حالات الالتهابات المزمنة المتوسعة لأنابيب فالوب، ما يحسن من نتائج الإخصاب الاصطناعي. ونظرا لفاعليتها المرتفعة، إضافة إلى إمكانية إجرائها من دون الحاجة إلى تخدير عام في غالب الأحوال، أصبحت عمليات منظار الرحم التشخيصي والجراحي من الإجراءات التي تلعب دورا مهما في تشخيص وعلاج مختلف الأمراض الرحمية. حيث يتعدى استعمالها معالجة حالات العقم ومصاعب الإنجاب المختلفة إلى تقييم حالات الإجهاض المتكرر، وفحص عنق الرحم وتجويفه، والكشف عن التصاقات الرحم، وإزالة الزوائد اللحمية والأورام الليفية. إضافة إلى معالجة حالات النزف الرحمي المتفاوتة، والكشف عن عينة الأنسجة من بطانة الرحم، فضلا عن تحديد موقع وإزالة وسائل منع الحمل الرحمية (اللولب).