السلام الداخلي

سألتُ أحد الأصدقاء وهو يقطع كيكة عيد ميلاده: ماذا تتمنى؟ فأجابني بدون تردد: السلام الداخلي.
 
ماذا يعني السلام الداخلي؟ وكيف يقفز إلى أذهان بعضنا بسرعة قبل غيره من الإجابات؟ هل لأن الحاجة إليه باتت أكبر، أم أنه بات راسخاً فينا بشكل كبير لدرجة أنه أول ما يخطر على بالنا عندما يُطرح علينا هذا السؤال؟
 
أن نتمنى السلام الداخلي يعني إما أننا نعيش حالة صراع وعدم استقرار فنطمح للسلام الداخلي لنرتاح، أم أننا نترفع عن ماديات الدنيا بالسعي وراء سلام داخلي نقي يرتقي بأرواحنا.
 
السلام الداخلي أو ما يُعرف أكثر براحة البال، يشير إلى حالة السلام في تكوينه العقلي والروحي مع ما يكفي من المعرفة والفهم للحفاظ على قوة النفس في مواجهة الخلاف والتوتر. أن تكون "في سلام" يعني للكثيرين أن تكون صحياً متوازناً وهو عكس أن تكون مرهقاً وقلقاً. وترتبط راحة البال عموماً بالنعيم والسعادة والرضا.
 
يُعدَ كلٌ من راحة البال والسكون والهدوء أوصافاً لحالات تخلو من آثار التوتر، وتعتبر بعض الثقافات السلام الداخلي حالةً من الوعي أو التنوير التي قد يمكن الوصول إليها عبر أشكال مختلفة من التدريب، مثل الصلاة والتأمل ورياضة التشي تاي تشون أو اليوغا حيث تشير العديد من الممارسات الروحية إلى هذا السلام كتجربة لمعرفة الذات.
 
يؤكد تنزين غياتسو، الدالي لاما الرابع عشر على أهمية السلام الداخلي في العالم: "المسألة الحقيقية للسلام الدائم للعالم يتعلق بالبشر، لذلك نجد أن المشاعر الإنسانية أساسية أيضاً. يمكن تحقيق السلام للعالم من خلال السلام الداخلي، حيث تتضح أهمية المسؤولية الفردية؛ يجب أولاً أن نتوصل للسلام داخل أنفسنا، ثم يتوسع تدريجياً ليشمل عائلاتنا، ومجتمعاتنا، وفي نهاية المطاف الكوكب بأكمله".
 
فكيف السبيل لتحقيق السلام الداخلي؟
 
يجمع علماء الإجتماع والنفس على عدة أسس ومفاهيم لا بد من تعلمها والإنخراط بها، للوصول إلى السلام الداخلي. وفي ما يلي نستعرض بعضاً من الطرق للحصول على هذا السلام:
 
1.التركيز على الأشياء التي نستطيع التحكم بها: عوضاً عن التركيز على الأشياء السلبية والمستحيلة، لنركز على السلوكيات التي تساعدنا في المحافظة على صحتنا وحياتنا، وبالتالي تحقيق ما نصبو إليه.
 
2.إظهار سلامنا الداخلي للخارج: لا شك في أن الأشخاص الذين يشعرون بالسلام الداخلي والصفاء وراحة البال يتميزون بصفات خاصة مثل عدم الرغبة بإدانة الآخرين وعدم القلق ووجود الإبتسامة دوماً على وجوههم. وهم بالإجمال يشعرون بالرضا والتقرب من الأخرين والرغبة بالحصول على الحب ومشاركته في نفس الوقت والإبتعاد عن النزاعات والخلافات العقيمة.
 
3.تنفـَّس الحياة:لنمنح أنفسنا بضع دقائق فقط يومياً للإسترخاء والتأمل والتنفس بعمق، بعيداً عن المشاكل والصراعات. إن تنفسنا للحياة يعيد التناغم والتوازن إلينا ويجعلنا ننعم بالسلام الداخلي.
 
4.كن شكوراً: الحمد والشكر صفتان لا يتحلى بهما إلا الإنسان النقي والمؤمن والمتصالح مع نفسه ومع الآخرين. فلنشكر الله على كل شيء، فحتى الأشياء السلبية تبقى أقل وطأةً من غيرها.
 
5.التظاهر بالسعادة: حتى في الأوقات التي لا نشعر فيها بالسعادة، لا ضير من التظاهر بالسعادة أمام الآخرين، لأن السعادة التي نقدمها للغير لا بد أن ترجع لنا.
 
6.عش الحاضر: قال أحدهم: "دعونا لا ننظر إلى الخلف بغضب، ولا للأمام بخوف، ولكن لننظر حولنا بوعي وحذر".
 
7.كن عطوفًا: كتب أحد الحكماء يقول: "أتوقع أن أعيش في هذا العالم مرةً واحدةً فقط، ولذلك فالوقت الآن مناسب كي أصنع إحسانًا وأظهر محبتي ولطفي تجاه شخص آخر. لا أرغب في تأجيل أو تجاهل هذا لأنني لن أمرَّ في هذا الموقف ثانية." هل يحتاج هذا القول إلى شرح أكثر؟!
 
8.لنجعل عالمنا أفضل: أنظر إلى نصيحة "جيم هينسون"، مبتكر الدمى المتحركة، الذي قال: "أؤمن باتخاذ مواقف إيجابية تجاه العالم... أملي هو أن أرى العالم بصورة أفضل من التي رأيته عليها عندما أتيت إليه".
 
9.عُد للطبيعة: إن قضاء وقت خارج المنزل هو علاج لأي نوع مِن الأمراض النفسية التي قد تصيب الإنسان. فاغتنم الفرصة واحصل على هذا العلاج الطبيعي عن طريق البستنة أو المشي أو التسلق أو حتى قضاء وقت فراغك في التنزه في أحد المنتزهات القريبة من منزلك.
 
10.تعلـَّم أن تعتني بنفسك: كلما اعتنينا بأنفسنا، بتنا أكثر قدرةً على التعامل مع التوتر والضغوط. وليكن ذلك من خلال الطعام الصحي وممارسة الرياضة والنوم الكافي والإبتعاد عن السلبيات.
 
11.تناول جرعة مِن فيتامين "الضحك": المزاح أو الفكاهة تـُخفـِّف من ضغوط الحياة وتـُقلل من الشعور بالقلق. فقم بشراء كتاب نكت وطرائف وواظب على قراءته، أو إبحث عن مواقع فكاهة عبر شبكة الإنترنت لتضحك يوميًا. 
 
12.كن مستقيمًا مع ذاتك: كن مباشرًا في كلامك وقل ما تعنيه، واعنِ ما تقوله. أظهر القيم والمبادئ التي تود أن تراها في نفسك. النفاق لا يؤدي إلا إلى التوتر والقلق.
 
13.سامح بسرعة: كثيراً ما تترك الإهانة أو الأذية أثراً فادحاً في نفوسنا، كأنها النار تأكل من قلوبنا وأفكارنا. تخلص من هذا العبء الثقيل بمسامحة من أخطأ بحقك وتخلص من مشاعر الغضب والضغينة في داخلك.
 
14.عش الحياة ببساطة: ليست السعادة في امتلاك كل الأسياء بل في امتلاك ما نحتاجه، فلتكن القناعة كنزنا ولنسع وراء أمور نحتاجها وليس وراء حسد الآخرين على ما لديهم.
 
15.أهمية الإنفتاح على الآخرين: ينشأ عدم السلام الداخلي من دوافعنا شديدة الأنانية والتمركز حول الذات. إذن فالإنفتاح على الآخرين يعتقنا من أسر الأنانية ويمنحنا الصفاء والسلام اللذين نصبو إليهما.
 
16.تحديد الأشياء المهمة في الحياة: لنسع وراء الأشياء المهمة في الحياة ولنبتعد عن الأهداف السطحية التي لا تؤدي إلا إلى التعب والإرهاق النفسي. ولتكن طموحاتنا على قدر حاجاتنا.
 
قد يكون الواقع مؤلماً أو قاسياً في كثير من الأحيان، وقد تؤثر معاناتنا الجسدية على راحتنا الذهنية، لكن الهدف الذي نصبو إليه، وهو السلام الداخلي، سيجعلنا نتجاوز أي محن وأي آلام.