المصائب لا تأتي فُرادى

البعض يراها سوء حظ، والبعض الآخر يقول أنها قضاءٌ وقدر، فيما يذهب آخرون إلى اعتبارها تكفيراً عن ذنوب وأخطاء كثيرة، وهناك من يتهم النفسية بالتسبب بها، فهل يصح كل ما ذُكر آنفاً عن انهمار المصائب دفعة واحدة؟
 
يقول وليام شكسبير: البلايا لا تأتي فرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيش.
 
محن الزمان كثيرةٌ ولا تنقضي وسرورها يأتي سريعاً كالأعياد، قد تتوالى المصائب والمحن علينا فلا ننتهي من واحدة إلا والأخرى متشبثة بنا. ولهذا نشعر دوماً بانهمار المصائب دفعةً واحدةً، كأنها اختارت أن تنزل بنا وعلينا في آن معاً.
 
فكيف السبيل لمواجهة هذا الكمَ الهائل من المصائب عند حدوثه، وهل صحيحٌ أن كثيراً من محننا هو من صنيع أيدينا؟
 
لكل امرء تفسيره لجلل المصائب، لكن من المؤكد أن يتشارك في رأي واحد وهو أن المصيبة تجمع ولا تفرق، وأنها تعطي من الدروس الكثير. كما أن المحن تكشف عن الصديق الصدوق أو الصديق المصلحة، من يبقى إلى جانبنا ومن يهرب عند حصول المصيبة. والأهم أن المحن تخبرنا عن أنفسنا فتؤكد ما كنا نعرفه وتكشف لنا ما كنا لا نعرفه.
 
ينجح بعض الناس في تجاوز المصائب المتكاثرة، فيما يقع آخرون ضحيةً لها، فمن أنت سيدتي من هذين الصنفين من الناس؟
 
قد تتكالب المصائب على الإنسان وتتوالى عليه مجتمعةً، وقد يقفد معها توازنه بعض الشيء، لكن الإنسان المؤمن بربه وبنفسه نجده مهما تكاثرت عليه المحن والشدائد يبقى واثقاً برحمة ربه متوكلاً عليه وصابراً لحين انفراج الهم وزواله حتى في أشد المحن قساوةً.
 
فمواجهة الأمر وعدم الإستسلام هما السلاح الأقوى لمواجهة أي مصيبة تحلَ بنا. لن ينفع أن ندفن رؤوسنا في الرمال لتفادي مواجهة المحن، بل يجب أن نرفع رؤوسنا عالياً ونواجه ريحها مهما اشتدت. وكلما نجحنا في تذليل عقبة، باتت الأخريات أسهل وأهون لنا.
 
قال الشاعر:
 
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً     وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها       فرجت وكنت أظنها لا تُفرجُ
 
تصقل المحن ذواتنا، وتكشف لنا عن قدراتنا وضعفنا، وقد تكون هادمةً في بعض الأحيان لكنها تبني بدلاً من الصرح المهدوم صروحاً أكثر متانةً وقوة. فلا تتواني سيدتي عن مواجهة الشدة مهما استحكمت، لا بد أنها ستجعل منك شخصاً أقوى وأكثر مناعة وحمكة وقدرة على مواجهة الحياة باقسى وجوهها.
 
ولا تنسي أن العطاء قد يكون في المنع، وأن وراء كل محنة منحة. فسبحانه وتعالى لا يبتلينا ليعذبنا بل ليرحمنا ومهما كان البلاء شديداً لا بد أن يكون وراءه خيرٌ كثير قد تُخفى علينا الحكمة منه ولا نعلم بذلك إلا بعد مرور الشدة والإبتلاء.
 
وما أجمل من قول الله تعالى في كتابه الكريم: فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً.