تجميل النفس قبل تجميل الجسد

مما لا شك فيه أن الإهتمام بالمظهر الخارجي بات شأناً بالغ الأهمية في حياتنا اليوم، فهو مرآةٌ لشخصيتنا وعاملٌ لا يُهمل لجهة تقييم المجتمع لنا. لكنه جانبٌ واحد من جوانب عديدة فالإنسان ليس مظهراً فقط، بل هو جوهرٌ وفكرٌ وإمكانياتٌ ومهاراتٌ ونفسٌ وذات، وهي مهمة بقدر أهمية المظهر الخارجي.
 
لكن الواقع المؤسف أن كثيراً منا يولي للمظهر الخارجي عناية أكبر، فيكون تجميل الوجه على حساب تجميل النفس التي تبقى ناقصة ومشوهة في كثير من الأحيان. فكما نهتم بتجميل مظهرنا، لا بد أن نفعل الشيء ذاته مع أرواحنا وذواتنا.
 
شخصية المرء وحياته شيئان يلازمانه طوال حياته، فإن اعتنى بهما كعنايته بمظهره، حافظ على شبابهما وجمالهما ورونقهما مع الوقت. وكما نرى مظهرنا الخارجي أمام المرآة كي نعرف ما نريد تغييره ونأخذ قرار تغيير قصة الشعر أو ألوان الملابس وأشكالها، كذلك نفعل فى أنفسنا ومهاراتنا وسمات شخصياتنا التى نراها لا تناسبنا ولا تناسب طموحاتنا، ونبدأ في العمل على تغييرها إلى الأفضل الذى نصبو إليه، فدائماً قبل التغيير يجب أن نعرف ما الذي نغيره، وبالتالى لا بد أن نعرف أنفسنا أولاً.
 
تعالوا نغوص معاً فى أعماق ذواتنا ونكتشف الطلة الجديدة التى نريدها لحياتنا وشخصياتنا وقدراتنا، وماذا نريد من الحياة؟ وماذا تريد الحياة منا؟ لنقسَم حياتنا إلى عدة أركان ولنزنها بمعايير محسوبة ومتساوية ونضع لها أهمية وأولويات متساوية أيضاً، بحيث لا يطغى ركنٌ منها على الآخر ويكون اهتمامنا بكل منها على نفس القدر والأهمية.
 
ولنبدأ بالركن الروحي، وعلاقتنا بالخالق، فسبحانه وتعالى أوجدنا وأوجد كافة المخلوقات والأشياء من حولنا، وبالتالي فوجودنا سببٌ لمعرفته وعبادته وهو أعاننا على الوصول إلى هذه الغاية بإرشادنا إلى معرفته عن طريق الرسل والأنبياء والديانات السماوية. وأعاننا أيضاً على معرفة كل ما يحيط بنا في هذا الكوكب والكواكب الأخرى والتعرف على أسرار الكون وكيفية التعامل معها.
 
أما الركن الآخر فهو الركن الشخصي ويتعلق بكل ما يخص الشخص ذاته، من جسد وعقل وروح. ويمكننا تجميل مكونات هذا الركن من خلال العناية بصلاح الجسد ليكون الطريق لصلاح العقل والروح أيضاً. وكما يُقال دائماً فالعقل السليم في الجسم السليم وبالتالي فالصحة أهم من الجمال والعقل أكبر وأسمى نعمة للإنسان، نعمةٌ فضلَنا الله بها على بقية المخلوقات وزودنا فيها بقدرات فائقة لا نستعمل إلا النذير منها، وواجبٌ علينا أن نصون هذه النعمة ونحافظ عليها ونسعى لرقيها.
 
ولا ننسى الروح والذات البشرية، هذا المنبع الجميل والغني بالمشاعر الدافئة والسكينة النفسية، وهو بقدر أهمية عقولنا وأجسادنا ولا بد من العناية الفائقة به. فالروح الصافية النقية، المتعالية عن الصغائر، السامية بأحساسيها أجمل ما يمكن أن يكون فينا ومنا، فلما لا نوليها أهمية وعناية وتجميلاً؟ تعاني الروح أيضاً من المرض ومن الملل، فلنعالجها بالرياضات الروحية مثل التأمل والعبادة والصلاة، ولنبعد عنها مشاعر الكراهية والسوداوية والتشاؤم، ولتكن روحنا مرآتنا التي تعكس جمال دواخلنا مثلما تعكس مرآة الزجاج جمال وجوهنا أيضاً.