
المعمارية ماجدة الهنائي لـ"هي": "أثر" يرسخ أول حضور لسلطنة عُمان في بينالي البندقية للعمارة 2025
افتتحت سلطنة عُمان أول جناح وطني لها ضمن فعاليات الدورة التاسعة عشرة من بينالي البندقية للعمارة، في خطوة تاريخية تسجّل حضور الدولة الأول في هذا المحفل العالمي الأبرز في مجال العمارة. يستلهم الجناح تصميمه من السبلة، تلك المساحة التقليدية للحوار والتجمّع في عُمان، ليقدّم تصورًا معماريًا معاصرًا يستند إلى استمرارية الثقافة المحلية وذكاء الفضاءات المجتمعية. تأتي المشاركة عبر جناح "أثر"، بإشراف المعمارية والقيمة الفنية ماجدة الهنائي، ليعبّر عن مقاربة تصميمية معاصرة تنطلق من مفاهيم محلية عُمانية، وتُعيد صياغتها ضمن حوار عالمي حول الاستدامة، والمساحات المدنية، والهوية الثقافية.

بينالي البندقية أول محطة في الحضور العُماني
في قلب هذا الظهور اللافت، تقف المعمارية والقيمة الفنية ماجدة الهنائي لتقود المشروع الذي لا يقدّم مجرد تركيب معماري، بل مقترحًا نقديًا عن كيفية تفعيل الذاكرة الجماعية والهوية ضمن بنى حضرية مرنة. في هذا الحوار الخاص مع "هي"، نتعرّف على أبعاد هذه المشاركة الأولى، ودلالاتها المعمارية والثقافية، من خلال صوت المرأة العُمانية التي قادت هذا الظهور إلى منصة عالمية.
تفتتح ماجدة حديثها لـ"هي" موضحاً: "هذه المشاركة تمثّل لحظة محورية في مسار العمارة العُمانية، إذ تنقلها من سياقها المحلي إلى فضاء نقدي دولي. كمعمارية وقيّمة فنية، أراها فرصة لتفعيل معرفتنا المتجذّرة ومقاربتنا للمكان في حوار مفتوح مع قضايا عمارة اليوم، دون الحاجة إلى التنازل عن خصوصيتنا الثقافية. الجناح لا يعرض صورة تمثيلية لعُمان، بل يقترح طريقة مختلفة لفهم العمارة كممارسة اجتماعية ومعرفية، تتداخل فيها القيم والتقنيات والمواد."
تمثيل المرأة العُمانية في المحافل الدولية
أن تقود مهندسة عُمانية أول مشاركة للسلطنة في أحد أعرق المحافل الثقافية العالمية، ليس مجرد منصب، بل موقف ثقافي يحمل رسائل متعددة الطبقات حول التمثيل والثقة وإعادة صياغة السردية. تصف ماجدة لـ"هي" التجربة قائلة: "هو شعور يصعب وصفه، يشكّل مسؤولية بقدر ما هو شرف. هناك فخر عميق بأن أُمثل إرث عُمان في العمارة والمكان والحكاية، ولكن أيضًا وعي كبير بما يعنيه أن يُرى هذا الإرث على منصة عالمية للمرة الأولى. بالنسبة لي، هذا الدور ليس فقط تمثيلًا، بل مشاركة حقيقية في طرح خطاب معماري ينبع من ثقافة عُمانية عريقة، ويعيد تأطير مفاهيم مثل المشاركة والذاكرة والضيافة في سياق معاصر."

المرأة العُمانية وصياغة الخطاب المعماري
وترى ماجدة أن حضور المرأة العُمانية اليوم في المشهد المعماري لم يعد شكليًا أو رمزيًا، بل معرفيًا ومؤثرًا. توضح لـ"هي" بقولها: "أرى أن المرأة العُمانية اليوم تملك مساحة متنامية للمساهمة في صياغة خطاب معماري يتجاوز حدود المحلية، مستندة إلى عمق ثقافي وتجربة معيشة غنية بالتحولات. إن الاشتغال على مشروع مثل الجناح العُماني، الذي ينطلق من مفاهيم مثل "السبلة" ويعيد تصورها كفكرة مدنية معاصرة، يُظهر كيف يمكن للمرأة أن تكون جزءًا فاعلًا في إنتاج معرفة معمارية ترتكز على الذاكرة الجماعية والتكامل مع السياق، وفي الوقت نفسه تفتح حوارًا عالميًا حول مفاهيم مثل التكيّف، والاستدامة، والانتماء."
مادة تُجسّد الهوية والاستدامة
في جناج العماني توضح ماجدة أن التحدي الأكبر يكمن في جعل المادة لا تؤدي وظيفة هيكلية فقط، بل أن تنقل حسًّا مكانيًا وثقافيًا في الوقت ذاته ولهذا على مستوى المادة، فاختيار الألمنيوم الخام لم يكن قرارًا تقنيًا بحتًا، بل محمّلًا بالرمزية.
توضح ماجدة: "الألمنيوم، بخفّته وقابليته لإعادة التدوير، لبّى الجانب البيئي، لكن جعله يتحدّث بلغة عُمانية تطلّب تصميم نظام تفصيل دقيق يدمج النقوش المحلية ضمن منطق بنائي. التوازن لم يكن تقنيًا فقط، بل مفاهيمي: كيف نجعل من التفاصيل الجمالية أدوات تؤثّر في الضوء والظل والحركة، دون أن تفقد جذورها أو تتحوّل إلى زخرفة."

أثر كنموذج مستقبلي
أما جناح "أثر" فيطرح نفسه كنموذج لبنية معمارية مستدامة يمكن إعادة تفعيلها داخل السلطنة بعد انتهاء المعرض. تقول ماجدة: "ما نختبره في "أثر" ليس مجرّد حالة مؤقتة لحدث دولي، بل اقتراح لبنية معمارية مرنة يمكن أن تُفعّل كمساحة مدنية مستدامة داخل السلطنة. قابلية الفك والتركيب هنا ليست حلاً وظيفيًا فقط، بل تعبير عن فكر عمراني يؤمن بالدورة الحياتية للمادة، وبإمكانية إعادة توجيه الموارد بدلًا من استنزافها. هو أيضًا تمرين في التكيّف مع الزمن، والمكان، ومع المستخدم."
من المعرض إلى المدن العُمانية
وحول تأثير هذه المشاركة على المشهد المحلي، ترى ماجدة أن هذه التجربة بذرة لحوار معماري داخلي يعيد النظر في مفاهيم مثل المركزية، والثبات، والاستهلاك يمكن أن تؤسس لتحولات فكرية في ممارسات التخطيط الحضري في السلطنة.

> تقول: " الجناح أن بالإمكان إنتاج عمارة معاصرة تستمد ذكاءها من ممارسات محلية غير رسمية، دون أن تقع في فخ التكرار. هناك بالتأكيد اهتمام متزايد بمفاهيم التكيّف، وإعادة الاستخدام، والوظائف المجتمعية للفضاء، وآمل أن تترجم هذه المبادئ في مشاريع حضرية تقترح نماذج بديلة للعيش المشترك في المدن العُمانية."
العمارة كأداة لتوليد المعنى
ولا تتوقف رؤية الهنائي عند الشكل، بل تتسع لتشمل البعد الثقافي للمكان، حيث تختم حديثها مع "هي" بقولها: "آمل أن نبدأ في النظر إلى العمارة ليس كإطار مادي للحياة، بل كأداة فاعلة لإنتاج المعنى. ما نحاول قوله من خلال "أثر" هو أن الفضاء يمكن أن يحمل قيمًا، ويعيد صياغة علاقات اجتماعية، ويحتضن ذاكرة جمعية من دون أن يتحوّل إلى متحف مغلق. إذا ترسّخ هذا الفهم، يصبح من الممكن أن تلعب العمارة دورًا ثقافيًا يتجاوز حدود الشكل والوظيفة، ويؤثر في كيفية رؤيتنا لأنفسنا ولعلاقاتنا مع الآخرين والمكان.