رؤى سعودية خلف العدسة: عبدالله الخليفة يوثق الشعور بالصمت والضوء

رؤى سعودية خلف العدسة: عبدالله الخليفة يوثق الشعور بالصمت والضوء

رهف القنيبط
6 أغسطس 2025

في عالم يغري بالإبهار البصري والانطباعات السريعة، يختار عبدالله الخليفة أن يُبطئ الإيقاع، أن يصمت قليلًا ليُنصت لما تقوله الصورة دون أن تنطق. بالنسبة له، الصورة ليست لحظة ولا استعراضًا، بل أثر. أثر داخلي، خافت، لكنه واضح لمن يملك الحواس لا الأعين فقط. بصمته الخاصة تتكشّف في تفاصيل تلامس الهشاشة، وتقرأ الإنسان لا مظهره، وتبحث في الشعور لا الشكل.

في استكمالٍ للمقالة المنشورة في عدد يوليو وأغسطس عن المصورين الذين يغيّرون مشهد الموضة البصرية في السعودية، نقف هنا مع عبدالله الخليفة، الذي لا يلتقط الصور بقدر ما يبني أثرًا شعوريًا صامتًا يتسلل إلى داخل المتلقي. بصمته البصرية تتجاوز الظاهر، لتفتح مساحات للتأمل في الهوية، والانتماء، وصدق التعبير.

عبدالله الخليفة
غلاف مجلة هي لعدد سبتمبر 2024 بالتعاون مع عبدالله الخليفة

الشعور: قرار واعٍ لا عشوائية عاطفية

في أعماله، يتجلى البعد الإنساني كقيمة مركزية. لا يصف ما يصوّره بأنه هش، بل يرى فيه عمقًا مدروسًا. يقول: "ما أقدّمه في صوري ليس انعكاسًا لهشاشة بقدر ما هو قراءة واثقة للإنسان خلف المظهر. التجربة الشخصية موجودة، لكني لا أتركها تقودني، بل أوظّفها لفهم الحالة. الحس الشعوري في أعمالي مقصود، لكنه لا يتصنّع المشاعر، بل يكشفها." لهذا، فكل صورة عنده ليست لحظة عابرة بل "قرار واعٍ يبني علاقة صامتة بين المتلقي وما يراه."

مشهد داخلي: كيف تُصنع الصورة التي تُشبه الإنسان

يتعامل عبدالله مع جلسات التصوير كمسرح داخلي ليس للمبالغة، بل للصدق. يبدأ بالحالة، ثم يترجمها إلى عناصر بصرية يوضح: "ما هو الشعور الذي نريد أن نحكيه؟ الحزن، والتوتر، والحنين، والتمرد؟"
يخلق مساحة آمنة أمام الكاميرا حتى يتصرف الشخص أمامها بصدق لا بتوجيه. "أبحث عن لحظة غير متوقعة، نظرة سريعة، أو وضعية غير مثالية لكنها صادقة. أبحث عن أثر الإنسان، لا شكله."

الموضة كأداة سرد، لا تكرار بصري

من خلال مشاركته في مشاريع مثل فكر وعرض إيلي صعب ألف ليلة وليلة، لا يتعامل عبدالله مع الموضة كمشهد بصري مُعاد، بل كثقافة حية تتنفس يوضح: "المشاريع مثل فكر و1001 تمثل تجسيد حي للهوية، ليست كمرجع بصري بل كثقافة تتحرك وتتطور. أرى الموضة كأداة سرد عميقة تنقل مشاعر، وتروي قصصنا بطريقة حديثة تربط الماضي بالحاضر." هذا الربط بين القديم والمستقبلي، بين الشخصي والجمعي، يشكّل جوهر تجربته البصرية.

عبدالله الخليفة
تعاون مجلة هي مع المصممة سارة التويم لدعم الناجيات من سرطان الثدي بالتعاون مع جمعية زهرة لسرطان الثدي تصوير عبدالله الخليفة

من الصورة إلى الفيلم: حين يحتاج الشعور إلى تنفّس

في انتقاله التدريجي من الصورة الثابتة إلى الفيلم القصير، يبحث عن مساحة أوسع لقول ما لا يُقال في إطار واحد، يوضح الخليفة: "الصورة تلتقط اللحظة، لكن الفيلم يمنحها روح... هناك مشاعر تحتاج وقت لتكتشف. ولهذا الصوت، والحركة، والتوقيت كلها أدوات تفتح لي مجالًا أوسع للتعبير عن التحولات الداخلية، عن الصراع، عن الغموض، ولا أرى أن الفيلم يأتي بديل للصورة بل امتداد طبيعي، يعبّر عن نفس الرؤية لكن بأدوات مختلفة."

الاستوديو: بُطء مقصود في زمن السرعة

اليوم، يؤسس عبدالله استوديو جديدًا يدمج بين الفوتوغرافيا والمحتوى الحركي، ليخلق ما يسميه "مساحة تفكير وتجربة جماعية، وأفكار ما تلقى مكانها في السوق التقليدي."

رؤيته واضحة يقول: "أريد أن أخلق مساحة تقف على النقيض من الإنتاج السريع والمكرر: بطيئة، دقيقة، وتُبنى بحس." والفجوة التي يطمح إلى سدّها ليست تقنية، بل شعورية يختتم: "المساحة بين الجمال والصدق، بين الفن والواقع."