الاهمال الرقمي يهدد نفسية الأطفال

الفبينغ وإهمال الأطفال رقميًا.. كيف يؤثر انشغال الوالدين بالهاتف على نفسية الأبناء؟

ريهام كامل

لم تعد الشاشات مجرد وسيلة للتواصل أو العمل؛ بعد أن غزت الهواتف الذكية تفاصيل حياتنا ، وأصبحت ضيفًا دائمًا على موائد الطعام، وفي غرف النوم، وحتى في لحظات اللعب مع الأطفال. وبينما نظن أن الأمر عابر أو لا يستحق الانتباه، يعاني أبناؤنا اليوم بـالإهمال الرقمي. "لحظة واحدة سأرد على هذه الرسالة"، عبارة بسيطة ينطق بها الأب والأم، تعقبها رسالة غير منطوقة تصل إلى الطفل، مفادها "الهاتف أهم منك"، وهنا تكمن الخطورة.

نعم، خطورة الابتعاد عن الأطفال، والانشغال بالشاشات عن عالمهم الذي يجب أن يتواجد فيه الآباء والأمهات في عالمهم لحمايتهم وتوجيهم، ورعايتهم.

اليوم نسلط الضوء على الفبينغ، ونقدم حلول فعال من خلال الخبراء للقضاء على الاهمال الرقمي، وتعزيز العلاقة بين الآباء والأطفال عبر توصيات مهمة مقدمة من الخبيرة النفسية "ريتا فيغيريدو" خبيرة نفسية بمركز ثرايف للصحة النفسية.

الاهمال الرقمي وطرق التغلب عليه

ما هو الفيينغ وما علاقته بالإهمال الرقمي؟

الفيينغ (Phubbing)، معناه، تجاهل من أمامك والانشغال بالهاتف.هذا المصطلح مكون من دمج كلمتين بالإنجليزية:

  • Phone   الهاتف
  • Snubbing  التجاهل أو الصد

وعندما يتكرر هذا السلوك داخل الأسرة، يتحول إلى ما يُعرف بـ الإهمال الرقمي، أي غياب الحضور العاطفي للوالدين نتيجة الانغماس في الشاشات. فالطفل لا يهتم بالنية وراء استخدام الهاتف (عمل، دفع فواتير، أو حتى البحث عن شيء يخصه)، بقدر ما يلاحظ النتيجة: الهاتف يفوز بانتباهك مرة تلو الأخرى.

كيف يؤثر الإهمال الرقمي على نفسية الأطفال؟

تشير الدراسات الحديثة إلى أن الأطفال يحتاجون بشدة للتواصل المباشر مع والديهم عبر نظرات العين، والابتسامات وتعابير الوجه. الإنصات المشترك بين الطرفين يحقق إيجابيات لا حصر لها، أهمها مد جسور التواصل بين الآباء والأمهاء وأطفالهم.

لكن عندما تُقطع هذه اللحظات بالانشغال بالهاتف، يترسخ لدى الطفل شعور مؤلم بأنه أقل أهمية من الشاشة.

ريتا فيغيريدو خبيرة نفسية بمركز ثرايف للصحة النفسية.
ريتا فيغيريدو خبيرة نفسية بمركز ثرايف للصحة النفسية.

ما هي التأثيرات النفسية للفبينغ على الأطفال؟

تتعدد التأثيرات النفسية المترتبة على الفبينغ، ومن أهمها ما يلي:

  • تراجع الثقة بالنفس، إذ يشعر الطفل أن حديثه غير مهم.
  • ضعف الروابط العاطفية وغياب الشعور بالأمان والاحتواء.
  • ظهور سلوكيات ملفتة، بعض الأطفال يتوقفون عن محاولة جذب الانتباه، فيما يحاول آخرون التشبث أو إظهار سلوك عدواني.
  • انعكاسات سلبية طويلة الأمد على المراهقون الذين نشؤوا في بيئة يطغى فيها الإهمال الرقمي، كعجزهم عن بناء علاقات صحية.

دراسة تحليلية أجريت عام 2023 على أكثر من 40 بحثًا، وجدت أن الفبينغ من الوالدين مرتبط بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب والسلوك العدواني وضعف مفهوم الذات لدى الأطفال.

كيف يؤدي الإهمال الرقمي للتباعد الأسري؟

لم يعد الإهمال مقصورًا على غياب الطعام أو الرعاية الجسدية، بل صار يشمل غياب الانتباه العاطفي.

ومن أخطر السلبيات التي يخلفها الإهمال الرقمي على الأسرة ما يلي:

  • غياب الأنس على موائد الطعام، وأثناء تناول الوجبات العائلية التي كانت فرصة للضحك والحوار، وباتت صامتة في حضور الهواتف، وبسبب الشاشات.
  • اختفاء قصص ما قبل النوم التي تبني الخيال والثقة بداخل الأطفال، والتي حل محلها إشعارات تطبيقية على الشاشات.
  • حتى التنقلات القصيرة بالسيارة، صارت وقتا للتصفح بدلًا من تبادل الأحاديث.
  • غياب القدوة، تكمن الخطورة في أن الأطفال لا يكتفون بملاحظة سلوك والديهم فحسب، بل يتخذونه نموذجًا لعلاقاتهم المستقبلية،فإذا تغلبت الشاشات باستمرار على التفاعل وجهاً لوجه، فسوف يتعاملون مع الآخرين بالطريقة نفسها.

كيف نضع حدودًا صحية للتكنولوجيا داخل الأسرة؟

الإجابة ليست في منع الأجهزة، بل في تنظيم استخدامها. بعض الخطوات البسيطة تصنع فرقًا هائلًا:

  • ابدؤوا وأنهوا اليوم بلا شاشات، دقائق من الحديث أو اللعب صباحًا وقبل النوم تُرسخ الإحساس بالدفء.
  • ممارسة طقوس عائلية بلا هواتف، اجعلوا الوجبات أو النزهات أو اصطحاب الأطفال من المدرسة مناطق خالية من الأجهزة.
  • اشرحوا سبب استخدامكم للهاتف، قولك أرسل رسالة لمعلمك ثم أستمع لك يحافظ على الثقة.
  • استخدام مؤقتات أو "نوافذ شاشة"، يمكن تخصيص أوقاتًا محددة لتصفح الهاتف بدلا من التشتت المستمر.
  • توجيه إشارات بصرية للأطفال، مثل وضع الهاتف بعيدًا أو مقلوبًا في سلة ليشعر الطفل أنك حاضر له بالكامل.

خطوات عملية لتعزيز الأبوة الواعية في العصر الرقمي

يجب الإلتزام بتطبيق ما يلي:

  • على الآباء والأمهات بالتوقف قبل استخدام الهاتف، وطرح هذا السؤال، هل هذا الأمر عاجل؟ أم يمكن أن ينتظر؟
  • يجب استثمار اللحظات الصغيرة، بضع دقائق من الاهتمام المركز مع الطفل قد تساوي ساعات من التواجد المشتت.
  • يجب على الأبوين ممارسة أنشطة بلا شاشات مثل (قراءة، رياضة، طبخ)، هذه هي القدوة التي يجب أن يراها الطفل وينفذها.
  • يجب مشاركة الأطفال في وضع القواعد، فالحوار يجعلهم أكثر التزامًا وأقل مقاومة.
  • اتقان ثقافة الاعتذار، والاعتذار للطفا عند الانشغال: قولك "آسف، انشغلت بالهاتف، أريد أن أسمع قصتك" يعيد الثقة بسرعة إليهم.
  • يجب صنع "قائمة تواصل" تقوم على ممارسة أنشطة ممتعة قليلة التقنية مثل الرسم، الألعاب العائلية، أو الخبز وإعداد بعض الوجبات الخفيفة.

خلاصة القول:

الحضور أغلى من الوقت، إن الأطفال لا يحتاجون أن نمنحهم ساعات طويلة من التواجد الجسدي فقط، بل يحتاجون أن نكون حاضرين بقلوبنا وانتباهنا. لن يتذكروا الإشعارات التي أجبنا عليها. بل سيتذكرون اللحظات التي وضعنا فيها الهاتف جانبًا، ونظرنا في أعينهم، وأصغينا لما يقولونه بصدق.

ومع بداية كل عام دراسي أو عطلة جديدة، لنجعل الهواتف على الهامش، ولنمنح أبناءنا أغلى ما يحتاجون إليه: الانتباه والإنصات الحقيقي.