
اهتمامات الجيل Z حوّلت علم الأبراج إلى صناعة بمليارات الدولارات
يتزايد التزام جيلي الألفية والجيل Z بالنصائح الفلكية وعلم الأبراج لحماية أنفسهم من ضغوط الحياة وتقلباتها. كما ان لديهم انفتاح على كمية المعلومات الهائلة التي يقدمها هذا العلم عن السمات الشخصية سواء للشخص نفسه أو لمن حوله. ويسمح لأبناء الجيل باختصار مراحل طويلة من الخبرة الحياتية ويقدم لهم رؤية موثوقة تدفع بهم لاكتشاف ذواتهم واكتشاف العالم والتأكد من اختياراتهم في اختيار شركائهم العاطفيين أو أصدقائهم أو حتى العاملين معهم (كما تفعل جينيفر لوبيرز).
بعد أن كانت لغةً غريبةً على الكثيرين، أصبح معجم النجوم يخترق قنوات تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يملأ صفحات إنستغرام بتعليقات موجزة والتايملاين في تيك توك. كذلك لم تعد مصطلحات مثل مخطط الميلاد، وبرج الطالع، وعبور الكواكب مقتصرةً على هامش المجتمع؛ بل أصبحت محور اهتمامنا في حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، وصداقاتنا، وبشكل متزايد، في الاقتصاد والبورصة وعند شراء عقار أو مركبة.

سوق مفتوحة
تقدر قيمة سوق الخدمات الروحانية، التي تشمل الفلك، والوساطة الروحانية، وقراءة التارو، وقراءة الكف، بنحو 2.2 مليار دولار أمريكي (3.3 مليار دولار أمريكي) عالميًا، بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 0.5% منذ عام 2017، وهي في ازدياد عامًا بعد عام.
في حين أن ثقافة الفلك تغزو العالم، سواءً كنت تصدق الأبراج أم لا، وفقًا لتقرير صادر عن وكالة WGSN لتوقعات الاتجاهات، فإن معظمنا يصدق بها. حيث يقول 62% من جيل Z و63% من جيل الألفية إن برجهم الفلكي يمثل سمات شخصياتهم بدقة. كما يلجأ الكثيرون أيضًا إلى الفلك لاتخاذ قرارات حياتية، من المواعدة إلى التوجيه المهني وحتى الشؤون المالية، بما في ذلك العقارات والاستثمارات.
فلماذا إذًا سيطر مفهومٌ قائمٌ منذ آلاف السنين على روح العصر من جديد؟. تظهر الدراسات أن التوتر وعدم اليقين والصدمات الجماعية المركّبة غالبًا ما تفضي إلى لحظاتٍ من اكتشاف الذات، وقد مثّلت السنوات القليلة الماضية بالتأكيد هذه الشروط. كذلك فإن علم الفلك يمكن أن يمنح متابعيه شعورًا بالسيطرة في الأوقات العصيبة. كما إن تعلّم فهم الإيقاعات الطبيعية للكون والعيش بوعيٍ بهذا التدفق يشعرك بأنك جزءٌ من شيءٍ أكبر. إنه لأمرٌ جميلٌ أن نتمسك به في الأوقات الصعبة.
نقطة انطلاق
تطبيقات عالمية كتطبيق "كوستار"، الذي أطلق عام ٢٠١٧ ليتيح للعامة أدواتٍ لاستكشاف علم الفلك بسهولة، حمّله أكثر من ٢٦ مليون مرة. حيث إن التكنولوجيا تتيح مدخلاً سهلاً إلى نظامٍ معقّد لم يكن متاحًا في السابق إلا لمن كانوا على استعدادٍ لدفع مبالغ طائلةٍ مقابله. بالإضافة إلى ذلك فإن بضع سنواتٍ من العزلة التي سببتها الجائحة، ورغبةً متجددةً في التواصل مع بعضنا البعض على مستوىً أعمق.
علاوة على ذلك، يتيح علم الفلك نقطة انطلاق للتعمق أكثر مع من أمامك. ومن الصعب التحدث عن مشاعرك، ومن الصعب سؤال الناس عن رأيهم الحقيقي فيك، ومن الصعب التحدث بصراحة عن مخاوفك أو أحلامك المستقبلية. بدلاً من الحديث عن الطقس أو ما تناولته على الغداء، يجري المهتمون بعلم الفلك أحاديث جانبية عن هويتهم الحقيقية، وكيفية تعاملهم مع بعضهم البعض ورؤيتهم لبعضهم البعض.

معرفة تفاعلية
ومع أن علم الفلك موجود منذ آلاف السنين، إلا أن علم الفلك المعقد والشخصي كان مقتصرًا تاريخيًا على أولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى خبراء الأبراج الشخصيين. حيث تتيح لنا التكنولوجيا أن نمنح الجميع الأدوات اللازمة لمقارنة أنفسهم مع الآخرين، وإجراء محادثات حقيقية وواضحة في عالم يشعر فيه الناس بالعزلة أكثر من أي وقت مضى.
إن عودة علم الفلك، الذي استغلته التطبيقات الحديثة والذكاء الاصطناعي بلا شك، تشير إلى الرغبة العصرية في معرفة الذات والتواصل مع الآخرين. كما إنه اتجاه لم يخفِ على عالم اليانصيب عبر الإنترنت، حيث تزداد قيمة التجربة الشخصية. في سنغافورة، تسعى الكازينوهات الإلكترونية إلى الاستفادة من هذا التوجه الفلكي لتوفير تجربة لعب مصممة خصيصًا وجماعية في آنٍ واحد. كذلك ألعاب سلوتس مستوحاة من الأبراج، ونصائح مخصصة حول متى يخاطر اللاعبون أكثر بناءً على محاذاة الكواكب. هذا المزيج من التقاليد القديمة والابتكار الرقمي يخلق بيئة تفاعلية وحيوية للاعبين الذين يبحثون عن رابط بين ميولهم السماوية وخياراتهم الترفيهية.
طابع اجتماعي
علاوة على ذلك، ينسجم الجانب الاجتماعي الذي يضفيه علم الفلك تمامًا مع الطابع الجماعي لمنصات التواصل الاجتماعي في الفضاء الإلكتروني. وتنشئ العديد من المنصات غرف دردشة أو منتديات مبنية على علم الفلك. حيث يمكن للأفراد ذوي التفكير المماثل مشاركة تجاربهم في هذه الغرف ومناقشة معتقداتهم حول كيفية تأثير الأحداث السماوية على حظوظهم. كذلك فإن مناقشة برجك الفلكي مع شخص آخر يمكن أن يسهّل تعميق العلاقات وبناء مجتمع من الذين يتشاركون نفس الاهتمامات. أيضًا يمنحون فرصة لفهم أنفسهم والآخرين من خلال حكمة النجوم. أيضًا من خلال الجمع بين الفضول الكوني الذي تغذيه منصات مثل Co—Star.
ليس تطبيق Co—Star هو وسيلة الوصول اليومية الوحيدة. مهما كانت منصتك المفضلة، ستجد حسابًا فلكيًا يناسبك في كل منصات التواصل الاجتماعي. وهناك حلقات بودكاست علم الفلك يومية وأسبوعية وشهرية. وينتج مؤثرون فلكيون، مثل Astro Poets على تويتر (@poetastrologers؛ أكثر من 700 ألف متابع)، وChani Nicholas على إنستغرام (@chaninicholas؛ أكثر من نصف مليون متابع)، وZodiac Boyfriend على تيك توك (@zodiac.boyfriend؛ ثلاثة ملايين متابع)، محتوى فلكي يومي لجمهورهم المخلص. وبالتالي وصول علم الفلك إلى ذروة التشبع عبر هذه المنصات وغيرها، فضلًا عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي ستبتلع معظم الجمهور المهتن بعلم الفلك والأبراج.

التلاعب وارد
يبدو أن تعميم علم الفلك، إن لم يكن نذير شؤم، فهو على الأقل يمثل لامبالاة فكرية أوسع. كما قد يصفه البعض بسخاء بأنه شوق روحي أعمق. كذلك يمكن وصفه بممارسة تسويقية خادعة وشبه وجودية. وتولي العلامات التجارية اهتمامًا لما هو شائع، وفي الوقت الحالي، يعد علم الفلك رائجًا. ومع أن التلاعب بالفلك أمرٌ وارد وحقيقي، إلا أنه ليس سيئًا تمامًا. إذا كان يعني انفتاحًا واهتمامًا أكبر بالفلك، فهو أمرٌ إيجابي. أيضًا كلما تحدثنا عنه أكثر، ازداد اعتباره شكلًا صحيحًا من أشكال الروحانية والتعبير. لكن من المهم أن نكون ناقدين وحذرين من أي شيء يثير الخوف أو يثير الكآبة والتشاؤم، وخاصةً على وسائل التواصل الاجتماعي.
في حين أن قدرة علم الفلك على التنبؤ بالمستقبل أو تعطيل محركات الأقراص الصلبة قد ترفض من قِبل الأوساط الأكاديمية.. إلا أن الحسابات الكامنة وراء هذا المفهوم تؤخذ على محمل الجد. ومع أنه يمكن القول إن ألكسندر بوكسر رجلٌ عقلاني. فهو عالم بيانات حاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ودرجة الماجستير في تاريخ العلوم من جامعة أكسفورد، ودرجة البكالوريوس في اللغة الكلاسيكية من جامعة ييل. ومع ذلك، اختار بوكسر في كتابه "مخطط السماء" الصادر عام 2020، الكشف عن الروابط بين علم الفلك ونشأة العلم الحديث.