الفنانة نغم الدعبل

خاص "هي": نغم تحلق بالقانون الطائر.. ابتكار موسيقي ببصمة الفنانة نغم الدعبل

رهف القنيبط
18 يونيو 2025

بين الخيال والتصميم، وبين النغمة والخطوة، تُولد لحظات نادرة تعيد تشكيل علاقتنا بالفن. لحظات تحيل الثابت إلى طائر، والتقليدي إلى عرض باهر يتجاوز كل ما اعتدناه. في هذا الفضاء، تبرز الفنانة السورية نغم الدعبل، التي قررت ألا تعزف على القانون فحسب، بل أن تُحلق به.

ابتكرت نغم الدعبل "القانون الطائر" لتمنح آلة القانون بعدا جديدا، تتحرّر فيه من سكونها التقليدي، وتتحوّل إلى عنصر حي يتنقل ويتفاعل ويحلق فوق حدود المألوف. تملك نغم كامل الحقوق الفكرية لهذا الابتكار، من التصميم إلى التأليف والتنفيذ، لتكون أول من يمنح آلة القانون حضورا معاصرا بهذا الشكل، محولة إياها من وضعية الجلوس الثابت إلى تجربة طيران إبداعي فريدة.

في هذه السطور، نغوص في حكاية المشروع الذي وُلد من حلم، ونصغي إلى نغم وهي تروي، كيف استطاعت كسر القالب وإعادة تعريف الأداء الموسيقي من منظور أنثوي معاصر.

الفنانة نغم الدعبل

"القانون الطائر"

تفتتح الفنانة نغم الدعبل حديثها لـ"هي" عن تفاصيل ولادة مشروعها المبتكر "القانون الطائر"، وتقول: "لم تكن الفكرة مجرّد خاطرة عابرة، بل كانت حلما صاحبني منذ طفولتي. كنت أرى نفسي دائما في فضاء حر، لا يقيّدني فيه لا خشبة المسرح، ولا وزن القانون، ولا شكله التقليدي الثقيل. حلمت بعزف حر، أنثوي، يتحرّك ويُبهر، لكن هذا الحلم بقي طويلا بين الخيال والــــواقــــع، لأن القـــانــون، كما نعرفه، آلة ضخمة يصعب التحكم بها، خصوصا بالنسبة لعازفة".

ومن هذا التحدي، وُلدت الرغبة في إعادة ابتكار الآلة، تـــقــــول نــــغـــم: "طـــــرحـــــت علـــى نفــسـي سؤالا بسيـــطـــــا: لــــماذا يــــجـــب أن يبـــــقى القـــــانـــون ثــابـتـــا؟ ولماذا يبدو حضور المرأة مع هذه الآلة وكأنه غير أنيق؟". ومن هنا قررت نغم أن تخلق شيئا جديدا بالكامل، آلة تُشبه فكرتها، وتُحاكي خفّتها، وتتماشى مع رؤيتها كفنانة.

وبفضل خلفيتها الهندسية، صممت نغم نموذجا خاصا للقانون بحجم وشكل مناسبَين، وزوّدته بحامل ذكي وخفي لا يُرى، لا يعتمد على الكتفين ولا يُشـــــوّه الإطلالة، حيث تمتلك نغم كامل الحقوق الفكرية لهذا الابتكار، من التصميم إلى التأليف والتنفيذ، لتكون أول من يمنح آلة القانون حضورا معاصرا بهذا الشكل. وتتابع: "كنت مؤمنة بأن الإطلالة مهمة بقدر أهمية الصوت. لهذا أردت للآلة أن تندمج مع حركتي، لا أن تعيقها".

لكن، لم يكن تحويل آلة القانون من حضورها التقليدي الثابت إلى عنصر فني حيّ وديناميكي مهمة سهلة بالنسبة لنغم الدعبل، بل كان تحديا متعدد الأبعاد، بدأ من التفاصيل التقنية، وانتهى بإعادة صياغة الأداء الموسيقي بالكامل. كان عليها أن تتجاوز الصورة النمطية للآلة الضخمة، وأن تبتكر وسيلة تجعلها تتحرك بانسجام مع جسدها، مع الإضاءة، ومع الأزياء، ومع كل تفصيلة بصرية على خشبة المسرح.

وبعد أن أنجزت الجانب التقني بتصميم ذكي لا يقيّد الحركة، واجهت تحديا من نوع آخر: كيف تصنع عرضا متكاملا لآلة اعتاد الجمهور رؤيتها في سياقات جامدة وتقليدية؟ لم يكن هناك نموذج سابق يُحتذى به، ولا مراجع جاهزة يمكن العودة إليها. كانت تفتح بابا جديدا في عالم الأداء الموسيقي، وتخلق من الصفر أسلوبا بصريا وفنيا جديدا بالكامل.

الفنانة نغم الدعبل

الحداثة ليست الغاية، بل الجسر

منذ انطلاقة مشروعها "القانون الطائر"، كانت نغم الدعبل واضحة في رؤيتها الفنية: الحداثة ليست الغاية، بل الجسر. حيث ترى أن ما تفعله ليس محاولة لإعادة تشكيل الصوت، بل لإعادة تشكيل طريقة تلقيه، لهذا توضح أن "القانون الطائر" ليس مشروعا لتبديل الموروث، بل لإحيائه بصيغة تستجيب لحواس جمهور اليوم.

لكن غاية نغم من العزف في الهواء لم يكن للإبهار البصري فحسب، بل خلق تجربة شعورية تشاركية: الجمهور لا يكتفي بالمشاهدة، بل يُحلق معها. قائلة: "حين أعزف وأنا معلّقة، لا أقدّم استعراضا، بل أعيش حالة كاملة، كأنني أطير مع كل نغمة، ومع كل نظرة من الجمهور. في تلك اللحظة، لا يكون التواصل بالكلمات، بل بالإحساس. أشعر كأنني فتحت بوابة لعالم آخر".

تؤمن نغم بأن المشهد الموسيقي اليوم بات أكثر انفتاحا من السابق، لكنه لم يخلُ من التحديات. وتشير إلى بداياتها حين شعرت بأنها تعزف وسط صحراء، حيث لا قانون معروفا، ولا حضور نسائيا فعالا في هذا المجال، تقول: "اليوم هناك فرق كبير. هناك وعي ودعم ومساحة أكبر، صحيح أن التحديات لا تزال موجودة، لكننا لم نعد وحدنا".

من التجارب التي بقيت عالقة في ذاكرتها، مشاركتها في مؤتمر TEDx في العراق، حيث لم تكتفِ بتقديم عرض موسيقي، بل روت حكاية "القانون الطائر". كان الجمهور من فنانين ومثقفين وأكاديميين، وحينها، كما تقول، شعرت بأن ما تقدّمه ليس مجرد فن، بل رؤية جديدة تغيّر نظرة الناس للآلة.

وفي كواليس التحضير تقول نغم إن التفاصيل جزء من المتعة، تبدأ بتحضير الموسيقى، ثم تنتقل إلى تصميم الفستان، وتصفيفة الشعر، والماكياج، وحتى أزياء العروض الراقصة إن وُجدت. وتوضح: "هذه التفاصيل ليست مكملات، بل هي جزء من الفن ذاته، من اللوحة الكاملة التي أحرص على تقديمها".

الفنانة نغم الدعبل

مفاجآت ستغيّر العرض التقليدي

لم تكن هناك لحظة واحدة شعرت فيها نغم بأن حلمها تحوّل إلى ظاهرة، بل كانت تراكمات. وعن ذلك تقول: "كنت ألتمس لحظات النجاح من نظرات الدهشة، والانتشار الواسع، والتعليقات بلغات لا أفهمها، وفنانين يقلدون أسلوبي، حينها أدركت أن ما أقدّمه لم يكن عرضا عاديا، بل أثرا بدأ يتوسّع".

وتكشف لـ"هي" أنها تعمل على تطويرات جديدة ستأخذ "القانون الطائر" إلى مستوى مختلف من حيث الحركة والتقنيات المسرحية، مشيرة إلى أنها تُخطط لمفاجآت ستغيّر مفهوم العرض الموسيقي التقليدي.

وبينما تعمل نغم على تطوير مشروعها، لا تنفصل رؤيتها الفنية عن فهمها العميق لمعنى النجاح، فتقول بثقة: "النجاح لا يُقاس بعدد العروض ولا بعدد المتابعين. النجاح الحقيقي هو ذلك الأثر الذي تتركه في قلب الجمهور، حين يشعرون بالموسيقى، ويبتسمون من القلب، ويلامس العرض أرواحهم، هذا الأثر الذي يبقى هو المهم".

وعند سؤالها عن كلمة تلخّص رحلتها، أجابت فورا: "ثورة، لأنني لم أواصل المسار، بل أعدت رسمه". وتستطرد قائلة: "وإصرار، لأنني لم أتوقف على الرغم من كل التحديات، كنت مصمّمة على الوصول، وعلى التفرّد، وعلى أن أنجز رؤيتي كما تخيّلتها تماما". بهذا تواصل نغم رحلتها، لا لتعيد تقديم ما كان، بل لتفتح أبوابا جديدة لما يمكن أن يكون.