تسع سنوات من ديور بنظرة ماريا غراتسيا كيوري... ثورة الأناقة النسوية
على مدار تسع سنوات، رسخت ماريا غراتسيا كيوري رؤيتها لامرأة "ديور" كإمرأة قوية، مستقلة، وأنيقة بطريقة عصرية وعملية. لقد تركت ماريا غراتسيا كيوري بصمة لا تُمحى في تاريخ دار ديور، مغيرةً ليس فقط مفهوم الأزياء داخل الدار، بل مساهمةً في تشكيل حوار أوسع حول دور المرأة في المجتمع من خلال لغة الموضة. رحيلها يمثل نهاية فصل مهم، وبداية ترقب لما هو قادم لهذه الدار العريقة.
أثناء تولي كيوري قيادة ديور، نجحت في خلق لحظات ثقافية وفنية على منصات العروض. تشمل بعض أبرز العروض وأكثرها تميزًا عرض أزياء ديور للهوت كوتور لربيع وصيف 2020، حيث استعانت بـ"جودي شيكاغو" لتصميم الديكور الشبيه بالآلهة، والذي تضمن هيكل "الأنوثة الإلهية"؛ وعرض أزياء ديور للرجال لمجموعة ما قبل خريف 2023 في مصر، مع أهرامات الجيزة كخلفية؛ وعرض ديور لخريف وشتاء 2023 في مومباي، الهند، والذي شكّل حدثاً تاريخيًا آخر للعلامة.
كانت فترة عملها في ديور تاريخية ومبتكرة. مع كل عرض ومجموعة، أكدت كيوري التزامها بالنسوية والنشاط الاجتماعي والفن.
عرض ديور كروز 2026: ماريا غراتسيا كيوري تودع الدار برسائل خالدة
في أمسية ساحرة امتزجت فيها عراقة التاريخ بعبير المستقبل، وتحت نجوم روما الخالدة، أسدلت المديرة الإبداعية ماريا غراتسيا كيوري الستار على مسيرتها اللامعة مع دار ديور. وقد شهدت قاعة Villa Albani Torlonia في مسقط رأسها عرضاً متقناً توج مسيرةً حافلةً بالتحولات.
عرض كروز 2026 لم يكن مجرد مجموعة أزياء جديدة، بل كان بمثابة قصيدة وداعية مؤثرة، واحتفالية ختامية لرؤيتها التي أعادت تشكيل ملامح الدار الفرنسية العريقة على مدى قرابة عقد من الزمن.
في مجموعتها الأخيرة، ظلت كيوري وفية لجوهر رسالتها: تمكين المرأة والاحتفاء بتعددية أدوارها وقوتها. تجلت هذه الرسالة في تصاميم جمعت بين الرقة والقوة، وبين العملية والأناقة الحالمة. مجموعة من 80 إطلالة سيطرت عليها درجات اللون الأبيض، وتضمّنت مزيجًا من الأزياء الراقية والجاهزة. تجولت عارضات الأزياء في الحديقة على أنغام موسيقى أوركسترا Sinfonietta Orchestra وOliver Coates، حيث بدت الأجواء الخارجية الممطرة والمظلمة ساحرةً وغامضةً.
ماريا غراتسيا كيوري: بصمة نسوية غيّرت مفهوم ديور وأضافت بعدًا عصريًا للدار العريقة
منذ توليها منصب المديرة الإبداعية لمجموعات الأزياء النسائية الراقية والجاهزة والإكسسوارات في دار ديور عام 2016، أحدثت ماريا غراتسيا كيوري تحولًا ملموسًا في هوية الدار الفرنسية العريقة. كأول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ ديور، لم تقدم كيوري مجرد تصاميم أزياء، بل قدمت رؤية وهوية عكست بشكل كبير واقع المرأة المعاصرة وتطلعاتها، مزجت فيها بين الإرث الغني للدار واللمسات العصرية الجريئة.
اللمسة النسوية وإعادة تعريف الأنوثة
لعل أبرز ما ميّز حقبة كيوري في ديور هو التركيز الواضح على "التمكين النسوي". فقد حرصت على أن تكون مجموعاتها بمثابة منصة للتعبير عن قوة المرأة واستقلاليتها. ولعل قميصها الشهير الذي حمل عبارة "We Should All Be Feminists" (يجب أن نكون جميعًا نسويات) في مجموعتها الأولى لربيع وصيف 2017، أصبح أيقونة عالمية ولخص توجهها الفكري والفني.
لم تقتصر رؤيتها للأنوثة على الفساتين المرهفة، بل قدّمت تصاميم عملية ومريحة تناسب حياة المرأة اليومية المليئة بالانشغالات، من ملابس العمل إلى أزياء السفر والرياضة، والتي تنتقل بسلاسة وأناقة من النهار إلى الليل. تحدت كيوري المفاهيم التقليدية للأنوثة في الموضة، مؤكدة على أن القوة لا تعني التخلي عن الهوية الأنثوية، بل هي جزء لا يتجزأ منها.
دمج الحرفية الراقية بالتصاميم العصرية
نجحت كيوري في الحفاظ على جوهر ديور المتمثل في الحرفية الراقية والتفاصيل الدقيقة، مع إضفاء لمسة عصرية جعلت التصاميم أكثر قابلية للارتداء وأقرب إلى اهتمامات الجيل الجديد. أعادت إحياء بعض أيقونات الدار وقدمتها برؤية متجددة، مثل سترة "بار" (Bar Jacket) الشهيرة، وحقائب أيقونية.
ظهرت أيضًا أحذية "J’adior Slingback Pumps" لأول مرة عام 2017 وأصبحت على الفور قطعة أساسية لديور. يتميز الحذاء بمقدمة مدببة مع شريط مزين بتطريز "J-adior". يتمتع الكعب الأنيق بأناقة العلامة التجارية مع دمج لمسة كيوري العصرية.
كما شهد عهدها توسيعًا لافتًا في خيارات الحقائب، فلم يعد التركيز مقتصرًا على حقيبة ليدي ديور، التقليدية، بل برزت تصاميم أخرى حققت نجاحًا كبيرًا. يدين عشاق الموضة بالفضل لكيوري في تصميم حقيبة "The Book Tote"، وهي إكسسوار أنيق وعملي في الوقت نفسه، تتميز الحقيبة بتطريزات متقنة وحروف مونوغرام قابلة للتخصيص.
أما حقيبة "Saddle Bag" التي صممها في الأصل جون غاليانو عام 1999، فقد أعادت كيوري تفسيرها في عام 2018، برؤيتها الإبداعية. عادت الحقيبة بقوة في مجموعة خريف وشتاء 2018 بأنماط جريئة مع الحفاظ على شكلها المنحني وحزام الكتف.
حوار بين الماضي والحاضر
استلهمت كيوري في العديد من مجموعاتها من مراجع ثقافية وتاريخية متنوعة، ومن شخصيات نسائية قوية عبر التاريخ. مزجت بين هذه الإلهامات وبين متطلبات العصر الحديث، خالقةً حوارًا بصريًا فريدًا بين إرث ديور العريق ورؤيتها المعاصرة. انعكس هذا في استخدامها للأقمشة الفاخرة، والتفاصيل المعقدة، والصور الظلية القوية، وحتى في بعض الأحيان اللمسات السريالية التي أضافت عمقًا وغرابة محببة لتصاميمها.
فساتين الآلهة اليونانية
استلهمت المصممة المبتكرة من اليونان القديمة لمجموعة ديور كروز 2022. تضمنت المجموعة فساتين منسدلة مصممة بألوان بيضاء ومعدنية تذكرنا بالآلهة اليونانية. أظهرت القطع النحتية قدرة كيوري على أخذ القصات الكلاسيكية وإعادة تفسيرها بوجهة نظر معاصرة.
تصاميم مستقبلية
كان عرض ديور لخريف وشتاء 2024 بمثابة إعلان من كيوري لصناعة الأزياء بأنها مصممة متعددة الأوجه قادرة على إعادة ابتكار نفسها. أشار هذا العرض إلى تحول عن نهجها الرومانسي التقليدي في التصميم حيث اختارت قصات أكثر حدة. هناك جودة مستقبلية في المجموعة، وقد أثبتت مرة أخرى أنها قادرة على التطور لتعكس الحداثة.
نبذة عن مسيرة ماريا غراتسيا كيوري
درست كيوري في المعهد الأوروبي للتصميم في روما. في أوائل الثمانينيات، التقت بـ"بييرباولو بيتشيولي" من خلال صديق مشترك في المدينة، وعندما انضمت إلى فندي كمصممة في عام 1989، استعانت به للعمل معها في قسم الإكسسوارات.
في عام 1999، انضمت إلى فالنتينو كمصممة إكسسوارات، وسرعان ما ضمت شريكها الإبداعي. بعد تجديد مجموعات حقائب اليد والنظارات الخاصة بالعلامة الفاخرة، تم اختيارهما لتصميم مجموعة Red Valentino في عام 2003. عُيّن الاثنان مديرين إبداعيين مشاركين في عام 2008.
أعاد كيوري وبيتشيولي فالنتينو إلى صدارة عالم الموضة، حيث ضخّا طاقة إبداعية جديدة في العلامة، وأعادا إحياء أعمالها في مجال الأزياء الرجالية، وطوّرا قسم الإكسسوارات بتصاميم رائجة مثل Rockstud. في عام 2015، حاز المصممان على جائزة مجلس مصممي الأزياء في أميركا (CFDA) الدولية.
في يوليو 2016، وبعد تسعة أشهر تقريبًا من تنحي "راف سيمونز" عن منصب المدير الإبداعي في ديور، أُعلن عن كيوري خلفًا له. عرضت أول مديرة إبداعية في تاريخ العلامة التجارية مجموعتها الأولى لديور في أسبوع الموضة في باريس في سبتمبر 2016. في يوليو 2019، مُنحت كيوري وسام جوقة الشرف، وهو أعلى وسام فرنسي.
