
السفر كعلاج نفسي... تعرفي إلى أفضل أماكن تساعدكِ على تجاوز الصدمات
لكل صدمةٍ "بصمة جغرافية" تُذيبها. وفي هذا المشهد، هل تعلمينَ أن لَمسةشمسِ العَصرِ في رِيُو، أو نسيم الليلِ في جزيرةِ سَانتوريني، يُمكنها أن تمحو سطواتِ الوحشة؟؛ إن التجوال بينالغرف المُزينة بعطورِ آسيا، أو الجلوس على شاطئٍ نائي، هو جلسةسِرِيةٌ مع نفسكِ،تتعلمين فيها أَن تمتلُكي مِفتاحَ القدرة على إعادة بناء ذاتك.
عمومًا، السفر هُناليس ترفًا، بل دواء غير مُجدوليمنح عقلكِ مساحة ليتنفسخارج إطار الزمن المُعلَّق، وفضاء استثنائي لإصلاح ذاتكِ، وإيقاع يُشبه خفقات قلبكِ لتكتشفي نفسكِ من جديد. فقد تُغادرينَ حَقِيبتكِ منالفندق، لكن أثقل ما تترُكِينه هو أسئلة لا إجابة لها، وترجعينبإجابة واحدة "أن الحياة أوسع من أي جرح".
لذا، أؤكد لكِ أنا محررة مجلة "هي"، أن عتمة الذكريات التي تُثقل قلبكِ مع بداية السفر، ستجعل أقدامكِ تُبحر نحو أُفق مُغاير؛ حيث تتحوّل حروف الألم إلى خريطة للخلاص، ويُصبح السفر صدمة مضادة تُعيد تشغيل الروح، تدفع بجرح الماضي إلى حافة المحيط؛ وتصّنع من غربتكِ في الأماكن البعيدة لغة لفهم ذاتكِ. فعندما تضييق بكِ الأرض، قد تكون السماء الواسعة فوق جبال الأنديز، أو هدوء الرمال في صحراء دبي، أو معالم العلا بالسعودية، هي الجرعة التي تنقص شغاف قلبكِ ليُشرق من جديد.
بناءً على ذلك، سنُطلعكِ عبر موقع "هي" على أهمية السفر لتجاوز الصدمات وأفضل الأماكن التي تُساعدكِ على ذلك، بناءً على توصيات استشارية الطب النفسي الدكتورة لبنى عزام من جدة.
أهمية السفر كعلاج نفسي لتجاوز الصدمات

أكدت دكتورة لبنى، أن السفر ليس بديلًا عن العلاج النفسي الاحترافي، لكنه أداة قوية تُكمّله. ووفقًا لدراسات تُدعم فاعلية السفر النفسية؛ وجدت دراسة في جامعة كاليفورنيا أن السفر يُعزز المرونة العصبية (Neuroplasticity)، مما يُساعد الدماغ على تكوين مسارات عصبية إيجابية بدلًا من تلك المرتبطة بالصدمة. أما الـمنظمة الصحة العالمية، فأكدت أن السياحة العلاجية تُقلل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بنسبة تصل إلى 40% عند دمجها مع العلاج السلوكي.
وبالتالي، إذا كانت الصدمة عميقة، فيجب استشارة أخصائي نفسي قبل التخطيط لرحلة طويلة. أما غير ذلك، فالعالم واسع مليء بمساحات الأمل. عمومًا، كل ما نحتاجه هو خطوة واحدة خارج الدائرة لِنرى الضوء من جديد، بعد التعرف على أهمية السفر لتجاوز الصدمات التالية:
كسر الروتين السلبي
غالبًا الصدمات النفسية ما تخلق حلقات مُتكررة من الأفكار السلبية والذكريات المؤلمة. أما السفر فيُجبر العقل على الخروج من البيئة المُرتبطة بالصدمة، مما يخلق مسافة نفسية تُسهِّل التعامل مع المشاعر بموضوعية أكبر.
الطبيعة كعلاج (Ecotherapy)

تُقلل المناظر الطبيعية الخلابة (كالغابات والشواطئ) مستويات الكورتيزول "هرمون التوتر" وتُعيد تنظيم الجهاز العصبي، وفقًا لدراسات علم النفس البيئي. على سبيل المثال: "يُستخدم المشي في الغابات (Shinrin-yoku) باليابان كعلاج رسمي للصحة العقلية.
التعرض لتجارب جديدة
تُحفز الأنشطة السياحية مثل "تسلق الجبال أو تعلّم لغة جديدة" إفراز الدوبامين والسيروتونين، وهي هرمونات تُحسّن المزاج، تُقلل أعراض القلق والاكتئاب المرتبطة بالصدمة.
إعادة بناء الثقة بالنفس
يُعزز التعامل مع تحديات السفر مثل "التنقل في مدينة غريبة"الإحساس بالكفاءة الذاتية، مما يساعد على استعادة الثقة التي قد تكون تضررت بسبب الصدمة.
التواصل الاجتماعي غير المُقيّد

يُتيح التعرف على أشخاص جدد بعيدًا عن دائرة المعارف القديمة فرصة لإعادة تعريف الهوية وبناء علاقات تدعم الشفاء.
العلاج بالثقافات المختلفة
يوسّع التعرض لعادات وتقاليد جديدة منظور الإنسان للحياة، ويُذكّره بأن الصدمة ليست نهاية العالم، بل جزء من رحلة إنسانية مشتركة. على سبيل المثال: "المشاركة في طقوس علاجية تقليدية (كحفل الساونا في فنلندا أو التأمل في الهند)".
الحرية الجسدية والعاطفية
يُعطي السفر مساحة لـتفريغ المشاعر المكبوتةمن دون خوف من الحكم، سواءً عبر البكاء على شاطئ بحر أو الصراخ في جبال مهجورة.
التأمل في اللحظة الحالية (Mindfulness)

يُعلّم الانشغال باكتشاف الأماكن الجديدة العقل التركيز على الحاضر بدلًا من استعادة الماضي أو الخوف من المستقبل، وهو أساس علاجات مثل ((ACT.
العلاج بالحركة (Movement Therapy)
تُحفز الأنشطة السياحية (كالسباحة أو ركوب الدراجات) الجسم على إطلاق الطاقة المكبوتة المرتبطة بالصدمة، مما يُساعد في تفكيك الذكريات المجمدة في الجسد.
الرمزية العلاجية
وهُنا يستخدم كثيرون السفر كرمز للتحرر من الألم، مثل "إلقاء رسالة في نهر أو حرق ورقة تُجسد الذكريات المؤلمة في مكان بعيد".
أفضل وجهات عالمية لتجاوز الصدمات

من ناحية أخرى، اختارت دكتورة لبنى، وجهات عالمية ليست مجرد أماكن للاستجمام، بل مساحات آمنة لإعادة اكتشاف الذات وشفاء الجروح الداخلية عبر طرق مبتكرة تدمج بين الطب التقليدي والحديث "الذي يجمع بين الطبيعة الهادئة والعلاجات التخصصية" لتجاوز الصدمات عبر تجارب سياحية علاجية، وذلك على النحو التالي:
بادن بادن، ألمانيا "الاستشفاء بالمياه الحرارية"
تشتّهر هذه المدينة بمنتجعاتها الفاخرة وينابيعها الحرارية الغنية بالمعادن، التي تُستخدم لعلاج التوتر والآلام الجسدية المرتبطة بالصدمات النفسية. تُقدم جلسات العلاج بالمياه المعدنية والمساج العلاجي في أجواء جبال الغابة السوداء الساحرة "جلسات تأمل في الطبيعة، علاجات بالطين الحراري، وبرامج إعادة تأهيل نفسي".
كارلوفي فاري، التشيك "العلاج بالمياه المعدنية والطبيعة"
من أقدم المنتجعات العلاجية في أوروبا، حيث تُستخدم الينابيع الغنية بالكبريت لعلاج اضطرابات القلق والاكتئاب. تتميز بمناظرها الخلابة التي تُسهم في استعادة التوازن النفسي "مشي علاجي في الغابات، جلسات اليوغا بجانب الينابيع".
كوستاريكا "الغابات الاستوائية واليوغا"

تُعرف بـ"جنة الاسترخاء" بسبب غاباتها المطيرة ومنتجعاتها التي تُركّز على العلاج بالطاقة والتأمل. تُقدم برامج لليوغا العلاجية وجلسات استشارات نفسية في بيئة طبيعية بعيدة عن الضوضاء، على سبيل المثال: "الإقامة في أكواخ خشبية وسط الطبيعة، وورش عمل عن التفكير الإيجابي".
بالى، إندونيسيا "التأمل والثقافة الروحية"
تشتّهر بمراكز التأمل الروحية التي تجمع بين الفلسفة البوذية والعلاجات الحديثة. تُساعد جلسات العلاج بـ"الصمت" و"التنفس الواعي" على إطلاق المشاعر المكبوتة؛ وهنا يُمكنكِ زيارة "منتجع "كوموناس" لليوغا، ومركز "ثيتا هيلينغ" للعلاج بالطاقة".
سيدني، أستراليا "العلاج بالبحر والرياضة"
تُقدم شواطئها الذهبية برامجَ العلاج بالبحر (Thalassotherapy) لتحسين المزاج عبر السباحة والمشي على الرمال. تُنظَّم أيضًا رحلات للتجديف والتأمل مع دلافين المحيط؛ وهنا يُمكنكِ زيارة "منتجع بلو ماونتنز" للاستمتاع بحمامات الساونا البخارية.
ريو دي جانيرو، البرازيل "العلاج بالرقص والموسيقى"

تدّمج الثقافة البرازيلية بين العلاج النفسي والفنون، مثل الرقص (السامبا) والطبول الإيقاعية، التي تُساعد على تفريغ الطاقة السلبية وبناء الثقة. على سبيل المثال: "مشاركة في كرنفالات الشوارع لاستعادة الفرح الداخلي".
تايلاند "المساج العلاجي"
تشتّهر معابدها ببرامج التأمل البوذي التي تعلم تقنيات فصل الأفكار السلبية. يُقدَّم مساج "التايلاندي التقليدي" الذي يعتمد على ضغط نقاط الطاقة لتحرير التوتر؛ وهنا يُمكنكِ زيارة منتجع "شيانغ ماي" للانسجام بين العلاج الروحي والطبيعة.
أيسلندا "الينابيع الساخنة والشفاء بالطبيعة القطبية"
توفِّر ينابيع "اللاغون الأزرق" تجربة استرخاء فريدة في مياه غنية بالسيليكا، مع إطلالة على الشفق القطبي الذي يُعتبر علاجًا بصريًا للاكتئاب الموسمي؛ على سبيل المثال: "رحلات السفاري في المناطق البركانية لتعزيز الإحساس بالتجدد".
البحر الميت، الأردن "الاسترخاء بالطين والملح"

يُعتبر من أبرز الوجهات العلاجية الطبيعية لاحتوائه على نسبة عالية من الأملاح والمعادن التي تُخفف التوتر العضلي والنفسي. تُقدَّم برامج متكاملة تشمل الطين العلاجي والسباحة في مياهه المالحة الفريدة؛ للاستفادة من الهواء الغني بالأكسجين الذي يُحسّن المزاج ويُقلل أعراض الاكتئاب.
المغرب "العلاج بالحمامات التقليدية والروائح"
تُقدم "الحمامات المغربية" تجربة تنظيف الجسد والروح عبر تقشير الجسم بالطين وزيوت الأرگان، مع جلسات عطرية تُحفّز الاسترخاء النفسي؛ وهنا يُمكنكِ زيارة حمام "لا مامونيا" في مراكش، الذي يدمج العلاج بالروائح مع الموسيقى الأندلسية.
نصائح لتعظيم فوائد الرحلة العلاجية لتجاوز الصدمات

أكدت دكتورة لبنى، على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار النصائح التالية أثناء السفرالعلاجي لتجاوز الصدمات؛ وذلك على النحو التالي:
- اختاري البرامج المتخصصة، وابحثي عن مراكز تُقدّم جلسات مع أطباء نفسيين أو مرشدين روحيين.
- ادمجي العلاج مع السياحة، وزوري المعالم الثقافية لتحفيز التفكير الإيجابي، كالمتاحف أو المواقع التاريخية.
- لا تنسي التفاعل مع المجتمع المحلي بالمشاركة في أنشطة تطوعية أو ورش عمل فنية يُعيد بناء الثقة بالنفس.
- اختاري وجهات هادئة (كالقرى الجبلية أو الجزر النائية) بعيدًا عن الازدحام.
- احتفظي بمذكرة سفر لتسجيل المشاعر والتحولات اليومية.