
رسائل تُقرأ بالخيط والإبرة وإبداع الموقف... كيف تحوّلت السجادة الحمراء في كان إلى مساحة احتجاج بالأزياء؟
يحمل شهر مايو في طياته أحد أشهر المهرجانات حيث يلتقي الفنّ السابع بالأزياء الراقية، إذ يجمتع عشاق الأفلام والموضة على حدّ سواء في مدينة كان الفرنسية للمشاركة في فعاليات مهرجان كان السينمائي. غير أن على مرّ السنوات، لم تعد السجادة الحمراء تقتصر على عرض صيحات الموضة، بل تحوّلت إلى منبر صامت لإعلاء الصوت والنضال السياسي والاجتماعي والاقتصادي. فبين طيّات الفساتين ورسائل الإكسسوارات، تختبئ مواقف تعبّر عنها النجمات بذكاء وبراعة، أحياناً بصوت خافت... وأحياناً بصخب لا يمكن تجاهله.
السجادة الحمراء مساحة نفوذ رمزي
صحيح أن توجيه الرسائل عبر الأزياء قد يكون مجرّد تعبير رمزيّ، لكنه ليس مجرّد فعل عابر إذ يبقى محفورًا بذاكرة الحضور والمشاهدين حول العالم. لم ننسى صعود "جوليا روبرتس" عام 2016 على الدرج حافية القدمين احتجاجًا على فرض المنظمين ارتداء الكعب العالي على ضيفات المهرجان، وقد تبعتها احتجاجات مشابهة من "كريستين ستيوارت" التي خلعت حذاءها على السجادة الحمراء في حادثةٍ شهيرة عام 2018، وفي عام 2023، حذت كيت بلانشيت حذوها بخلع حذائها ذي الكعب العالي تضامنًا مع حقوق المرأة الإيرانية.


عارضة الأزياء بيلا حديد سجّلت أيضًا اعتراضها هذا العام على فرض قواعد لباس جديدة في كان، قضت بحظر رسمي للفساتين العارية أو الجريئة، إلى جانب الفساتين ذات القصّات الضخمة أو ذيول طويلة. فظهرت في افتتاح المهرجان بفستان أسود من توقيع Saint Laurent بقصات Cut-out جريئة.

من جهتها، حملت الممثلة سلمى حايك عام 2014 لافتة كُتب عليها "أعيدوا فتياتنا" على السجادة الحمراء، في إطار توعية العالم بشأن تلميذات المدارس النيجيريات اللاتي اختطفتهن جماعة بوكو حرام.

كل هذه اللحظات وغيرها تحوّلت إلى حدث إعلامي عالمي، جرى استثماره لإيصال رسائل تتجاوز الموضة، فبات مهرجان كان مناسبة ومساحة قوية للمرأة والفنانين لتحدي الأنظمة الاجتماعية والسياسية.
دعم الشعوب في الحروب
القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوّة في كان العام الماضي من خلال الأزياء والإكسسوارات، إذ اختارت بعض النجمات فساتين، بروشات أو أساور بأعلام أو رموز دعمًا لهذه القضية الانسانية.
عارضة الأزياء الأميركية الفلسطينية الأصل بيلا حديد، أوصلت رسالة قويّة العام المضي في كان من خلال ارتدائها فستانًا مصممًا من قماش الكوفية الفلسطينية التقليدية باللونين الأحمر والأبيض من علامة Michael and Hushi.

من جهتها، حملت الممثلة الهندية "كاني كوسروتي" على السجادة الحمراء، لحضور العرض الأول لفيلمها الفائز بالجائزة الكبرى All We Imagine، حقيبة على شكل شريحة بطيخ، والتي كانت رمزًا للفلسطينيين، وذلك تعبيرًا عن تضامنها معهم.

في العام 2023، كانت الحرب على أوكرانيا حاضرة في مهرجان كان من خلال إطلالة الممثلة "إيلونا تشيرنوباي"، التي قررت الاحتجاج بطريقة دراماتيكية على السجادة الحمراء. إلى جانب ارتدائها فستانًا باللونين الأزرق والأصفر، قامت بسكب مادة حمراء ترمز إلى الدم على نفسها، ما دفع المنظمين إلى ابعادها عن السجادة الحمراء.

عندما يصبح الفستان بياناً بحدّ ذاته بألوانه ونقشاته
التعبير من خلال اختيار ألوان محددة أو نقوش كان حاضرًا في كان العام الماضي، أيضًا في إطار دعم القضية الفلسطينية، إذ أطلّت النجمة "كيت بلانشيت" بفستان من مجموعة الكوتور لربيع 2023 التي حملت توقيع المصمم Haider Ackermann لصالح علامة Jean Paul Gaultier. تميّز الفستان بألوان الأسود والأبيض والأخضر ما تم تفسيره على أنه إشارة خفية إلى ألوان العلم الفلسطيني.

اللون الأسود كان حاضرًا بقوّة على إطلالات النجمات في العام 2018! لم يخترنه لأنه كان صيحة العام بل دعمًا لحركة "Me Too". كما احتجّت الممثلاث على رأسهن كيت بلانشيت بسبب عدم وجود مخرجات أفلام تم تكريمهن طوال تاريخ المهرجان.

الموضة كبيان... على منصات عروض الأزياء
لطالما لعب مصممو الأزياء دورًا مهمًا في التعبير عن قضايا يناصرونها، من خلال تصاميم وشعارات. إذ لم يعد الأمر حكرًا على ساحات الاحتجاج، بل تسللت الرسائل إلى عروض الأزياء وصولًا إلى السجادة الحمراء.
أحد أبرز الأمثلة على هذا التحوّل هي "ماريا غراتسيا كيوري" Maria Grazia Chiuri، المديرة الإبداعية لديور، والتي جعلت من عروضها مساحة لطرح أسئلة نسوية حادة. ففي أول عرض لها للدار عام 2017، تصدّر المشهد تيشيرت كُتب عليه "We Should All Be Feminists"، مستوحى من عنوان مقال للكاتبة النيجيرية شيماماندا نغوزي أديشي.

منذ ذلك الحين، لم تتردد كيوري في دمج الشعارات، الرسائل المبطّنة، والاقتباسات القوية في تفاصيل الأزياء، بدءًا من الطبعات وصولًا إلى الديكور والموسيقى المصاحبة للعروض. هذه النزعة جعلت من ديور، مثالاً على كيف يمكن للموضة أن تتجاوز جاذبيتها البصرية لتصبح أداة للتوعية والتأثير.
وقبل كيوري، استخدم مصممون أمثال "فيفيان ويستوود" Vivienne Westwood و"كاثرين هامنت" Katharine Hamnett الـ"تي شيرت" لإيصال رسائل مختلفة مثل المسائل المتعلّقة بالمناخ والتغيّر البيئي وصولًا إلى حرية الاختيار.
لا شكّ أن الموضة تحوّلت إلى لغة صامتة لكنها مؤثرة، قادرة على لفت الانتباه وتسليط الضوء على قضايا أساسية. وبينما تُلتقط ملايين الصور على سجادة كان الحمراء، قد تكون أقوى رسالة هي تلك التي لا تُقال بالكلمات، بل تُقرأ من خلال خيط إبرة وإبداع موقف.