
مهرجان أفلام السعودية: افتتاح النسخة الحادية عشر... بين أول فيلم روائي طويل و"نخلة سعفاتها الفنون"
بأنوار السينما، وحضور النجوم، وتحت شعار "قصص تُرى وتُروى"، افتُتحت مساء الخميس 17 أبريل 2025 فعاليات الدورة الحادية عشرة من مهرجان أفلام السعودية في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) بمدينة الظهران، بالشراكة بين جمعية السينما و"إثراء"، وبدعم من هيئة الأفلام السعودية، وسط حضور نوعي يُجسّد التحوّل الكبير في الوعي السينمائي داخل المملكة.
كانت الأمسية أكثر من احتفال بانطلاقة مهرجان؛ كانت لحظة فنية متكاملة تنبض بالسرد، وتكرم القامة، وتنقش التاريخ، وتختبر ذاكرة الصورة، وتحتفي بجيل جديد من صُنّاع الأفلام، الذين باتوا يعكسون وجوهًا مختلفة لهوية سعودية متعددة الطبقات.
لحظة وفاء لذاكرة الفن: تكريم إبراهيم الحساوي
لم تكن الأمسية خالية من التأمل في الجذور. فقد خصّص المهرجان تكريمًا خاصًا للفنان إبراهيم الحساوي، أحد أبرز الأصوات المسرحية والتلفزيونية والسينمائية في المشهد السعودي.

قدّم المهرجان بهذه المناسبة فيلمًا وثائقيًا بعنوان "نخلةٌ سعفاتها الفنون" يوثّق محطات مسيرته الغنية التي امتدت لأكثر من أربعة عقود، منذ بداياته في مسرح جمعية الثقافة والفنون في الأحساء، وصولًا إلى حضوره على شاشات التلفزيون والسينما.
كما سيطلق كتاب توثيقي يؤرخ لتجربته، مع ندوة حوارية سوف تتيح للجمهور التفاعل المباشر مع الحساوي، في لحظة استحضار لذاكرة فنية شكلت وعي أجيال.
افتتاح بهيئة جديدة: فيلم طويل وقصة تنبض بالأسئلة
في أول سابقة من نوعها بتاريخ المهرجان، افتتحت الدورة بفيلم روائي طويل هو "سوار" للمخرج أسامة الخريجي، في عرض عالمي أول يتقاطع مع جوهر الدورة: استكشاف الهوية من خلال السينما.
يروي الفيلم، المستلهم من قصة واقعية، حكاية إنسانية مؤثرة تفتح أبواب التساؤل حول الانتماء، وتعيد النظر في الروابط الأسرية، والحدود الفاصلة بين البيولوجي والعاطفي. وجاء اختيار الفيلم بمثابة إعلان غير مباشر عن تحول نوعي في المهرجان نحو السينما التي تُفكّر، وتجادل، وتطرح أكثر مما تُسلّي.

سجادة حمراء بنبض محلي وعربي
تولّى تقديم الأمسية النجمان خالد صقر وعائشة كاي، اللذان أضفيا لمسة من العفوية والأناقة على الأمسية، في حوار متناغم يعكس جمالية التقديم المُعاصر، وتكامل العناصر الفنية على المسرح.
تألقت مقدمة الحفل عائشة كاي في لحظة الافتتاح، التي جمعت تحت سقفها نخبة من أبرز الأسماء في المشهد الفني السعودي والخليجي.
ومن الوجوه النسائية اللافتة التي حضرت: ميلا الزهراني، نيرمين محسن، مريم عبد الرحمن، ريم رحمة، نور الخضراء، فاطمة الشريف، آيدا القصي إلى جانب هبة الحسين وريم صفية، وجود السفياني، ونجلاء العبد الله. في حضور يعكس التنوع الإبداعي للجيل الجديد من النجمات.
شهدت لحظات ما قبل الافتتاح مرور عدد من صنّاع السينما السعوديين والعرب على السجادة الحمراء، من الفنانين والفنانات والنقادد والمخرجين ومختلف صناع السينما وسط أجواء احتفالية تخللتها كاميرات وعدسات وحوارات عفوية، عكست الحراك الفني المتسارع في المملكة، وحالة الترقّب لمستوى الأعمال المشاركة هذا العام.
نحو تحفيز الخيال... لجنة تحكيم السيناريو غير المنفذ
وفي إطار دعم المواهب وتحفيز المشاريع المستقبلية، تضم لجنة تحكيم مسابقة السيناريو غير المنفذ لهذا العام، رئاستها الدكتور عبدالرحمن الغنام، المعروف بإسهاماته في تحليل النصوص البصرية، إلى جانب عضوية كل من الكاتب الروائي أسامة المسلم، أحد أبرز الأسماء في أدب الفانتازيا والخيال في المملكة، والكاتبة والمخرجة سارة طيبة، التي تمزج في أعمالها بين الحكاية والابتكار البصري.
ما يميز مهرجان أفلام السعودية في هذه النسخة، أنه لم يعد يكتفي بالاحتفاء، بل يطرح منصة نقدية متكاملة لإعادة قراءة التجارب السينمائية، حتى تلك التي لاقت استحسان الجمهور. فهنا، يُعاد فحص الأعمال بعين ناقدة، ويُفتح المجال للنقاشات، والتحليل، والقراءات المتعددة التي تُثري التجربة بدل أن تكتفي بتأريخها.

الفعاليات الموازية، من ورش العمل، والندوات، والجلسات الحوارية، تصنع من المهرجان منظومة فكرية حيوية تتقاطع فيها وجهات النظر، وتلتقي فيها الأصوات المختلفة ضمن مساحة واحدة تحتفي بالتنوع والتجريب.
البدايات التي تُعيد صياغة المشهد
منذ لحظته الأولى، حمل افتتاح المهرجان ملامح دورة استثنائية، لا تكتفي بعرض الأفلام بل تحفّز التفكير، وتحتضن الحوار، وتُعيد وضع السينما السعودية في مكانها الطبيعي ضمن خارطة الإبداع العالمي.
وبين برمجة غنية، وفعاليات نقدية وفكرية، وتنوع جغرافي وفني في المشاركات، يظهر واضحًا أن مهرجان أفلام السعودية في دورته الحادية عشرة ليس مجرد مناسبة سنوية، بل حراك ثقافي يكتب فصله القادم بلغة الصورة، وأدوات الرواية، ووعي التجربة.
وهكذا، بدأت الليلة الأولى كما يليق بالسينما: بمشهد يأسر، وفكرة تُزرع، وقصة لا تُروى فقط... بل تُشاهَد، وتُتأمّل.