
رؤى سعودية خلف العدسة: عبير أحمد وتصوير الموضة كحوار بصري عميق
في عالم يركض خلف اللقطة السريعة والضوء المثالي، اختارت عبير أحمد أن تُبطئ الزمن. أن تجعل من التصوير فعل تأمل، ومن العدسة وسيلة للتساؤل، لا للإبهار فقط. لا تُغريها الموضة كمشهد، بل كمادة خام لبناء سرد بصري يتقاطع فيه الجمال مع الهوية، والحرفة مع الحضور الإنساني. منذ أكثر من عقد، بنت عبير لغتها البصرية بوعي هادئ وعين لا تهادن — عين ترى ما خلف المظهر، وما بعد اللحظة.
وفي هذا النص، الذي يأتي امتدادًا للمادة المنشورة في عدد يوليو وأغسطس حول المصورين الذين يعيدون تشكيل الوعي الجمالي في السعودية، نضيء على عبير بصفتها صوتًا بصريًا فريدًا يستحق التوقف عنده.

القصة تبدأ من سؤال: من نحن؟
تؤمن عبير أن كل صورة تحمل سؤالًا ضمنيًا، وتبدأ كل جلسة تصوير من هناك. لا تبني عملها على مزاجية الضوء فقط، بل على خيط فكري يصل اللحظة بالذاكرة. تقول: "أبحث عن ملامح تربطنا بالانتماء، ثم أعيد بناءها بصريًا بطريقة تحترم الجمال دون أن تفرغه من المعنى، الضوء، الحركة، والسكوت كلها أدوات لبناء قصة لا تُحكى بالكلمات."
صورة من الداخل: عن المشهد السعودي المتغيّر
في سياق ثقافي سريع التحوّل مثل السعودية، ترى عبير الصورة كمساحة لإعادة تعريف الذات. لا تكتفي بتوثيق ما يحدث، بل تحوّله إلى لغة جديدة تقول: "المشهد السعودي اليوم يتحرك بسرعة، لكنه لا يفقد جذوره، وهذا التوازن يلهمني كثيرًا. كمصورة، لا أرى نفسي شاهدة فقط على هذا التحول، بل جزء منه. العدسة لا تسجل اللحظة فحسب، بل تمنحها معنى، وتعيد صياغتها بلغة تحاكي المستقبل وتحترم الأصل."
ما بين الفن والتجارة: معادلة الاستوديو
من خلال إدارتها لـ AMG Studio، توازن عبير بين الرؤية الفنية والاحتياجات التجارية دون أن تُفرّط بجوهر الصورة توضح قائلة: "أحاول دائمًا أن أجد مساحة مشتركة بين متطلبات العميل ورؤيتي الفنية. الجانب التجاري مهم لضمان استمرارية العمل، لكنني أحرص على ألا يكون ذلك على حساب الجودة أو الهوية البصرية. التوازن يحدث عندما نُقدم عملًا يحقق هدفه التجاري دون أن يفقد روحه الإبداعية.

المرأة أمام العدسة: حضور لا يُختزل
في أعمالها، المرأة ليست صورة مثالية، بل حالة شعورية. سواء في تصوير الحملات أو الجلسات الشخصية، تبحث عبير عن ما هو إنساني وعميق توضح: "أميل إلى إبراز الجانب الإنساني في الشخصية، سواء في جلسات التصوير الشخصية أو التجارية."
وتكمل الحديث: " لكن في الحملات الإعلانية هناك عناصر إضافية يجب مراعاتها مثل الرسالة التسويقية وطبيعة العلامة، بينما في التصوير الشخصي أجد مساحة أوسع للتجريب والتقارب العاطفي."
العدسة كأداة لبناء الهوية البصرية
في حديثها عن الموضة السعودية، لا ترى عبير دور المصور كمجرّد ناقل. بل تصفه بصانع اللغة التي يُفهم بها الجمال. تختتم قائلة:" المصور اليوم لا ينقل الصورة، بل يصنع اللغة التي تُفهم بها الموضة. في السعودية، نحن أمام فرصة نادرة لصياغة هوية بصرية نابعة من السياق المحلي لكنها تتحدث بلغة عالمية. ما أتمنى توثيقه ليس فقط المظهر، بل التحول العميق في كيف يرى الناس أنفسهم، وكيف يريدون أن يراهم العالم."
وبين السرد البصري والتأمل الثقافي، تواصل عبير أحمد رسم ملامح جديدة للمشهد الجمالي السعودي. هذه المساحة، التي نخصّصها لها اليوم، تأتي كتكملة طبيعية لما بدأناه في ملف العدد السابق. فالعدسة التي وقفت خلف الكاميرا، تستحق بدورها أن تكون في واجهة الضوء.