كيف تساعد التكنولوجيا المتقدمة في علاج أصعب أنواع السرطان
يشهد العالم تطورات كبيرة في مجالات عدة، منها المجال الطبي؛ الذي باتت تدعمه تكنولوجيا المعلومات بشكل كبير، في توفير العلاجات وطرق الفحص وغيرها للكشف المبكر عن الأمراض وتسريع علاجها بفاعلية.
ولعل هذا الإنجاز هو أهم ما توصلت إليه البشرية جمعاء؛ كون بعض الأمراض الخطيرة والمميتة في فترات سابقة مثل أمراض السرطان، بات بالإمكان اليوم كشفها في مرحلة مبكرة وعلاجها. حتى أن بعض السرطانات الصعبة، مثل سرطان الحلق والفم مثلًا؛ بات بالإمكان تسهيل التدخل الطبي فيه وإحراز نتائج إيجابية لجهة العلاج وإنقاذ حياة المصابين به.
والمعروف أن سرطانات الحلق والفم، التي يُشار إليها أيضًا بسرطانات الرأس والرقبة أو سرطان الفم البلعومي؛ تُمثَل تحديًا كبيرًا للأطباء في مسألة العلاج، إذ يصعب الوصول إليهما. لكن الإبتكار في عالم الطب، خصوصًا مع الروبوتات التي باتت تُستخدم بشكل كبير في هذه العلاجات؛ ساعد الأطباء على تفعيل العلاجات والوصول بمرضى السرطان إلى بر الأمان.
يُطلعنا الدكتور فيليب بيرجوسيس، دكتور في الطب اختصاصي جراحة الرأس والرقبة في مايو كلينك في ولاية فلوريدا؛ على أبرز التقنيات المتقدمة الموجودة حاليًا في مجالات علاج سرطانات الرأس والعنق، ومدى تأثيرها الإيجابي على حياة المرضى وصحتهم.
تكنولوجيا مبتكرة لعلاج سرطانات الرأس والعنق
يعتمد علاج سرطانات الحلق والفم، المُشار إليها أيضًا باسم سرطانات الرأس والرقبة أو سرطان الفم البلعومي؛ على موضع السرطان ومرحلته بالإضافة إلى عوامل أخرى. ويقول الدكتور بيرجوسيسأن المرضى يحظون حاليًا بعلاجات جراحية أكثر أمانًا وأقل توغلًا لسرطانات الرأس والرقبة والمتاحة بفضل التكنولوجيا المبتكرة.
وفقًا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، فإن فيروس الورم الحليمي البشري مسؤولٌ عن نسبة كبيرة من الإصابة بسرطانات الرأس والرقبة حول العالم. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، يرتبط فيروس الورم الحليمي البشري بنحو 70% من حالات سرطانات الحلق والفم؛ وتكون أكثر من 70% من تشخيصات الإصابة بهذه السرطانات لدى الرجال، وذلك بحسبمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها.
تزداد حالات السرطان المرتبطة بفيروس الورم الحليميفي موضعين بعينهما في الحلق.ويوضح الدكتور بيرجوسيس هذين الموضعين قائلًا: "اللوزتان في الجزء الخلفي من الحلق وأنسجة الغدة اللمفية في الجزء الخلفي من اللسان". وقد تُشكّل الإصابة بالسرطان في هذين الموضعين تحديًا كبيرًا بحسب اختصاصي جراحة الرأس والرقبة في مايو كلينك، الذي يضيف قائلًا: "يرتبط كثيرٌ من التحديات عادةً بموضع الورم الأولي، لأن منطقة الحلق والحنجرة يصعُب للغاية الوصول إليهما."
وهنا يأتي دور الابتكار باستخدام الروبوتات التي تسمح بتمثيل مرئي وإضاءة ونتائج أفضل لاستئصال الورم بشكل كامل. ووفقًا للدكتور بيرجوسيس: "نحن نتحدث عن جراحات كبيرة ومفتوحة مقابل جراحات طفيفة التوغل، تُمكنَنا من الوصول إلى المواضع الصعبة بعمل شقوق في الوجه،ويكون تأثيرها أقل على التنفس والكلام والبلع والتواصل. لقد حسَنت الجراحة الروبوتية قدرتنا ليس فقط على إزالة الأورام،وإنما أيضًا إزالتها بأمان."
ما هي الجراحة الروبوتية عبر الفم
هي تقنيةٌ جراحية طفيفة التوغل، تستخدم نظامًا حاسوبيًا للمساعدة في توجيه الأدوات الجراحية عبر الفم. ويتحكم في ذراعي الروبوت جرَاح، يجلس أمام لوحة تحكَم ويوجههما لإجراء الجراحة. توفَر لوحة التحكم للجرَاح، عرضًا مُكبرًا ثلاثي الأبعاد وعالي الوضوح لموضع الجراحة؛ ويقود الجرَاح أعضاء الفريق الآخرين الذين يقدمون المساعدة خلال العملية.
الخيارات العلاجية لسرطانات الرأس والرقبة
تجدر الإشارة إلى أن علاج سرطانات الرأس والرقبة يستندعلى عدة عوامل، تشمل موضع السرطان ومرحلته ونوع الخلايا المُصابة والصحة العامة والتفضيلات الشخصية. لذا قديتلقى المريض نوعًا واحدًا من العلاج، أو قد يخضع لمزيج من علاجات السرطان. ويتعاون مع المرضى عادةً، فريق الرعاية لتحديد أفضل خطة علاجية لك.
وتشمل الخيارات العلاجية لهذا النوع من السرطانات:
- العلاج الإشعاعي.
- جراحة لاستئصال السرطان الذي لم ينتقل بعد لأماكن أخرى.
- جراحة لاستئصال جزء من الحلق، أو الحنجرة، أو العُقَد اللمفية.
- العلاج الكيميائي.
- العلاج الدوائي.
- العلاج المناعي.
فيروس الورم الحليمي البشري
يشير موقع "مايو كلينك" إلى أن عدوى فيروس الورم الحليمي البشري، هي عدوى فيروسية تؤدي إلى ظهور زوائد على الجلد أو الأغشية المخاطية (ثآليل). هناك ما يزيد عن 100 نوع من فيروس الورم الحليمي البشري؛ بعضها يُسبَب الثآليل، وبعضها الآخر يمكن أن يتسبب في الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان.
لكن لا بد من التنويه هنا، إلى أن معظم إصابات فيروس الورم الحليمي البشري، لا تؤديللإصابةبالسرطان. ولكن هناك أنواعٌ معينة منه، يمكن أن تُسبَب سرطان الجزء السفلي من الرحم المتصل بالمهبل (عنق الرحم)؛ كما ثبت وجود علاقةٌ بين أنواع أخرى من السرطان وعدوى فيروس الورم الحليمي البشري، منها سرطان الشرج والقضيب والمهبل والفرج والجزء الخلفي من الحلق (البلعوم).
تنتقل عدوى فيروس الورم الحليمي البشري عادةً من خلال الممارسة الجنسية، أو عن طريق ملامسة الجلد المُصاب. ويمكن أن تساعد اللقاحات في الحماية من الإصابة بسلالات فيروس الورم الحليمي البشري، التي يُرجح في أغلب الظن أنها تتسبب في الإصابة بثآليل الأعضاء التناسلية أو سرطان عنق الرحم.
لقاح عدوى فيروس الورم الحليمي البشري
في وقت سابق من العام الماضي، تحدثت إلينا الدكتورة عذبة فرنجية؛ استشاري أمراض وجراحة نسائية وتوليد من مستشفى مركز كليمنصو الطبي دبي، عن أهمية لقاح فيروس الورم الحليمي البشري في الوقاية من العديد من أمراض السرطان. مشددةً على أن اللقاح يحمي من العديد من الأمراض المنقولة جنسيًا، والذي يتوافر في كافة الدول حول العالم ومُعترف به من قبل منظمة الغذاء والدواء الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية، وأصبح من اللقاحات المُلزمة لصغار السن.
وبحسب الدكتورة فرنجية، يُوصى بإعطاء هذا اللقاح المهم منذ سن التاسعة حتى سن 11-12، عند الفتيات والفتيان على حد سواء؛ وذلك لمنع ظهور الثآليل وكي لا يكون الفتى شريكاً في نقل الفيروس إلى الفتاة بعد الزواج.
يتم إعطاء اللقاح قبل سن 15 على جرعتين، يكون الفرق الزمني بينهما 6 أشهر. أما بعد سن 15، فيحتاج المراهقون لأخذ 3 جرعات؛ بمعدل جرعة واحدة في المرة الأولى، تليها جرعةٌ ثانية بعد شهرين ثم جرعة ثالثة بعد 6 أشهر.
جدوى لقاح فيروس الورم الحليمي البشري
أشادتدراساتٌ عديدة أُجريت على هذا اللقاح، بمدى فعاليته بشكل كبير منذ سن التاسعة وحتى سن 26. لكن منظمة الصحة العالمية أعطت توصيات مؤخرًا، بضرورة إعطاء لقاح فيروس الورم الحليمي البشري حتى عمر 45؛ نظرًا للمنافع التي يبقى الإنسان يحصل عليها من هذا اللقاح لغاية هذا السن.
إذن، في حال لم تحصل الفتاة على لقاح فيروس الورم الحليمي البشري في عمر صغير؛ يمكنها أخذه عند بلوغها سن 26، كما يمكن لها تلقيه قبل سن 45 بحسب التوصية الجديدة لمنظمة الصحة العالمية. لكن الحصول على اللقاح في عمر أصغر، يمنح الفتاة مناعةً من سرطان عنق الرحم في سن أبكر.
ختام القول، أننا سعداء جدًا بكل تقدم ملحوظ في المجال الطبي؛ يسهم بلا شك في تسريع عملية العلاج وتفعيلها، بحيث ينجح الأطباء والجسم الطبي بأكمله في إنقاذ حيوات الملايين من الأشخاص الذي يتعرضون للإصابة بأمراض خطيرة مثل أمراض السرطان.