صاحبة السمو الملكي الاميرة العنود بنت خالد بن مشعل آل سعود تكتب لـ"هي": مساحات تجسد هويتنا
أؤمن بأن التصميم الداخلي عنصر أساسي في تشكيل أسلوب حياة الإنسان، فهو ليس شكلا إضافيا على المساحة ولا رفاهية زائدة عن الحاجة. إنه بيئة تؤثر في مشاعرنا، وفي تركيزنا، وفي الإحساس بالأمان والانتماء. لهذا لا أبدأ عملي من قطعة أثاث أو لون، بل من فهم واضح لطريقة عيش المستخدم وعاداته اليومية داخل المكان. الإنسان هو الأساس الذي تُبنى عليه كل التفاصيل.
عندما ننطلق من احتياجات الشخص الحقيقية، يصبح التصميم أكثر واقعية وقابلية للاستخدام. نسأل: ما الذي يسهل الحركة داخل الفراغ؟ كيف يمكن للضوء أن يدعم نشاط اليوم، ويتعامل مع لحظات الاسترخاء؟ وأين يجب أن تتواجد التفاصيل التي تخدم راحته من دون أن تشتت انتباهه؟ بهذه الطريقة يتحول التصميم من ديكور يُرى إلى تجربة تُعاش تدعم الإنسان في حياته اليومية، وتخفّف فوضاها بدلا من زيادتها.

وهنا يظهر دور الهُوية بوصفها امتدادا لهذا الإنسان نفسه. فالهُوية ليست عناصر تُضاف إلى الفراغ لإثبات الانتماء، بل هي شعور بأن المكان متجذّر في ثقافتنا، وقريب من ذاكرتنا. استلهامي للعناصر النجدية والمواد الطبيعية يأتي من رغبة في منح المكان معنى وعمقا، مع تقديمها بروح عصرية تجعلها جزءا من نمط الحياة اليومي، لا مجرد رموز للعرض. حين يُعاد تقديم التراث بوظيفة جديدة، يتحقق توازن صادق بين ما نعرفه وما نعيشه اليوم.
وعندما يكتمل هذا التوازن، تتغيّر نظرتنا للفخامة. فالفخامة التي أؤمن بها لا تقاس بالبريق ولا بتكدّس التفاصيل، بل بإحساس مريح يدوم. هي ترتيب منطقي يسمح للنَفَس بالتمدّد، ومواد تبعث دفئا هادئا، ومساحات مُهيأة للاستخدام قبل الصورة. فالتصميم الناجح ليس ذلك الذي يذهل الناظر لثوان، بل الذي يرافق ساكنه في لحظاته اليومية من دون إرهاق بصري أو عبء وظيفي.
ومن هنا تنبع مسؤولية المصمم. نحن لا نبني مشهدا عابرا، بل حياة تُعاش كل يوم. التفاصيل الصغيرة التي قد لا يلاحظها أحد هي التي تصنع الفارق: مقبض مريح، وضوء موزون، وخامة تمنح طُمأنينة. وعندما يشعر الإنسان بأن مكانه يشبهه، يسانده، ويجعله أقرب إلى نفسه… عندها فقط نعلم أن التصميم حقق غايته.