ما الذي يعنيه حضور فساتين Dior وPrada وLouis Vuitton على سجادة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؟
في اليوم الافتتاحي لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2025، كان هناك مشهد لا يتم اخراجه إلا في مهرجانات محدّدة، وهو استقطاب السجادة الحمراء بشكلٍ كثيف من قِبل كبرى علامات الأزياء. اختارت Dior إرسال قطعة من أول مجموعة نسائية لجوناثان أندرسون إلى جدة لترتديها الممثلة الأمريكية كيرستين دانست، أما Louis Vuitton فقدمت فستانًا صمَّمه نيكولا جاسكييه خصيصًا للمناسبة حتى تتألق به الممثلة آنا دي أرماس. لا تتوقف القائمة هنا، فحتى Lanvin وPrada وArmani Privé اصطفّوا جميعهم على السجادة. ما تراه من اصطفاف كبرى علامات الأزياء في المملكة ليس مجرّد اطلالات جميلة بل صورة غير مسبوقة في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من تناغم الصورة وانسيابيتها، يكشف هذا الحضور عن استراتيجية جديدة تتجه بها الموضة العالمية نحو المملكة.
السجادة الحمراء تكشف مَن يملك الذوق في المنطقة.

في الموضة، تكون الصورة في مراتٍ كثيرة أثمن من المبيعات لأنها تمنح العلامات قيمة تتجاوز مواسم البيع وتقلّبات السوق. ولذلك، فإن ظهور فستان Dior من أول مجموعة نسائية لجوناثان أندرسون ليس قرارًا عابرًا، بل إعلان بأن المملكة أصبحت جزء من الخريطة البصرية والثقافية للموضة. ولأن لحظات السجادة الحمراء هي أكثر ما تُصدّره الموضة إلى العالم، أصبح مهرجان البحر الأحمر، مع كل صورة تعاد وتُحلَّل وكل إطلالة يتم تداولها، مشاركًا في تشكيل الذوق العام وصناعة المشهد. تقول العلامات بتواجدها هذا، أن المملكة أرضٌ خصبة للاستمرار في صناعة الصورة القوية.
صعود قيمة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.
عادةً لا نرى التصاميم الخاصة أو انتقال القطع مباشرة من منصة العرض إلى السجادة الحمراء إلا في مهرجانات عريقة مثل "كان"، ورؤية هذا النمط في البحر الأحمر هو مؤشر على أن المهرجان استطاع بفترة قصيرة جدًا أن يضع لنفسه مكانة بين المهرجانات المرموقة والمُعترف بها. ومع صعود قيمة المهرجان، تأتي التغطية الإعلامية الضخمة معه إلى جانب الرعاة الأكثر بريقًا وشهرة في السينما مثل Chopard. هنا يصبح التصميم الخاص استثمار في الوقت والجهد والموارد وتعبير عن رغبة العلامات بالحضور القوي داخل منطقة جديدة. كما أن اختيار كبرى علامات الأزياء للسينما كمدخل، يشير إلى أنها أصبحت تستخدم أفضل أدواتها في التعامل مع سوق وجمهور السعودية.

استراتيجية التواجد في السجادة الحمراء
لا تأتي كبرى علامات الأزياء من أجل إطلالة جميلة ولا تذهب إلى منطقة لمجرّد أنها تُنفق، الأهم بالنسبة لها هو السوق المؤثر. سجادة البحر الأحمر تنتج محتوى ينتشر عالميًا، وتجمع شخصيات ونساء مؤثرات، وهذا ما يمنح العلامات نفوذًا في المنطقة. يقول فين ديزل، الممثل والمنتج والمخرج الأمريكي "ترى أشخاصًا من هوليوود هنا [في مهرجان البحر الأحمر] أكثر من حفل الأوسكار." هذا النفوذ، القائم على الصورة الثابتة واللحظات غير المنسيّة والتفاعل الفوري، هو ما تبحث عنه العلامات حين تريد ترسيخ ذاكرة جديدة في المكان وتثبيت قيمتها على مدى 20 سنة، لا لمجرّد موسم أو اثنين.
السينما كبوابة لدخول العلامات إلى السعودية.. ما الذي يُمكن توقعه بعد ذلك؟

المتاجر الجديدة تُدخِّل العلامة إلى السوق، والإعلانات المحاكة للتناسب مع المنطقة تُبقيها مرتبطة بذاكرة الجمهور، أما السينما، فهي اللغة التي يتقنها الجميع، شرقًا وغربًا، لفهم التحوّلات الكبرى في أي منطقة. ولذلك، عندما تقرّر Balenciaga، بمديرها الإبداعي الجديد، أن تعتني بإطلالة جولييت بينوش، التي قُرر تكريمها بجائزة اليُسر الفخريّة احتفاءً بمسيرتها التي أثرت السينما العالمية، فهي تسعى إلى مَد الوعي حولها في السوق وحجز مكانها في السردية الجديدة التي تشكّلها المملكة لتكون جزءً منها. يتحوّل هنا هدف العلامات من محاولة رفع المبيعات أو شراكة مع مهرجان سينمائي إلى شراكة مع مرحلة ثقافية اقتصادية متكاملة.
تسعى كبرى علامات الأزياء دائمًا إلى ترسيخ صورتها وأثرها من خلال المشاركة في دعم الثقافات والفنون، وهي لن تفعل ذلك بمفردها لكونها بحاجة لأن تُعطي حتى تأخذ. لذلك، مع التواجد الكثيف لها على السجادة الحمراء لمهرجان البحر الأحمر يمكننا أن نتوقع أن يبدأ ذلك بجذب علامات أكثر إلى المملكة، كون الموضة لغة تراكمية، وأن نصل تراكميًا إلى تعاونات ابداعية وإنتاجية مختلفة مع المبدعين السعودبين سواءً كمصممين وحرفيين، أو كمخرجين وممثلين. الزيارة ليست مؤقته، وهذه الاحتمالات واردة جدًا خصوصًا عندما نرى فيلم Couture، الذي سيُعرض في مهرجان البحر الأحمر، مدعومًا من Chanel، وتواجد Kering من خلال مبادرة Women in Motion وجلساتها الحوارية التي تسلط الضوء على النساء خلف الكاميرا وأمامها.

وجود هذه العلامات على السجادة الحمراء في جدة أمرٌ لم ترتبه الصدفة، بل هو نتيجة الاستثمار السعودي في الثقافة. فالتمكين الثقافي الذي تصنعه المملكة، وتُشرف عليه وزارة الثقافة، من خلال مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي وأسبوع الأزياء في الرياض لا يقف عند دعم الإمكانيات المحلية، بل يفتح الطريق أمام كل من في المنطقة، ويضع الشرق الأوسط في المقدمة.