تحت ضغط التصميم.. جيل Z بين النجاة والابتكار

تحت ضغط التصميم.. جيل Z بين النجاة والابتكار

نورا البشر
14 أغسطس 2025

إعداد: Nora AlBesher

في زمن تُختصر فيه الموهبة بمقطع مدته ١٥ ثانية، وتقاس فيه الحرفة بسرعة التفاعل لا عمقه، يتحرّك جيل من المصممين الشباب في خط تماس دائم بين الهُوية والنجاة. لا وقت للتجربة، لا مساحة للخطأ. كل قرار، كل تفصيل، كل غرزة خاطئة أو جملة مرتعشة، قد تتحوّل إلى نقطة انهيار أو قفزة نحو الأضواء. في هذا المقال، لا نكتفي برصد الظاهرة، بل نُصغي لتفاصيلها من الداخل. من زيد حجازي، الذي يزرع الرموز الفلسطينية في قوالب مستقبلية صارخة تتجاوز الفولكلور، وتُبهر بهيكلتها، إلى فاطمة سعد التي تحوّل البذخ البصري للأزياء الراقية إلى مرآة داخلية تعكس التفرّد والروح الإبداعية الحُرة، إلى تالا أبوخالد التي تثبّت جذورها في أرض البوهيمية المستدامة، لتعيد سرد الحكاية السعودية من خلال سعف النخيل وحكايات النسج البطيء.

خلف كواليس العملية الإبداعية للمصممة فاطمة سعد
خلف كواليس العملية الإبداعية للمصممة فاطمة سعد
خلف كواليس العملية الإبداعية  للمصمم زيد حجازي
خلف كواليس العملية الإبداعية للمصمم زيد حجازي

ما قاله المصممون، قالوه بصدق غير قابل للتجميل، في لحظة هدأت فيها وتيرة التفاعل، وارتفعت نبرة التأمل. ليس لأنهم يطلبون إنصافا، إنما لأنهم يكتبون معادلة جديدة من صلب يومياتهم.

ليس سهلا أن تُولد كمصمم في زمن يسبقك بخطوة. أن تحاول خلق شيء نقي في بيئة تُطالبك بأن تكون مصمّما، ومُحرر فيديو، واستراتيجيا، وواجهة مرئية لعلامة لا تزال في طور التشكل. أن تخيط قطعة وتخيط معها قصة، وتخيط القصة ضمن جدول نشر، ثم تُعدّ مشهدا إخراجيا لكل ذلك.. من دون أن تنهار.

من تصاميم زيد حجازي
من تصاميم زيد حجازي
من تصاميم زيد حجازي
من تصاميم زيد حجازي

زيد حجازي يصف هذه الدوامة قائلا:

"أصمم القطعة، ثم أصمم حولها قصة، ثم أتحول إلى مدير إنتاج لنشرها. كل خطوة تقودني إلى دور جديد، من دون أن أملك رفاهية التخصص". ويتابع باعتراف صريح: "لن أخبرك أنني أتقن التعامل مع الضغط، لأنني لا أفعل. معظم أيامي سيئة في هذا الجانب. لكنها أصبحت أفضل. أحاول يوميا أن أحب نفسي أكثر، أن أصبح النسخة الأفضل مني، كإنسان وكفنان. لأنني حين أبلغ تلك المرحلة، سأستطيع حينها التنقل وسط هذه الضغوط بحب وإخلاص".هذه الإجابات لا تأتي من رفاهية التأمل، إنما من عمق التجربة، من حيث يتحوّل التصميم إلى أداة إثبات تُنتزع فيها المساحات، وتُبنى الفرص، ويغدو الاستمرار تمرينا على التركيز لا على التواجد فقط.

المصمم زيد حجازي
المصمم زيد حجازي

تصمم فاطمة سعد قطعها ببطء، وتحكي من خلالها حكايات شخصية وتقول:

"الوتيرة البطيئة ليست تحديا. بل هي ميزة تعيد تعريف الفخامة الحقيقية. التمهل هو الذي يتيح الدقة، والفهم، واللمسة الإنسانية في كل تصميم".

وفي عالم يحتفي باللحظي والعابر، تختار فاطمة أن ترسم كل لحظة بإيقاعها الخاص:

"أنا لا أفعل هذا لأبقى حاضرة، أنا أفعل هذا لأنني أحب ما أفعله. أحب أن أرسم اللحظة، أن أرى انعكاس السعادة في عيون عميلتي عندما ترتدي فستانا يعكس جوهرها".أما تالا أبوخالد، فترى أن المنصات الرقمية قد لا تنصف التفاصيل البطيئة، لكن ذلك لا يُقلقها، تقول:

خلف كواليس العملية الإبداعية للمصممة فاطمة سعد
خلف كواليس العملية الإبداعية للمصممة فاطمة سعد
خلف كواليس العملية الإبداعية للمصممة فاطمة سعد
خلف كواليس العملية الإبداعية للمصممة فاطمة سعد
من تصاميم فاطمة سعد
من تصاميم فاطمة سعد
من تصاميم فاطمة سعد
من تصاميم فاطمة سعد

"ريبرث" Rebirth خُلقت لتُشَعر، لا لتتكرر. أتعامل مع المحتوى مثلما أتعامل مع الأقمشة: بنِية وشعور. المنصات لا تلتقط كل تعبير، وهذا لا بأس به، ما دامت المشاعر تصل".

وهنا يتكرّس الفارق بين الحضور والوجود، أن تحضر في العرض شيء، وأن تبني وجودا يستمر شيء آخر تماما.

وسط نظام يُكافئ السرعة والضجيج، تعترف تالا: "غالبا ما يُطلب مني أن أنشر أكثر، أن أُوكِل المهمة لوكالة تدير صفحاتنا. جربت، لكننا نفقد شيئا في الطريق، نفقد الأصالة. لذا اخترنا الجذور. كل منشور يعكس شعورا. وكل حضور يحمل وزنا". وتُكمل من موقع التأمل الواعي: "الصوت الداخلي لا يعيش في فقاعة. هو اختيار يومي. طقوس تعيدني للأصل، خامات، رسم، صمت، إرث فني أقدم من الشاشة".وهنا يظهر الوجه الآخر من التحدي: كيف يمكن أن تصمد اللغة البصرية الأصيلة في وجه نظام يكافئ الكمّ على الكيف؟

زيد يرد على ذلك قائلا:

"النجاح السريع هو السقوط السريع. تعلمت أن أنشئ وتيرتي الخاصة. قد لا تكون واسعة الانتشار، لكنها صادقة. الفن الحقيقي لا يُقاس بعدد الإعجابات".

من تصاميم علامة المصممة تالا أبوخالد Rebirth
من تصاميم علامة المصممة تالا أبوخالد Rebirth
من تصاميم علامة المصممة تالا أبوخالد Rebirth
من تصاميم علامة المصممة تالا أبوخالد Rebirth

أما عن الدعم، فتتفق الأصوات الثلاثة على غيابه المؤسسي العميق. فاطمة تشير إلى الحاجة إلى منصات تحفظ الحرفة وتمكن الجيل الجديد من التعلم: "نحن بحاجة إلى مساحات تُعلّم وتُرشد وتحتفي بالحرفة، لا فقط بالمنتج النهائي. أن تبني علامة مستدامة يتطلب مهارات غير مرئية: الصبر، والرؤية، والاتساق".

زيْد يضيف بحدّة: "ما نفتقده هو دعم في النمو الروحي، وليس فقط المهني. الصحة الذهنية هي عرض لشيء أعمق: حرب روحية يعيشها هذا الجيل". أما تالا، فتختصر المسألة بجملة راسخة: "الثبات ليس مرادفا للظهور. الثبات هو القدرة على التطور من دون الحاجة إلى تغيير الجلد كل موسم".

من تصاميم علامة المصممة تالا أبوخالد Rebirth
من تصاميم علامة المصممة تالا أبوخالد Rebirth
المصممة تالا أبوخالد
المصممة تالا أبوخالد

رغم كل ذلك، هذا الجيل لا ينتظر الاعتراف، بل يصنعه. لا يبحث عن مكان في النظام، إنما يُعيد صياغة النظام ليناسب فكرته عن النجاح. لا يخشى من مواجهة السوق بشروطه الخاصة، ولا يهاب وصفه بـ"غير الجاهز". الجاهزية، بالنسبة له، حالة مرنة تُبنى ببطء، لا صورة نهائية تُطلب منه منذ اللحظة الأولى.

إنهم يصمّمون تحت ضغط، لا يتنكرون له، ولا يرضخون له. في كل غرزة محاولة للبقاء.