DAMIANI

خاص "هي": DAMIANI... مئة سنة من الشغف والإبـداع والبراعة

عدنان الكاتب
30 أبريل 2024

ميلانو: ADNAN ALKATEB

"سيلفيا دامياني" " SILVIA DAMIANI: نحن شركة مستقلة تماما لذلك إن الاستثمار يتطلب المزيد من الوقت مقارنة بدور المجوهرات التي تدعمها مجموعات ضخمة

"غويدو" GUIDO DAMIANI: العميل الذي يشتري أي قطعة من قطعنا سيملك شيئا لن يتكرر أبدا

"جورجيو دامياني" GIORGIO DAMIANI: انتقل إلينا شغف والدينا بطريقة طبيعية لأن الحمض النووي موجود

في فالنزا، العاصمة الإيطالية لصياغة المجوهرات، أسّس صائغ الذهب الماهر "إنريكو دامياني" عام 1924 دار "دامياني" DAMIANI، وترك كنزا نفيسا من الحرفية لابنه "داميانو"، الذي عمل على تطوير الدار من الناحيتين الإبداعية والتسويقية بمساعدة زوجته وأم أولاده. منذ البداية، لفتت مجوهرات الدار انتباه العائلات الإيطالية العريقة، وانتشر بريقها شيئا فشيئا حول العالم، مشعّا من الشعلة العزيزة التي انتقلت إلى أبناء الجيل الثالث: "غويدو" و"سيلفيا" و"جورجيو". اليوم، وبعد أن اختاروا مواصلة الرحلة التي بدأت مع جدّهم، يتولّى الإخوة الثلاثة معا الإشراف على الشركة العائلية التي ما زالت تصنع كل مجوهراتها على أيدي صائغي منطقة فالنزا، إخلاصا لجذورها ودعما للتراث الحرفي المحلّي.

DAMIANI

احتفالا بمرور مئة سنة على تأسيسها، استضافت دار "دامياني" في مديـــنــــة ميـــلانــــو فــعــاليـــــة حصرية رائعة والمعرض المدهش DAMIANI 100 X 100 ITALIANI في "غاليري إيطاليا" على ساحة "بياتزا ديلا سكالا" والذي يستمر حتى الـ28 من أبريل الجاري. ويتكلل الاحتفال المئوي بمجموعة مجوهرات راقية من مئة تحفة مرصعة بأحجار كريمة استثنائية الجودة والجــــمال استــــغرق العــــــــثور عليها أكثر من سنتين. وكل قطعة فريدة منها تلخّص انصهارا تامّا بين الإبداع الفطري والمواد الخام الممتازة والحرفية المتفوقة، وتشهد على مئة عام من الشغف والالتزام.

في ميلانو، حضرتُ حفلة الذكرى المئوية لانطلاق مسيرة "دامياني"، وزرت معرضها الخيالي، والتقيت من جديد بنائبة رئيس الدار، ابنة الجيل الثالث، "سيلفيا دامياني" SILVIA DAMIANI ، وتعرّفت إلى شقيقها المسؤول عن الإدارة الإبداعية وتطـــويــــر المـنــتـــجـــــات في الــــدار "جــورجـيـــو داميــــاني" GIORGIO DAMIANI ، الذي أشــــادت "سيــلــفــيــــا" بعــمــلــــه الــرائــع على إنتاج مجموعة المجوهرات الراقية المئوية، من إيجاد جواهرها إلى تصميم قطعها. وكان لي معهما هذا الحوار الحصري عن إرث عائلي دائم السطوع.

DAMIANI

DAMIANI

 قصة "دامياني" قصة شغف عائلي انتقلت شعلته من جيل إلى جيل، فازدادت توهّجا. كيف تنظر إلى هذه القصة وتبلورها مع الابن والأحفاد؟

 "جورجيو دامياني": كلنا ترعرعنا في هذا المجال، لأن جدّي أسس هذه الشركة في عام 1924، لكن والدي كان فعليا الشخص الذي طوّر العلامة يدا بيد مع والدتي بطريقة قوية، خصوصا من ناحية التسويق والاتصالات. توفي والدي مبكرا، قبل نحو ثلاثين عاما، وكنا لا نزال شبابا؛ أما والدتي، فبقيت معنا إلى نهاية عام 2020، حين رحلت نتيجة إصابتها بفيروس "كورونا"، واستطاعت أن ترى أحفادها، وتكون لهم جدّة محبّة ومحبوبة جدا.

كان طبيعيا لنا أن نكبر في هذا المجال، لأننا كنا نتابع عمل والديّ عن قرب. كانا شغوفين جدا بعملهما، وقد نقلا إلينا هذا الشغف بسهولة وسلاسة دون أن يجبرانا يوما على مواصلة الرحلة أو دخول هذا المجال. كان خيارا طبيعيا لنا، لأن الحمض النووي موجود.

يمكنني القول بثقة إن عملي هو تماما ما أردت فعله، فالمهنة من أهم ما في هذه الحياة، وإن أحببناها، نعمل بشغف، أما إن لم نحبها، فمن الأفضل أن ننتقل إلى مجال آخر.

كيف بدأت رحلتك مع الشركة؟ ولماذا قررت الانضمام إليها وإكمال المشوار؟

"جورجيو دامياني": كل شيء جرى بشكل طبيعي، كما ذكرت. لم أفكر يوما في فعل أي شيء آخر، ولطالما آمنت بأن هذا سيكون مستقبلي. حظيت بفرصة العمل في سن صغيرة جدا، وقررت البدء مباشرة بعد المدرسة الثانوية. كنت في سن الـ19، وعشت أجمل تجارب حياتي وقتها، فقد كان علي الاهتمام بسوق التصدير، وبدأت السفر إلى كل مكان، من اليابان إلى الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وأوروبا.. وهكذا، اكتسبت خبرة كبيرة منحتني المعرفة اللازمة لأسواق المجوهرات في مختلف مناطق العالم. السفر كان أفضل تجربة عشتها في حياتي، لأنه أعطاني وعيا لا يعطينا إياه أي شيء آخر. وحين كان والدي لا يزال على قيد الحياة، كنت لدى عودتي من كل رحلة، أشاركه ما وجدته من حاجات في كل سوق. كان يصغي إلي، ويناقش معي موضوعات كثيرة، ويشاركني تعليماته، لأنه لم يتمكن من السفر بسبب التفرّغ للإبداع وتطوير المنتجات.

وكانت خبرة مهمة جدا، لأن والدي توفي باكرا، وكنا أنا وشقيقي وشقيقتي ما زلنا شبابا ولكل منّا مهام مختلفة في الشركة. وبعد رحيله، مررنا طبعا بفترة مؤلمة وحزينة أمدّتنا في النهاية بالكثير من القوة، فصرنا أكثر اتحادا من أي وقت مضى. اخترنا توزيع المهام المتنوعة ضمن الشركة، واتّجهتُ نحو هذا المنصب الذي أنا فيه اليوم، لأنني كنت فعليا أكثر من ينخرط مع والدي عن قرب في العملية الإبداعية. ومنذ ذلك الحين، أكرس معظم وقتي للابتكار وتطوير المنتجات، وما زال هذا عملي الأساسي. لكن لكل منّا أسهمه في الشركة طبعا، ونحن قبل كل شيء عائلة، فنحدد معا الأهداف والاستراتيجيات الكبرى.

DAMIANI

 لا شك في أن ذكرياتك مع والدك كثيرة وعاطفية. ما أهم شيء تعلّمته منه؟

 "جورجيو دامياني": الذكريات والدروس كثيرة. حتى حين كنت صغيرا أكثر، كان يأخذني معه إلى بلدان عديدة لشراء الأحجار، وكان شقيقي يرافقنا أحيانا. لكن في رحلاتي معه وحدنا، كان يعلّمني الكثير. وكنت مذهولا به حين يشتري هذه الأحجار المدهشة التي لم يختارها فقط لسعرها، بل لأنه وقع في حبّها وفي حب جمالها. وهو إحساس انتقل إليّ، فأفعل اليوم الشيء نفسه حين أشتري الأحجار حول العالم مع فريقي. ليس بالضرورة أن يكون جمال الحجر في سعره، بل في قدرته على تحريك عاطفة معيّنة. هناك بعض الأحجار غير الباهظة التي لها وقع كبير جدا في النفس والقلب.

 وهل من قول غير مرتبط بالعمل كان يكرّره وبقي معك؟

 "جورجيو دامياني": كان دائما يكرر أن قول الحقيقة الوحيدة أفضل بكثير من تأليف أعذار كثيرة.

DAMIANI

ماذا عن سوق الأحجار الكريمة في هذه الأيام؟ هل تواجه صعوبة في إيجاد الأحجار الملائمة؟

"جورجيو دامياني": نعم، إن مهمّتنا أصعب من أي وقت مضى. بعض الأحجار موجودة لدينا من قبل، ومحفوظة في خزنة أرشيفنا منذ أيام والدي. لكن لهذه المجموعة الاحتفالية مثلا، أجرينا أبحاثا مكثفة، وتطلّب جمع كل الأحجار المستخدمة أكثر من سنتين، قبل تخصيص عام كامل للعمل على إنتاج القطع النهائية.

 هل ندرة هذه الأحجار الكريمة هي ما يجعل قطع المجموعة المئوية فريدة؟

"غويدو دامياني": الأحجار الكريمة بطبيعتها نادرة، لأن الطبيعة لن تكررها. نعم، إن هذه المجموعة الاحتفالية تتألف من مئة قطعة مجوهرات، كل منها فريدة حقّا، وليس فقط لأننا نريدها أن تكون فريدة، بل لأنه من المستحيل أن نعيد إنتاج القطعة نفسها حتى لو أردنا ذلك؛ والسبب هو أننا لا نستطيع العثور على حجر آخر مثل الحجر المركزي المستعمل فيها. لذا، فإن العميل الذي يشتري هذه القطعة سيملك شيئا لن يتكرر أبدا. وقد أردنا من خلال هذه المجموعة أن نقدّم مجوهرات مميزة وخاصة وفريدة بالفعل.

الزميل عدنان الكاتب مع"سيلفيا" و"جورجيو" دامياني
الزميل عدنان الكاتب مع"سيلفيا" و"جورجيو" دامياني
ومع "غويدو" دامياني
ومع "غويدو" دامياني

هل تخطط دار "دامياني" للتوسع أكثر في المستقبل؟

"سيلفيا دامياني": تشهد "دامياني" نموّا تدريجيا، يرافقه استثمار أكبر في التسويق والإعلانات، وشبكة المتاجر، وغيرها. في النهاية، نحن شركة مستقلة تماما وإيطالية مئة في المئة، لذلك فإن الاستثمار يتطلب المزيد من الوقت، مقارنة بدور المجوهرات التي تدعمها مجموعات ضخمة لديها القدرة على استثمار مبالغ كبيرة في وقت قصير. لكننا بكل تأكيد نريد أن ننمو ونكبر ونتوسع بأسرع وقت ممكن وبطريقة "صحّية".

أخبرنا "جورجيو" عن العائلة التي خلف هذه الدار المميزة في عالم المجوهرات الباهر. ما الذي تقوله "سيلفيا" عن عملها العائلي؟

"سيلفيا دامياني": أنا امرأة محظوظة للغاية، لأنني نشأتُ في عائلة متمسكة جدا بقيمها العائلية. أهم ما أملكه في حياتي هو وجود شقيقيّ بجانبي، وأبقى دائما سعيدة وممتنة لوجودهما، لأنني بصراحة لو كنت وحدي لما كنت وجدت الشجاعة اللازمة لأفعل ما أفعله اليوم. أعرف أنني أجيد ما أفعله، لكنني لا أستطيع تخيل نفسي بمفردي في هذا العمل.

كثيرا ما يسألني الآخرون عن سبب علاقتي الجيدة جدا مع شقيقيّ، وأقول إننا بالفعل متكاملين، فلدينا فيما يتعلق بالعمل مزايا وخصائص مختلفة، فنتيح لكل منّا فعل ما يستطيع فعله. لا أريد تنفيذ مهام "جورجيو" أو "غويدو"، وهما كذلك. لذلك لا نتشاجر أبدا، بل نترك المساحة لكل فرد بالتعبير عن نفسه، في هذا العمل الأشبه بالحلم. وهل يتمنى الإنسان أكثر من ذلك؟

 وصفتِ هذه المهنة بالحلم، فهل أتى هذا الشغف إليك أيضا من خلال والدك؟

"سيلفيا دامياني": والدي كان يقول إن مهنة صائغ المجوهرات هي أجمل المهن على الإطلاق. أوّلا، إن المادّة التي نعمل بها هي الحجر الكريم، أي هدية الأرض إلى الإنسان، الذي عشق الذهب والمعادن والجواهر عبر التاريخ، ووجد فيها قوة معيّنة أراد أن يبقيها قريبة منه. ولهذا السبب نضع المجوهرات على أجسادنا، ولا نقتنيها فقط لنبقيها في الخزنة أو نظهر نفوذنا، بل لأننا نؤمن بأن الأحجار تمدّنا بالقوة.

ثانيا، يشتري الناس مجوهراتهم للاحتفاء بلحظة مهمّة في حياتهم، فيوقفون الزمن ويخلّدون ذكرى هذه اللحظة التي لن تعود. نختار المجوهرات حين نعيش تجربة جميلة على الصعيد المالي أو العائلي أو النفسي، ونكون سعداء بولادة ابن مثلا أو زواج أو تحقيق نجاح شخصي.

ثالثا، إن قطع المجوهرات التي يشتريها العملاء أو هواة الجمع تبقى معهم ومع عائلاتهم إلى الأبد. وفي هذه العناصر، يكمن سرّ جمال هذه المهنة برأي والدي.

DAMIANI

هل يتحول هذا الحلم إلى واقع مع "دامياني"؟

"غويدو دامياني": على صعيد العملاء، لدينا مسؤولية كبيرة ومهمّة لتحقيق أحلامهم على أكمل وجه، فعلينا تقديم الجودة العالية، والحرفية الممتازة، في ظل الالتزام بكل ما يحلمون به.

وعلى صعيد شخصي، إن عملي هو بالطبع حلم يتحقق، لأنني أعمل إلى جانب عائلتي وأستطيع التعبير عن نفسي واتخاذ قراراتي بنفسي، ويسعدني أن أكون في هذا المجال. اليوم، أنا متأثر جدا بأن شركتنا تحتفي بالذكرى المئة لتأسيسها، وهي اللحظة المثالية للنظر إلى ما حققناه والتفكير في المستقبل. إنها نقطة بداية، لأن أحلامي وأحلام شقيقتي وشقيقي كثيرة، ولا نريد الوقوف عند ما فعلناه فقط، بل الاحتفال بكل الإنجازات والبدء من جديد، بقوة أكبر وشغف أكبر، في سبيل الاستمرار في السنوات المئة الآتية مع الأجيال التالية. والطريقة الوحيدة التي يعيش من خلالها الإنسان إلى الأبد هي كل ما فعله من عمل جيّد وخير خلال حياته، فيستمر بعده.

 ما الأحلام الشخصية والمهنية لـ"جورجيو "؟

حلمي الشخصي هو أن يجد ابني وابنتي ما هما شغوفان به والمهنة الملائمة لكل منهما. أترك القرار لهما، لكنني طبعا سأكون في غاية السعادة إذا انضمّوا إلى شركتنا وأكملوا بناء هذا الإرث. أتذكر حين كانا أصغر سنّا كيف كانا ينضمّان إلي وأنا أعمل من المنزل، فأبقيهما مشغولين عبر الاطلاع معهما على بعض التصاميم ومجلات الموضة التي كانت تلهمني. وكنت أطلب منهما تصميم المجوهرات، فكانا يصممانها و"يبيعانها" لجدّتهما في الأسبوع التالي! يحبّان هذا المجال، لكنني أتمنى لهما أن يستمتعا بما يقرران فعله، ويجدا المهنة الملائمة، ويبنيا الحياة المثالية لهما.

أما لشركة "دامياني"، التي تحتفل بالذكرى المئوية لتأسيسها، فأتمنى أن نواصل ما نقدمه، وأن نستمر في النمو، وأن نتحسّن ونصبح أفضل، ولكن دوما بالروح نفسها. طموحنا كبير، لكننا نريد أن نكون دائما "دامياني"، ونعبّر عن حمضنا النووي في ظل التقدّم التدريجي والمدروس الذي يعكس للعالم حقيقة ما تمثّله الدار.