ابداعات جديدة مع مصممين جدد

ابداعات جديدة مع مصممين جدد

هبة نعمان
4 فبراير 2024

المدير الإبداعي هو قائد "الجوقة" الذي يدُخل إلى العلامة التجارية رؤيته الفريدة؛ لذلك، حين يغادر مدير إبداعي معروف عرش دار أزياء عمل لديها لفترة طويلة، ليس من السهل أبدا إيجاد الشخص المناسب الذي سيخلفه، ويملأ فراغ رحيله. الموهبة المناسبة هي في البداية موهبة تفهم إرث الدار وكل ما تمثّله، إلى جانب استعدادها لرعاية العلامة ومساعدتها على النمو أكثر عبر حقنها بجرعة إبداع مجدد ومنعش. في ظل التوجّه السائد نحو دعم المواهب الموجودة وغير المعروفة وترقيتها ودفعها نحو الواجهة، نلاحظ أن الكثير من دور الأزياء الكبرى تختار هذا المسار، مع جيل جديد من المواهب المخبّأة التي تنبثق وتحتل مواقع الصدارة وتتولّى هذه المناصب المرموقة.

 

كان تعيين دار "غوتشي" للإيطالي "ساباتو دي سارنو" مديرا إبداعيا بعد مغادرة "أليساندرو ميكيلي" في نهاية عام ٢٠٢٢ بمنزلة إعادة ضبط جديدة وكبيرة للعلامة الكبرى تحت مظلة مجموعة "كيرينغ".

عرض خريف وشتاء ٢٠٢٣ من "بربري" BURBERRY
عرض خريف وشتاء ٢٠٢٣ من "بربري" BURBERRY
"كلويه" CHLOÉ لربيع وصيف ٢٠٢٤
"كلويه" CHLOÉ لربيع وصيف ٢٠٢٤
"غوتشي" GUCCI لربيع وصيف ٢٠٢٤
"غوتشي" GUCCI لربيع وصيف ٢٠٢٤
العرض الأخير للمصممة "سارة بورتون" SARAH BURTONلدى "ألكساندر ماكوين" ALEXANDER MCQUEEN
العرض الأخير للمصممة "سارة بورتون" SARAH BURTON لدى "ألكساندر ماكوين" ALEXANDER MCQUEEN

كان "دي سارنو" قد أخذ على عاتقه مهام مدير الأزياء للملابس الجاهزة النسائية والرجالية، حين أسهم في جعل "فالنتينو" إحدى أكثر علامات الأزياء المحبوبة والمرغوبة في العقد الأخير. أنا شخصيا وقعتُ في حب "فالنتينو" الجديدة، منذ أن أضاف "ساباتو" لمساته، وقد ألهمني دوره في نقل الدار من عالم الملابس المسائية وأزياء المناسبات فقط إلى عالم أكثر حداثة مع مجموعات متكاملة تتهافت عاشقات الموضة على اقتنائها وارتدائها.

بعد التجديد الجريء والخارج عن المألوف والغريب الذي حمله المدير الإبداعي السابق "أليساندرو ميكيلي" إلى "غوتشي" ، إن الكلمة المفتاح لرؤية "دي سارنو" اليوم هي "العفوية"، بهدف أن يقع الناس في حب "غوتشي" من جديد. اضمحلّ النمط الزخرفي الأخضر الذي وضعه سلفه "أليساندرو ميكيلي" على الحقائب الورقية، فحقيبة التسوق الجديدة تكتسي بلون أحمر داكن مع اسم العلامة بالأبيض. لكنه ليس لونا مفاجئا، لأنه في الواقع لون بارز في إرث "غوتشي" ، من حقيبة "جاكي" الأولى التي كانت سوداء مع بطانة حمراء، إلى المصعد الأحمر في فندق "سافوي" ، حيث عمل "غوتشيو غوتشي" في شبابه قبل تأسيس شركته.

"ساباتو دي سارنو" SABATO DE SARNO
"ساباتو دي سارنو" SABATO DE SARNO

من الواضح أن "دي سارنو" تعمّق في دراسة أرشيف "غوتشي" الموجود في مدينة فلورنسا خلال استعداده لإطلاق مجموعته الأولى مع الدار، واكتشف فيه كنوزا دفينة من القطع غير المتوقعة. هناك طبعا عناصر أيقونية مثل حقيبتي "جاكي" و"بامبو" ضمن عالم كامل من تصاميم "غوتشي" التي بنت أرشيفها التاريخي الأبدي الإلهام بالنسبة إلى أي مدير إبداعي جديد ينضم إليها. في حكاية الدار أيضا، رسوم أزهار ونقوش حيوانية، إلى جانب مجوهرات وتطريزات قد لا نربطها فورا بهوية "غوتشي" لكن "ساباتو" كشفها بعد أبحاثه الطويلة عن الإلهام.

منذ عرضه الأوّل لدار "غوتشي" ، كان واضحا أن اللقاء بينهما يفتح صفحة بيضاء للدار الإيطالية. لاحظنا في المجموعة الربيعية قصات تلمّح إلى الستينيات والتسعينيات، مع الطول القصير وإطلالات النهار في الطليعة. ينظر هذا الفصل التالي إلى الماضي، وإلى إرث استثنائي بكل تأكيد. في ظل تركيزه على الصوف المصقول وقصات الستينيات المرحة، مع تحية إلى حقبة محورية في تاريخ الدار، تلاعب "دي سارنو" أيضا بقطع أيقونية مثل حذاء اللوفر بتفصيل شكيمة الحصان، والذي عزّز حجمه، وأضاف إليه كعب "بلاتفورم" سميكا، أو شعار حرف G المزدوج على الأحزمة وفي طبعات الجلود. وقدّم لونا عنابيا أحمر جديدا أطلق عليه اسم "أنكورا" أي "مرة جديدة" باللغة الإيطالية، وهو ما يلقي الضوء على فكرة الاستمرارية والتجديد. يعرف "دي سارنو" أن الإكسسوارات أساسية في عمل "غوتشي" ونجاحها التجاري، ففكّر في إعادة تصوّر حقيبة "جاكي" ، ملمّحا إلى التصميم الأصلي الذي ولدت منه في أواخر الخمسينيات والذي تميّز ببطانة حمراء ومشبك الخطاف.

"غوتشي" GUCCI لربيع وصيف ٢٠٢٤
"غوتشي" GUCCI لربيع وصيف ٢٠٢٤
"غوتشي" GUCCI لربيع وصيف ٢٠٢٤
"غوتشي" GUCCI لربيع وصيف ٢٠٢٤
"غوتشي" GUCCI لربيع وصيف ٢٠٢٤
"غوتشي" GUCCI لربيع وصيف ٢٠٢٤

يدرك "ساباتو" المهمّة التي أوكلت إليه، فيما يسعى "فرانسوا هنري بينو" ، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "كيرينغ" ، إلى تجديد العلامة وتعزيز أدائها التجاري، وهو هدف أعرف أن الكثيرين في صناعة الأزياء يتمنّون له النجاح بها. المراحل الآتية لن تخلو من التحديات بعد التحوّل الهائل والتاريخي الذي أحدثه "أليساندرو ميكيلي" ، والكل بانتظار أن يروا كيف سيبني على هذه الأسس ويجسّد رؤيته الخاصة: "إن دار "غوتشي" بالنسبة إلي مرادفة أكثر لأزياء النهار، وأنا شغوف بالملابس الخارجية. طموحي إنشاء رسالة جمالية مع مجموعة تراعي إرث "غوتشي" ، وتكون قريبة من جمالياتي الخاصة".

يعكس تعيين "شيمينا كامالي" لدى "كلويه" بعد أن ودّعتنا "غابرييلا هيرست" خلال عرضها الأخير في الخريف الفائت، الخيار الحالي المفضّل في قطاع الأزياء والمتمثل في إبراز مواهب كانت في الكواليس. لكنه يأتي أيضا في فترة يتساءل فيها الكثيرون عن سبب افتقار المناصب العليا في دور أزياء عديدة للتنوع الجنسي والعرقي. "كامالي" البالغة من العمر ٤١ عاما تأتي من مدينة دوسلدورف الألمانية، وعملت في الفترة الأخيرة لدى "سان لوران" ، لكن انضمامها إلى "كلويه" أشبه بعودة إلى نقطة البداية، لأنها المكان الذي استهلّت فيه "كامالي" مسيرتها المهنية، حين كانت جزءا من فريق عمل المصممة "فيبي فايلو" ، ولاحقا مديرة التصميم تحت المديرة الإبداعية "كلير وايت كيلر".

"شيمينا كامالي" CHEMENA KAMALI بإذن من "ديفيد سيمز" DAVID SIMS
"شيمينا كامالي" CHEMENA KAMALI بإذن من "ديفيد سيمز" DAVID SIMS

وقالت "كامالي": "لطالما كان قلبي ملكا لدار "كلويه". كان ملكا لها منذ أن دخلت بابها قبل أكثر من عشرين عاما. أشعر بأن العودة إليها طبيعية وشخصية جدا. يشرّفني تولّي هذا الدور، والبناء على رؤية حدّدها "غابي أغيون" و" كارل لاغرفيلد" باكرا في تاريخ الدار. وأتمنّى أن ألتقط ارتباط "كلويه" العاطفي وروحها بما يحاكي هذا العصر".

سيضطر عالم الموضة إلى الانتظار لبعض الوقت قبل إلقاء النظرة الأولى على رؤية "كامالي" لدار "كلويه" ، لأن الكشف عن مجموعتها الأولى سيكون في الشهر المقبل ضمن عروض الخريف والشتاء في باريس. لا شك في أن رؤية "شيمينا" المستلهمة من حبّها للدار، ستحتفي بها وبحمضها النووي الفريد، وأنا متحمّسة جدا لاكتشاف ما ستضيفه إلى روح "كلويه" في العام الجديد.

العرض الأخير للمصممة "سارة بورتون" SARAH BURTON لدى "ألكساندر ماكوين" ALEXANDER MCQUEEN
العرض الأخير للمصممة "سارة بورتون" SARAH BURTON لدى "ألكساندر ماكوين" ALEXANDER MCQUEEN
"كلويه" CHLOÉ لربيع وصيف ٢٠٢٤
"كلويه" CHLOÉ لربيع وصيف ٢٠٢٤
العرض الأخير للمصممة "سارة بورتون" SARAH BURTON لدى "ألكساندر ماكوين" ALEXANDER MCQUEEN
العرض الأخير للمصممة "سارة بورتون" SARAH BURTON لدى "ألكساندر ماكوين" ALEXANDER MCQUEEN

وسط التكهّنات الكثيرة حول اختيار "كيرينغ" للمنصب الأهم في دار "ألكساندر ماكوين" ، جرى قبل بضعة أشهر تمرير عصا القيادة بخطوة حازمة إلى صاحب الموهبة المدهشة "شون مكغير" الذي صار اسمه على كل لسان في عالم الموضة. استلامه هذا المنصب الكبير تبع مغادرة المصممة الرائعة "سارة بورتون" ، التي خرجت من عالم الدار بكل رقيّ بعد رحلة دامت ٢٦ عاما. وعلى الرغم من أن اسم "شون مكغير" قد لا يبدو فورا مألوفا، فإن مسيرته المهنية تقول الكثير عن خبرته وجدارته وكفاءته التي تلائم تماما هذا الدور الرفيع.

" شون مكغير" SEÀN MCGIRR
" شون مكغير" SEÀN MCGIRR

أطلق "شون" ، المولود في أيرلندا، رحلته داخل عالم الموضة حين كان في سنواتها الأولى منسّق أزياء في طوكيو وباريس. وقبل الجلوس على عرش الإبداع لدى "ألكساندر ماكوين" ، أشرف "مكغير" على عمليات تصميم الملابس الجاهزة لدى دار "جاي دبليو أندرسون" ، التي نجح في إعادة اختراع هويتها وجعلها العلامة الشبابية العصرية والجريئة التي نعرفها اليوم. وتركت براعة "مكغير" في التصميم علامة ثابتة على غيرها من دور الأزياء الضخمة، مثل "دريس فان نوتن" ، و" بربري" ، و" أونيكلو" . بصفته القائد الجديد لدار "ألكساندر ماكوين" ، سيطلق "مكغير" العنان بكل تأكيد لطاقته الإبداعية الكبيرة، ويعكسها من خلال هذه الدار البريطانية، التي سيأخذها في اتّجاه مبتكر مشوّق.

حين أعلنت دار "بربري" أن "دانييل لي" سيتولّى قيادتها الإبداعية في عام ٢٠٢٢، بشّر هذا الخبر بوصول حقبة جديدة من الأناقة المبتكرة. المصمم الإنجليزي البالغ من العمر ٣٧ عاما أتى إلى العلامة البريطانية الأيقونية، ومعه ثروة من الخبرة والإبداع؛ فقبل بدء قصته مع "بربري" ، كان من عام ٢٠١٨ إلى ٢٠٢١، المدير الإبداعي لدار الأزياء الإيطالية الفاخرة "بوتيغا فينيتا" ، التي أعاد إحياءها بشكل مذهل. وكان في السابق مدير تصميم الملابس الجاهزة لدى "سيلين" ، كما عمل أيضا لدى "ميزون مارجيلا" و" بالنسياغا" و" دونا كاران" ، مطوّرا سيرة ذاتية مميزة بالفعل. في منصبه الجديد، يشرف "دانييل" على كل مجموعات "بربري" ، وقد قدّم عرضه الأول لها خلال بر و٥ أسبوع الموضة في لندن في شهر فبراير ٢٠٢٣. بقيادته الإبداعية، تستعد "بربري" للتحليق نحو آفاق جديدة، منطلقة من تاريخ أسطوري ومكمّلة إرث "ريكاردو تيشي" .

بعد أن قدّم "لي" مجموعتين منذ وصوله إلى "بربري" ، لمسنا اتّجاها أكثر شبابا لرؤية الدار. إن مقاربته المينيمالية لجماليات التصميم التي يبقيها بسيطة وعفوية وجريئة بعض الشيء في الوقت نفسه، قد عزّزت جاذبية "بربري" بالنسبة إلى الجيل الأصغر سنّا، وأعادت تفسير إرثها التاريخي بنظرة منعشة. في إطار تحيّته إلى الهوية البريطانية وكل ما تمثّله، أعاد على سبيل المثال تصميم شعار عصري، وأخرج من الأرشيف لونا جديدا هو "أزرق الفارس" (تيمّنا بالشعار الشهير للفارس الراكب على الخيل) صار توقيعا لونيا للعلامة. بطريقة جديدة تماما، قاد "دانييل لي" دار "بربري" إلى مكان مألوف أكثر.

بين عارضات حملاته الإعلانية، رأينا مجموعة من الوجوه البريطانية المعروفة في مجالات الموسيقى والرياضة والسينما بين معالم لندنية معروفة في طقس بريطاني نموذجي، ومع ملابس يزيّنها المزيد من الرسوم والرموز البريطانية، مثل الثعالب، والكلاب الويلزية، والبجعات، والمظلات. ومع تركيز الحكاية الجديدة على الرمزية وسهولة المنال، إن "بربري" مع "دانييل لي" هي لكل شخص.

حملة "بربري" BURBERRY بتوقيع "دانييل لي" DANIEL LEE
حملة "بربري" BURBERRY بتوقيع "دانييل لي" DANIEL LEE

وقد تغيّر الزمن بالنسبة إلى نقشة مربعات "بربري" الأيقونية. اهتمّ "لي" بالجاذبية العالمية للنقشة الأشهر في عالم الموضة، وابتعد عن نسخاتها البيجية اللون، وتلاعب بأحجامها وألوانها، وقلبها على خط الدرز، فكرّمها واحتفل بها، واستكشف إمكانات جديدة لها. منصب "لي" في "بربري" هو من الأهم في صناعة الأزياء، وفي أقل من عشر دقائق في عرضه الأول، أدركنا أن رسالته هي رسالة شباب، وتفاؤل، وبراعة، وشجاعة.

"بربري" BURBERRY لخريف وشتاء ٢٠٢٣
"بربري" BURBERRY لخريف وشتاء ٢٠٢٣
المجموعة الأولى من تصميم "دانييل لي" LEE DANIEL لدار "بربري" BURBERRY،  وكانت لموسم خريف وشتاء ٢٠٢٣
المجموعة الأولى من تصميم "دانييل لي" LEE DANIEL لدار "بربري" BURBERRY، وكانت لموسم خريف وشتاء ٢٠٢٣
"دانييل لي" DANIEL LEE
"دانييل لي" DANIEL LEE
حملة "بربري" BURBERRY بتوقيع "دانييل لي" DANIEL LEE
حملة "بربري" BURBERRY بتوقيع "دانييل لي" DANIEL LEE
حملة "بربري" BURBERRY بتوقيع "دانييل لي" DANIEL LEE
بربري" BURBERRY لربيع وصيف ٢٠٢٤

باعتبار منصب المدير الإبداعي من أكثر المراكز المرغوبة والمطلوبة في دور الأزياء، إن رؤيته تحمل نفحة تشويق وحماس وترقّب. أخبار المغادرة قد تفاجئ المهتمّين بعالم الموضة، لكن ما يتركه كل مصمم خلفه من إرث خاص به سيكون مصدر إلهام للآخرين، ويترك بصمة على تاريخ الموضة. المواهب والمهارات المرتبطة بهذه المهنة ستكون دائما أسس أرقى أشكال الإبداع وكل ما يمثّله. تحية إلى الموجة التالية من المبدعين الصاعدين وغير المعروفين الذين يصبحون في القيادة ويحملون إلينا نورا وتفاؤلا جديدين!