كيف تلهم المهرجانات الموسيقية عالم الموضة

العلاقة بين الموسيقى والموضة وثيقة جدا، وكلتا الصناعتين تؤثر في الأخرى بطرق لا تُعد ولا تُحصى. وتربطهما علاقة تكافلية، حيث غالبا ما تعبر الاتجاهات والأنماط بأسلوب سلس بين العالمين، حتى إنهما يندمجان مع بعضها البعض في الكثير من الأحيان، وأكبر دليل على ذلك هو المهرجانات الموسيقية العالمية مثل "كوتشيلا" COACHELLA، و"بيرنينغ مان" BURNING MAN، و"وود ستوك" WOODSTOCK، و"غلاستونبري" GLASTONBURY وغيرهم، حيث تتماهى فيها الخطوط بين عالمي الموسيقى والموضة ومصادر الإلهام تتعزز في كلا الجانبين، لتكون النتيجة إبداعية وفريدة.

ما الذي يجمع الموسيقى بالموضة وكيف تؤثران في النفس البشرية بطرق متشابهة

نقاط عديدة تجمع الموضة بالموسيقى، وأبرزها التأثير في السلوك البشري، فللموسيقى مثلا تأثير قوي في نفسية الإنسان من خلال بعض أنواع الألحان والأغنيات التي تثير المشاعر، وتعزز الحالات المزاجية المختلفة. وبالمثل، تتمتع الموضة بالقدرة على التعبير عن هوية الشخص، وبالتالي مشاعره تجاه نفسه.

وقد أثبتت الدراسات العلمية أن الموسيقى يمكن أن تؤثر حتى في صحة الإنسان الجسدية والعقلية، ومستويات الطاقة، وتقليل أو رفع التوتر.

وللأزياء بالمقابل أيضا تأثير كبير في علم النفس البشرية، حيث أظهرت الأبحاث أن الملابس التي يرتديها الناس من الممكن أن تؤثر في ثقتهم واحترامهم لذاتهم، من خلال التعبير عن الهوية الشخصية والأسلوب المتفرد.

وعند الجمع بين الموسيقى والموضة يمكن أن يكون لهما التأثير الأكبر في السلوك البشري، وهذا ما يحدث في المهرجانات الموسيقية التي يخرج بها الشخص من عالمه الواقعي، ليدخل تجربة فريدة ويتبنى شخصيات مختلفة تتماشى مع السمات الخاصة بكل مهرجان ونوع الموسيقى الخاص به.

المهرجانات الموسيقية تتحول إلى منصات أساسية للتعبير عن أساليب الموضة الشخصية

أصبحت المهرجانات الموسيقية مرادفة للموضة، فغالبا ما يستخدم عشاق الموسيقى المهرجانات منصات أساسية لعرض أسلوبهم الشخصية، ولطالما كان الأمر كذلك، لكنه تزايد في السنوات الأخيرة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وظاهرة "المؤثرين".

وبذلك أصبح أشهر المهرجانات أكثر من مجرد موسيقى، فهي مكان للتعبير عن الأسلوب الشخصي من خلال الموضة. لعل أشهرها "كوتشيلا" COACHELLA، و"بيرنينغ مان" BURNING MAN، و"غلاستونبري" GLASTONBURY مع أنماطها التي تتراوح بين البوهو شيك والروك أند رول، والتي أصبحت مبدعة لاتجاهات الموضة الخاصة بها، والملابس التي يرتديها الأشخاص في هذه الأحداث الموسيقية الشهيرة لا تقل أهمية عن الموسيقى التي يستمعون إليها. كما أن الملابس والإكسسوارات الخاصة في المهرجانات أصبحت عنصرا أساسيا في صناعة الأزياء.

الموضة تستمد إلهامها من المهرجانات الموسيقية

ألهمت أزياء المهرجانات عبر الزمن مصممي الأزياء والدور العالمية والماركات التجارية لإنشاء مجموعات خاصة تتوافق مع نوع الموسيقى الخاصة بالمهرجان، وبدؤوا بإطلاق هذه المجموعات بالتزامن مع كل حدث موسيقي كبير، مع عناصر وتفاصيل مثل السترات المزينة بالشراريب وتلك المصنوعة من الجلد والمرصعة بالمسامير، والسراويل القصيرة المصنوعة من قماش الجينز، والأقمشة البراقة المشكوكة بحبات الترتر أو الخرز والكريستال وتيجان الزهور وإكسسوارات الرأس اللافتة وغيرها.

وتعكس هذه المجموعات النمط الذي نراه في المهرجانات. كما تأثرت الكثير من دور الأزياء العالمية بهذه المهرجانات ونمط الموسيقى الخاص بكل منها، لتبتكر مجموعات مستوحاة من هذه الأحداث الموسيقية الضخمة. وامتد هذا التأثير إلى ما وراء الحدث نفسه، ليصبح أحد أنماط الموضة الأساسية التي نراها في الإطلالات اليومية وفي موضة الشارع على مدار العام.

أشهر المهرجانات الموسيقية وتأثيرها في عالم الموضة

المهرجانات الموسيقية تعتبر ظاهرة ثقافية، إذ يتدفق إليها في كل عام الآلاف من الناس من جميع أنحاء العالم لتجربة الموسيقى الحية والانغماس في عوالم فنية بعيدا عن الواقع.

ومفهوم المهرجانات الموسيقية قديم جدا يعود إلى الحضارة اليونانية، وعبر الزمن حافظ هذا المفهوم على مبدئه في الجوهر، لكنه شهد الكثير من التطورات، وأصبح يعتبر منصة للفنانين لاستعراض مواهبهم ومساحة لالتقاء الناس مع بعضها البعض في أجواء مفعمة بالطاقة الإيجابية، للاحتفال والتعبير عن أنفسهم بطرق مختلفة عبر الموسيقى والفن والموضة، وهذه بعض الأمثلة عن أبرز المهرجانات الموسيقية المعروفة في وقتنا الحالي، والتي كان لها التأثير الأكبر في عالم الأزياء.

أقيم مهرجان WOODSTOCK للمرة الأولى في عام 1969، وكان أحد أكثر المهرجانات الموسيقية شهرة في كل العصور، وحضره ما يقدر بنحو 400 ألف شخص. تميز باستضافته أهم نجوم الروك والكانتري والبلوز من أمثال "جيمي هندريكس" JIMI HENDRIX، و"ذا هو" THE WHO، و"سانتانا" SANTANA وغيرهم. وكان جمهور المهرجان من فئات عمرية مختلفة، وقد اتسم نمط اللباس فيه بالطابع البوهيمي وأسلوب الروك أند رول المتمرد، من الأزياء المصبوغة والملونة إلى السترات والسراويل الجلدية المرصعة بالمسامير، مع الإكسسوارات المعدنية وتيجان الزهور، وسراويل الجينز . ثم تحول نمط اللباس الخاص بالمهرجان إلى مرجع أساسي في عالم الموضة.

مهرجان BURNING MAN مساحة للتعبير عن الذات من خلال الموسيقى والأزياء

يعتبر BURNING MAN من أشهر المهرجانات الموسيقية في العالم، وفيه تمتزج عوالم عدة مع بعضها البعض، سواء عالم الموسيقى والفن والأزياء والخيال والإبداع. أقيم للمرة الأولى في صحراء نيفادا عام 1986. ويشتهر بموسيقى "التيكنو" والموسيقى الإلكترونية والعروض الحية من قبل مختلف الفرق الموسيقية، إضافة إلى تركيزه على التعبير عن الذات من خلال ابتكار منشآت فنية في وسط الصحراء تحرض الخيال والإبداع، وأيضا من خلال ابتكار إطلالات غريبة ولافتة تعكس الشخصية والإحساس، وغالبا ما تكون الأزياء مصممة أو منتقاة خصيصا للحدث بشكل يتماشى مع ظروف المهرجان لكونه يقام في الصحراء، وفي الكثير من الأحيان تسيطر الدرجات الترابية على الأزياء، لتتماهى مع البيئة المحيطة، أو على العكس تكون ملونة أو براقة، لتخلق تناقضا جميلا مع ألوان الرمل.

وتتميز بكونها تجمع بين النمط القبائلي البدوي مع لمسات من الأسلوب البوهيمي أو المستقبلي العصري. وتترافق الأزياء بإكسسوارات مبتكرة من زينة الرأس أو المجوهرات البارزة والنظارات الشمسية الكبيرة، وقد لاحظنا انعكاس أجواء المهرجان على الكثير من صيحات الموضة العالمية.

 

مهرجان GLASTONBURY تجربة ثقافية موسيقية تلهم عالم الموضة بالكثير من الطرق

احتل مهرجان "غلاستونبري" GLASTONBURY، الذي يقام في ريف سومرست الساحر في إنجلترا مكانته واحدا من أكثر المهرجانات الموسيقية شهرة في العالم مع أكثر من مئتي ألف زائر في كل عام، شارك فيه عبر السنين أشهر فنانين العالم من أمثال "ديفيد بوي" DAVID BOWIE، و"ذا رولينغ ستونز" THE ROLLING STONES، و"بيونسيه" BEYONCE، وغيرهم من خلال عروض مذهلة. وهو يعتبر أكثر من مجرد مهرجان موسيقي مع عدد كبير من العروض الفنية والمسرح والرقص، ولهذا فقد أصبح يُصنف على أنه ظاهرة ثقافية وفنية. وعلى الرغم من عدم وجود قواعد واضحة للباس، فإن رواد المهرجان غالبا ما يختارون الملابس العملية المقاومة للمطر، مثل السراويل الواسعة، والسترات، والأحذية المطرية، والقبعات بمختلف تصاميمها للتعامل مع الطقس البريطاني الماطر، أو عوامل الجو غير المتوقعة. وكثيرا ما نشاهد أزياء مستوحاة من نمط اللباس الخاص بالمهرجان على منصات العروض.

 

COACHELLA المهرجان الأشهر في عالم الموسيقى والموضة

يُقام مهرجان "كوتشيلا" COACHELLA، وهو أحد أكثر المهرجانات الموسيقية المنتظرة في العالم، سنويا في صحراء كاليفورنيا منذ عام 1993، ويشتهر بالعروض الفنية والموسيقية الضخمة التي يحيها أشهر نجوم البوب والروك والهيب هوب في العالم، مثل "ريهانا" RIHANNA و"ليدي غاغا" LADY GAGA، و"أريانا غرانديه" ARIANA GRANDE والقائمة تطول.

ورواد المهرجان يتنوعون بين عشاق الموسيقى ومؤثري الموضة والمشاهير، ولا سيما من فئة الشباب وعارضات الأزياء..

والمعروف أن قواعد الموضة في المهرجان انتقائية، ووسيلة للتعبير عن الشخصية، وفيها يفسح المجال للخيال لابتكار تنسيقات لافتة وملونة مواكبة لأحدث صيحات الموضة الآنية، وفيها لمسات بوهيمية ومستقبلية في آن واحد، وتتنوع بين الفساتين الطويلة الملونة والتنانير القصيرة والسترات المزينة بالشراريب والإكسسوارات المميزة. وعدد كبير من دور الأزياء العالمية والماركات التجارية تطرح كل عام مجموعات خاصة لرواد مهرجان كوتشيلا، لينتقوا منها خيارات لافتة.

العلاقة بين الموسيقى والموضة طويلة، وتطورت بمرور الوقت، ومن المرجح أنها ستستمر في ذلك، فكلا العالمين مستمران في إلهام بعضهما البعض، ويتقاطعان من خلال العوامل الإبداعية والفنية، لتكون النتيجة خلق تجارب واتجاهات فريدة مؤثرة في الثقافة الشعبية.