تأثيرات الحركة السريالية على عالم الموضة وتحديدًا في عروض أزياء خريف وشتاء 2022

تجتاح السريالية من جديد عالم الموضة. خصصت خشبات العروض مكانا واضحا لهذه الحركة الفنية العائدة إلى القرن العشرين، والتي اجتمعت من خلالها أعمال أجيال من المصممين والأدباء حول مفهوم استقاء أفكار العقل الباطني اللامنطقي، ودمجها بأشياء عادية ويومية.

مجموعة الأزياء الراقية من “سكياباريلي” Schiaparelli لموسم شتاء 2022
بُنيت دار "سكياباريلي" حول الأشكال السريالية الخادعة للبصر

بُنيت دار "سكياباريلي" التي أسستها الراحلة "إلسا سكياباريلي" في عشرينيات القرن العشرين، حول الأشكال السريالية الخادعة للبصر، فكان من المنطقي بالتالي أن يستمر ظهور هذا المزاج في ابتكارات العلامة بقيادتها الحالية. وقد تميزت بالفعل مجموعات "سكياباريلي" الحديثة تحت إشراف المدير الإبداعي دانييل روزبيري" واشتهرت بجماليتها الخيالية.

ألقت خشبات عروض خريف وشتاء 2022 الضوء على النزعة السريالية الجديدة، وهي السريالية التي قصدها الكاتب "أندريه بروتون" الذي كتب في "البيان السريالي" (صدر عام 1924): أؤمن بانحلال مستقبليّ لهاتين الحالتين، حالتي الحلم والواقع اللتين تبدوان في غاية التناقض، وانصهارهما في واقع مطلق، في سريالية". يبدو كأنه كان يتحدث عن عالم الموضة، لا بل يبدو كأنه كان يتحدث عن "إنستغرام" ومعظم ما نسميه اليوم "واقعا".

إن أي شخص شاهد عرضا واقعيا حيا من دار “موسكينو” يعرف جيدا العوالم الخيالية التي يحلم بها المدير الإبداعي “جيريمي سكوت” في كل موسم.

بدا عرض "موسكينو" بتوقيع المصمم "جيريمي سكوت" لخريف وشتاء 2022 مستلهما من المفروشات الفاخرة في القصور الراقية

في ميلانو، بدا عرض "موسكينو" بتوقيع المصمم "جيريمي سكوت" لخريف وشتاء 2022 مستلهما من المفروشات الفاخرة في القصور الراقية، إذ ارتدت بعض العارضات مقاعد منجدة، وأبوابا مرصعة بالنحاس الأصفر، وفواصل غرف مطلية باللك. وظهرت العارضة العالمية "جيجي حديد" كقطعة أثاث مذهّبة تمشي وتتحرك، في إطلالة ذكّرتنا بلوحة الخزانة المجسّمة” (1936) للفنان "سلفادور دالي" الذي صوّر فيها جسم امرأة مع جوارير في منطقة صدرها.

سطعت الطاقة السريالية بقوة أيضا في عرض المصمم "جوناثان أندرسون" لدار "لويفي"

سطعت الطاقة السريالية بقوة أيضا في عرض المصمم "جوناثان أندرسون" لدار "لويفي"

سطعت الطاقة السريالية بقوة أيضا في عرض المصمم "جوناثان أندرسون" لدار "لويفي" مع فساتين بأجزاء علوية على شكل شفاه كبيرة، وبالونات بدت منتفخة من الفستان نفسه، وأحذية عالية الكعب ظهرت ملتصقة بالجسم.

لكن للعلاقة بين السريالية والموضة وجه غير سياقي أيضا. ففي أوجها، تكون غير سطحية وتعكس رابطا عميقا حقيقيا مع العقائد والأهداف التي وضعها بروتون، وفسّرتها أعمال فنانين، من بينهم "جورجيو دي كيريكو"، و"خوان ميرو"، و"فرانسيس بيكابيا"، "وإيف تانغي، وطبعا سلفادور دالي".

 أحد الفساتين الأشهر في تاريخ الموضة هو بكل تأكيد "فستان الكركند" الذي صممته "سكياباريلي" لدوقة ويندسور "واليس سيمسون" ونفّذ رسمه “سلفادور دالي”.

 أحد الفساتين الأشهر في تاريخ الموضة هو بكل تأكيد "فستان الكركند" الذي صممته "سكياباريلي" لدوقة ويندسور "واليس سيمسون" ونفّذ رسمه “سلفادور دالي”.

تعاون "دالي" مرات عدة مع مصممة الأزياء الإيطالية إلسا سكياباريليالتي قدّمت ملابس وصفها كثيرون بالظريفة أو حتى الغريبة. فستان الدموعالذي أطلقته عام 1938 بني حول لوحة للفنان "دالي"، مع قماش مطبوع برسوم ابتكرها "دالي" وتصميم مستلهم من فكرة اللحم البشري الممزق والمسلوخ. صنع "دالي" و"سكياباريلي" أيضا فستانا مطبوعا برسم كركند في فترة كان يبدّل فيها "دالي" سماعات الهواتف بأشكال القشريات في أعماله النحتية. ويقال إن "دالي" أراد رش كمية من المايونيز الحقيقي على الفستان، غير أن "إلسا سكياباريلي" نصحته بالامتناع عن القيام بهذه الخطوة.

يحتفل متحف الفنون الزخرفية في باريس بالابتكارات الجريئة والمشوقة التي ابتدعتها المصممة الإيطالية "إلسا سكياباريلي" مع معرض "شوكينغ! عالم إلسا سكياباريلي السريالي" المفتوح حتى 22 يناير. بعد مرور نحو 20 عاما على المعرض الاستعادي الأخير الذي كان مكرسا لعمل هذه المصممة الاستثنائية، يعيد هذا المعرض الجديد اكتشاف أسلوبها الأنثوي المبتكر، وتصاميمها الراقية والغريبة في معظم الأحيان، والطاقة المحفزة والملهمة التي زودت بها عالم الموضة. كما يتم أيضا عرض تصاميم ابتُكرت تكريما للمبدعة سكياباريليعلى أيدي أسماء أيقونية في عالم الأزياء مثل "إيف سان لوران" و"عز الدين علية" و"جون غاليانو" و"كريستيان لاكروا".

إن سبب نجاح الأسلوب السريالي في تلك الحقبة الماضية ونجاحه اليوم هو طبعا قدرته على عكس جنون الواقع، وأيضا لكونه إلهاء مرحبا به. تسمح لنا السريالية بالحلم ولو قليلا، وهذا هو ما يجب أن يقوم به عالم الموضة: إلهاؤنا، وتحفيزنا على الحلم بعيدا عن أي صرامة وجدّية، إلا إذا كنت الرئيس التنفيذي لعلامة أزياء!