فيلم "واحد تاني".. كيف نجح "أحمد حلمي" في اختيار فكرة جذابة ثم قضى عليها بكل حماس؟!

هناك أكثر من طريقة لتحكي بها قصتك في السينما، أفضلها بالطبع أن تُشاهد الأحداث وتتفاعل معها بدون تدخل أو شرح لا معنى له، والطريقة الأسوء هى أن يقف البطل أمام الكاميرا ليحكي لنا ما يُفترض ان نراه درامياً، ورحم الله الفنان "إبراهيم نصر" الذي صك مصطلح "ما تيجوا نشوف" وهو يقطع المقدمة الطويلة التي كان يحكي فيها لنا فكرة المقلب في برنامجه "الكاميرا الخفية" ويبدأ عرض الموقف الكوميدي نفسه.

البحث عن الشغف أم عن السيناريو؟!

بعد سنوات قضاها مصطفى "أحمد حلمي" موظفاً بمصلحة السجون يلتقي بزملاء الدراسة في حفل يجمع بعض الخريجين، وبينهم "روبي" الفتاة التي احبها ولم يصرح لها بذلك أبداً، ويكتشف أن كل منهم حقق حلمه الخاص في مجال عمله، وأنه على العكس منهم أصبح شخص نمطي يعيش حياة رتيبة بلا طموح وفاقد للشغف، ويلتقي مصطفى بالشاب "أحمد مالك" وهو شقيق "روبي"، وينصحه بعملية بسيطة لتركيب لبوسة تُعيد له الحماس والشغف، ولكن الامور تخرج عن السيطرة، والجملة الأخيرة تُلخص ما قدمه الفلم في مدة تقترب من الساعتين، فالأمور تخرج عن السيطرة حتى أن المشاهد ينسى مضمون الفيلم ويفقد شغفه وحماسه لمتابعة الأحداث، ويستعجل نهاية هذا العذاب الدرامي.

فيلم واحد تاني

فكرة الفيلم سبق تقديمها في العديد من الأفلام بمعالجات مُختلفة، وربما الملامح الاكثر شبها بحبكة "واحد تاني" نجدها في فيلم Limitless الذي قدمه "برادلي كوبر" عام 2011 وكان يدور حول كاتب يُعاني من الفشل بسبب معاناته مع نقص الحماس والشغف وتوقف قدراته الإبداعية، ويلتقي بالصدفة بشقيق زوجته السابقة الذي ينصحه بتجربة عقار جديد يقوم بتنشيط الذهن، ويحل العقار مشاكل البطل الإبداعية، ولكن الأثار الجانبية للعقار تخلق حالة من الفوضى في حياة البطل.

صراع البطل وذاته!

فيلم "واحد تاني" يتجاوز هذا الخط الدرامي المقتبس من الفيلم الامريكي ليركز على أثر جانبي أخر للبوسة وهو أنها تعمل يوماً وتتوقف يوماً، وبهذا يدخل الفيلم في حكاية أخرى عن تعدد الشخصيات؛ فالبطل تحت اسم "إكس" يعيش حياة جامحة وهو تحت تأثير العقار، ثم يعود في اليوم التالي إلى شخصيته الأصلية "مصطفى"، وهذه المعالجة لها جذور درامية في الأدب والسينما، أبرزها رواية "دكتور جيكل ومستر هايد" للكاتب " روبرت لويس ستيفنسون"، وهى عن عالم طيب يتناول عقار تجريبي يحوله إلى شخص أخر على العكس من شخصيته الأصلية، وهناك مُعالجة ساخرة لنفس الفكرة كتبها وأخرجها وقام ببطولتها الممثل "جيري لويس" حملت عنوان The Nutty Professor "البروفيسور المجنون" ويقوم فيها مُعلم كيمياء بإختراع عقار يحوله من شخص دميم وأحمق إلى شخص جذاب شديد الذكاء.

تُمثل كل الحبكات السابقة مرجعيات للفكرة التي يُقدمها فيلم "واحد تاني" الذي حاول إلى جانب التمصير تقديم مُعالجة درامية مضمونها الحفاظ على الشغف والحماس وعدم التنازل عن تحقيق الأحلام الذاتية، ولكن أغلب الفيلم سار في طريق الصراع بين تناقضات شخصيتي البطل والصراع بينهما، ولم نر تأثير كبير اللبوسة على رؤية البطل للعالم من حوله أو على قدراته الإبداعية، وكان تأثيرها أميل إلى تأثير المنشطات الجنسية، أو هكذا فهم المشاهد من الكم الكبير من المشاهد والافيهات التي حملت اسقاطات دارت حول هذا المعنى.

يُحاول الفيلم تبسيط المسألة أو بمعنى أدق تسطيحها، فالشخصية الأصلية تتصف بالسذاجة والطيبة والخجل وتتمسك بالمعايير الأخلاقية، والشخصية الأخرى مُنفلتة وصاخبة ولا تُمانع في تجاوز المعايير الأخلاقية، وأغلب الفيلم يدور حول الصراع بين الشخصيتين، وهو صراع يقدمه سيناريو "هيثم دبور" على أنه صراع الخير والشر، وينتظر المشاهد طوال الوقت معرفة الشخصية التي ستنتصر في النهاية وتُصبح لها الغلبة، ولكن الدراما تفقد حماسها حتى أن نهاية الفيلم لا تقدم إجابة أو حل أو نهاية منطقية لهذا الصراع.

الكل في خدمة البطل!

أزمة المعالجة الدرامية للفكرة تبدأ من اللحظة التي يقوم فيها البطل بتسجيل فيديو يحكي لنا ما حدث معه، ويتم إستخدام هذا الحل لاحقاً حينما يقوم "مصطفى" و"إكس" بتسجيل يوميات كل منهما ليعرف كل شخص ماذا حدث في اليوم السابق، وهذا الحل جعل المشاهد "يعرف" كثير من التفاصيل بدلاً من أن يراها، وإخفاء بعض الأحداث في "واحد تاني" لم يكن مُفيداً مثل حالة الفيلم Limitless مثلاً؛ إذ كان الإخفاء في صالح حالة التشويق والإثارة في الجزء البوليسي من الحبكة، بينما اعتمد فيلم "واحد تاني" على حالة دهشة البطل المستمرة من تصرفات شخصيته الأخرى، والإسراف في اللعب على المواقف الملتبسة والنكات الباهتة والافيهات البائتة.

فيلم واحد تاني

في بداية الفيلم نتعرف على تفاصيل تاريخ البطل مع أحلامه وطموحاته من خلال فيديو قديم له يتحدث عن طموحه في لقاء تليفزيوني، ونعرف أيضاً أنه كان يهوى الكتابة وعزف الدرامز، وهى هوايات لم يتم التأصيل لها لتكون جزء من شخصية البطل ودراما الفيلم، سواء من خلال مشاهد فلاش باك درامية أو حتى من خلال مشاهد معاصرة تُبرز ملامح اهتمامه بالكتب والموسيقى، والحل الاسوأ هو عرض التفاصيل الدرامية على هيئة معلومات تقريرية، ولم نشعر بوجود مخرج متميز مثل "محمد شاكر خضير" إلا في بعض المشاهد التي سمح له السيناريو بها، مثل مشاهد السفاري ومطاردة السيارات، بينما غاب دوره في خلق الكوميديا في المشاهد التي سيطر عليها "احمد حلمي" بافيهاته وتعليقاته المُتهكمة.

نجوم وأدوار بلا تأثير!

شارك في الفيلم عدد من الممثلين في أدوار مساعدة، منهم "أحمد مالك" الذي جسد شخصية شقيق "روبي" رجل الأعمال الصغير الذي يعتمد في عمله على الإستثمار في الأفكار الإبداعية والذي وظف البطل بعدما أقنعها بالحصول على اللبوسة ثم إنتهى دوره الدرامي بعدها تقريباً ولم يعد فاعلاً في الأحداث، وهناك الطبيب "سيد رجب" وممرضته اللعوب "نسرين أمين"، وكل منهما أدى شخصيته المكتوبة بإجتهاد رغم الفقر الشديد في بناء الشخصيتين وتفاصيل مشاهدهما، حيث ظل المشاهد ينتظر تأثيرهما على الأحداث وهو أمر لم يحدث، وهذا ينطبق على دور "روبي" حبيبة البطل التي يحاول استعادتها بعد طلاقها، وعلى جانب أخر هناك شخصية المجرم "عمرو عبد الجليل" الذي دخل السجن ويرفض الكلام، وشخصية "محفوظ حافظ" وهو سجين يُهدد بالإنتحار، و"نور إيهاب" الموظفة الشابة بشركة "أحمد مالك"، وتأثير تلك الشخصيات على الأحداث ضعيف، وهذا عيب الكتابة التي حيدت كل الأدوار حتى أن وجودها مبرر ليجد البطل من يكلمه، وللأسف لا زال "أحمد حلمي" يسير على قوانين مدرسة كوميديانات بدايات الألفية الثالثة، وشعارها الأهم "أنا الفيلم والفيلم أنا مش واحد تاني".

الصور من الحسابات الرسمية للأبطال على أنستجرام