رؤية نقدية ـ لماذا لا يجب أن يجسد محمد رمضان شخصية "أحمد زكي"؟!‏

الخبر رغم بساطته كان مؤثراً ومدوياً؛ فكرة إنتاج مسلسل عن حياة فنان بقيمة "أحمد زكي" حدث يتجاوز كونه خبر عادي عن مسلسل رمضاني جديد، وأن يكون كاتب هذا العمل الكاتب الكبير "وحيد حامد" فهذا يُضيف للخبر توقعات مُبشرة بعمل درامي مُختلف، أما أن يكون المرشح لتجسيد شخصية "أحمد زكي" هو الممثل "محمد رمضان" فهذا يدفع بالخبر إلى حلبة الجدل والمصارعة الحرة للأراء المختلفة عليه على صفحات السوشيال ميديا. "محمد رمضان" أكد منفرداً، من خلال حسابه على إنستجرام أنه سيجسد شخصية "أحمد زكي" فى مسلسل بعنوان "الإمبراطور"،  وحدد موعد العرض في رمضان 2021. أما الكاتب "وحيد حامد" فقد أعلن عن مكالمة تمت بينه وبين المخرج "محمد سامي"، يطلب منه كتابة سيناريو مسلسل عن "أحمد زكي"، يقوم ببطولته "محمد رمضان"، وكان "وحيد حامد" مُحايداً في عرض مضمون المكالمة، ولم يُؤكد مُوافقته من عدمها، وبدا كما لو كان متردداً "يجس" نبض الجمهور، ويرمي الكرة في ملعب الرأى العام.

حلم "زكي" وكابوس "رمضان"!

"أحمد زكي" أيقونة التمثيل والأسطورة التى غابت بعد رحيله في أوج مجده وشهرته، وعمره 56 عاماً، وهو صاحب رصيد سينمائي كبير، بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، بأدوار مُتعددة ومتنوعة أثار أغلبها الإعجاب، ونجح الشاب الأسمر صاحب الشعر المُجعد في كسر قواعد الفتى الأول في السينما المصرية، وقبل رحيله جسد شخصية المُطرب الراحل "عبد الحليم حافظ" فى فيلم "حليم"، وكان الدور الذي أداه وهو مريض للغاية تحقيقاً لحلم فني راوده كثيراً؛ وهو تصوير حياة فنان بلغ أوج المجد شاباً ومات مريضاً وعمره 48 عاماً، وكانت مفارقة أن يجمع المرض والموت المبكر بين الإثنين، ويبدو أن تجسيد شخصية "أحمد زكي" درامياً هو حلم "محمد رمضان"، الممثل الشاب الذي بدأ مغموراً بدون مقومات الوسامة التقليدية وأصبح خلال سنوات مشهوراً، ولكن مشكلة "محمد رمضان" هى حاجته إلى ما هو أكثر من سيناريو بتوقيع "وحيد حامد"، وأكبر من الاجتهاد في تجسيد شخصية "أحمد زكي"؛ إنه يحتاج إلى تحطيم حالة مُمانعة لدى قدر لا يُستهان به من الجمهور الذي يراه نموذج للشخصية العشوائية الشعبية التي تُروج للبلطجة من خلال بعض أفلامه، وهذه الصورة الذهنية النمطية التي لا أتفق معها قد تصنع حالة جدل تشوش على المسلسل الذي لا زال مجرد فكرة غير ناضجة. العمل سيطرح مقارنات صعبة بين أداء الصورة وطلة وجاذبية الأصل، خاصة لو اعتمد "رمضان" على التقليد وليس تقمص روح الشخصية، قد يكون حلم "رمضان" مشروعاً، لكنه قد يتحول إلى كابوس لو كانت حساباته عشوائية.

أحمد زكي ومحمد رمضان

اتهامات التقليد والتأثر

في عام 2006 اختار المخرج "سمير سيف" ممثل شاب غير معروف يُدعى "محمد رمضان" ليقوم بدور "أحمد زكي" أمام "منى زكي"، التي كانت تُجسد شخصية "سعاد حسني" في مسلسل "السندريلا"، ورغم حماس "سيف" له كانت النتيجة متواضعة للغاية، سواء أداء "محمد رمضان" للشخصية أو حالة المسلسل كله، والتحدي الأكبر لأى ممثل يحاول تجسيد شخصية "أحمد زكي" هى القدرة على عكس حضوره وجاذبيته الشخصية أمام الشاشة، ورغم هذا ظل "رمضان" مُتأثراً ومُتهماً بتقليد "أحمد زكي"، ولكن بمرور الوقت تخلص من التقليد وسار في طريقه الفني الخاص به. ما الجديد الذي يدفعه الآن إلى التفكير في تجسيد شخصية "أحمد زكي" على الشاشة مرة أخرى؟ ربما لأنه أصبح الآن أكثر خبرة وشهرة، وسيكون بطلاً للمسلسل، ولن يقتصر دوره على عدة مشاهد في عمل طويل يحكي في الأساس قصة "سعاد حسني"، ولكن كل تلك المعطيات لا تكفي ليُلقي "محمد رمضان" مرة أخري بنفسه إلى جحيم المقارنة بنجم كبير لم ينطفأ وهج حضوره لدى الجمهور، وهناك سؤال يطرح نفسه بعد إعلان "رمضان" الفردي عن المسلسل وهو: هل يكفي عام لكتابة وتجهيز وتمثيل عمل درامي طويل مكون من 30 حلقة عن "أحمد زكي"؟ أم سيدخل المسلسل في مفرمة الأعمال الرمضانية سريعة التجهيز؟

مسلسلات لا تكذب ولكن تتجمل

تقوم أغلب مسلسلات السيرة الشخصية على قاعدة لا تتغير، وهو أنها تحكي قصة النجم منذ ميلاده وحتى وفاته، حتى لو كانت كثير من تفاصيل حياة النجم الشخصية مملة ولا تهم المُشاهد، ولا تًقدم شىء جذاب درامياً؛ فكتابة حلقات مسلسل درامي تختلف عن تقديم عملية تأريخ وثائقي، ومن الصعب أن يُفكر كُتاب هذا النوع من الدراما خارج الصندوق، ويقومون باختيار مرحلة محددة من حياة النجم و التركيز عليها درامياً، هناك استثناءات قليلة، كما فعل الكاتب "محفوظ عبد الرحمن" في فيلم "ناصر 56" بطولة "أحمد زكي" وإخراج "محمد فاضل"، حينما اختار من حياة "جمال عبد الناصر" مرحلة تأميم القناة وملابساتها التاريخية فقط. مسلسلات السيرة الشخصية تُجمل الشخصيات وترسمهم بلمسات ملائكية ولا تُقدم دراما أصيلة وصادقة عن بشر يُخطىء ويُصيب، وأغلبها يبتعد عن الوقائع التى يمكن أن تكون صادمة للمشاهد، هناك مسلسلات ناجحة وجيدة مثل "أم كلثوم" بطولة "صابرين"، و"أسمهان" بطولة "سولاف فواخرجي"، وحتى الأعمال التي نراها جيدة هى في مجرد مُختارات مُنتقاة بعناية بحيث لا تتشوه الشخصيات في عيون الجمهور المُحب، وبين الاستسلام للتقديس والخوف من تُهمة التشويه تُصبح دراما السيرة الشخصية في النهاية أعمال فقيرة درامياً ومُزيفة تاريخياً.

أحمد زكي ومحمد رمضان

لو اكتفى "محمد رمضان" بحماسه الشخصي لتجسيد شخصية "أحمد زكي" بلا تخطيط أو دراسة، وبدون تقديم شكل جديد لدراما السيرة الذاتية؛ فغالباً سنُشاهد دراما سيرة ذاتية نمطية مُكررة، تحظى ببعض الاهتمام وقت عرضها، ثم ننساها مثل العديد من مسلسلات سير النجوم والفنانين التي لا يذكرها أحد الآن...ربما لا يجب أن يمثل "محمد رمضان" شخصية "أحمد زكي"؛ لأنه سيجد نفسه وسط خناقة كبيرة بين قطاع جماهيري مُحب لأحمد زكي ويرفض أداءه للدور، وقطاع جماهيري مُحب لمحمد رمضان دشن هاشتاج مُتعصب يقول "رمضان أفضل من أحمد زكي"، وربما وهذا الأهم عليه مراجعة مصير مسلسلات سيرة حياة النجوم التي تفشل غالباً، وهو اعتاد أن يكون "نمبر وان"!

الإمبراطور أحمد زكي