حوار مجلة "هي" مع عالمة الحياة البحرية ورئيسة الأبحاث في "دانات" د. ريم المعلا

حوار":مي بربر" May Barbar

تعرفت إلى الدكتورة ريم أول مرة خلال جلسة نقاش عن البيئة والمناخ استضافها "إكسبو 2020 دبيفي أكتوبر العام الماضي. ولفت نظري الشغف والطاقة الإيجابية والتفاؤل التي تعكسها هذه العالمة البحرينية الشابة. إنها الدكتورة ريم المعلا، عالمة في مجال البيئة البحرية ورئيسة الأبحاث في "دانات”. تعلقت بالبحر منذ الصغر وهي طفلة تلعب على شواطئ البحرين الخلابة، فعادت إليها في الكبر حاملة شهادة الدكتوراه في علوم البحار من جامعة "إيسيكس، وتتخصص في دراسة الشعاب المرجانية. الدكتورة ريم حاصلة على جوائز متعددة، وعملت على مشاريع مختلفة في البحرين وإندونيسيا وسيشل وجنوب إفريقيا ومدغشقر وغيرها. من خلال حواري معها، تطرقنا للحديث عن أدوارها المتعددة، وخصوصا نشاطاتها الفعالة مع الأمم المتحدة لدعم قضايا المرأة وقضايا البيئة والمناخ التي أبرزتها بصفتها عالمة عربية خليجية واعدة ونموذجا يحتذى به.

عالمة الحياة البحرية ورئيسة الأبحاث في "دانات" د. ريم المعلا

 

اخترت دراسة العلوم والبيئة البحرية التي قد تكون خيارا بعيدا عن المألوف. لماذا اخترت التخصص في هذا المجال؟

ترعرعت في البحرين، وهي جزيرة مليئة بالشواطئ، فكان الشاطئ هو ملعبنا وملاذا لنا، ومن هنا تعلقت بالبحر. في البداية كنت أحب الصعود إلى القمم والنظر إلى السماء، فرغبت في أن أصبح رائدة فضاء وأصل إلى القمر، ولكن لم تتوفر مراكز كافية عن علم الفلك. وفي يوم من الأيام وأنا أنظر إلى الأفق حين تلتقي السماء بالبحر، وردتني فكرة: لِمَ لا أنزل إلى أسفل القاع عوضا عن صعود أعلى القمم؟ فصرت أراقب المراكب في البحر وتفاجأت بأن كل السفن كان على متنها رجال فقط، فسألت والدي: لماذا لا يوجد نساء على القوارب؟ فأجابني قائلا: أغلب الصيادين رجال. فقلت له إنني سوف أصبح المرأة التي ستعمل على القارب، فشجعني بدوره على هذا الحلم. وفي الرابعة عشرة من عمري كنت أدرس اللغة الإنجليزية في معهد المجلس الثقافي البريطاني، ومن ضمن تقييم مهارات الاستماع، وجب علينا مشاهدة فيلم "فري ويلي" Free Willy، وسحرني الفيلم أولا لأنه عن عالم المحيطات، وثانيا لوجود عنصر نسائي في البطولة. واستوقفني المشهد الأخير حين سئلت البطلة عما ستفعل لإعادة الحوت إلى المحيط، فكان جوابها: سأحصل على شهادة الدكتوراه في علوم البحار. وهنا لمعت الفكرة في رأسي، فسألت مدرساتي عن معنى علوم البحار، فشرحن لي أن معناه دراسة البيئة البحرية والكائنات الموجودة تحت الماء، وهو ما يتطلب التدرب على الغطس. وعلى الرغم من عدم وجود شهادة في علوم البيئة أو البحار في البحرين، وضعت هذا الحلم نصب عيني. واستغربت المدرسات من قراري، وسخر بعض الطلاب مني، وقالوا لي إنني سأعمل في سوق السمك، ولكن الكثيرين أيضا شجعوني، فأجريت أبحاثي الخاصة، وقررت دراسة علوم البيئة في المملكة المتحدة، ومن هنالك انطلق مشواري.

 د. ريم المعلا: عملت ثلالث وظائف لتمويل دراستي الجامعية و الطموح عنوان مسيرتي

الطموح وتحدي الصعوبات عنوان مسيرتك الدراسية والعملية، فما أبرز التحديات التي واجهتها؟ وما أبرز المحطات التي أسهمت في إطلاق مسيرتك؟

في البداية لم يكن هنالك تمثيل كافٍ للمرأة سواء على الصعيد العربي أو حتى على الصعيد العالمي في مجالات المناخ والبيئة البحرية. ذهبت إلى بريطانيا، وبدأ اهتمامي بمجال تغير المناخ والبيئة، وأخذ المجال بعدا أكبر. لم أحصل على منحة دراسية بسبب هويتي الخليجية، فاضطررت للعمل بثلاث وظائف لتمويل دراستي الجامعية، من ضمنها تدريس اللغة الإنجليزية للعرب المقيمين في بريطانيا. وفي أحد مناهجنا درست عن مفاوضات تغير المناخ في كوبنهاغن، وأذكر مشهد مسيرات دعم المناخ في المملكة المتحدة، في حين كان العالم العربي بعيدا بعض الشيء عن قضايا المناخ. والسبب هو عدم توافر طاقات كافية في ذلك الوقت في مجالات المناخ والبيئة، ثم تدربت في الخارج، لأنني لم أشأ أن أعود إلى البحرين من دون اكتساب الخبرات الكافية لكي أثبت جدارتي في هذا المجال، وعملت مساعدة أبحاث في جنوب إفريقيا، وتعلمت كيفية إجراء البحوث تحت الماء، وعملت أيضا مساعدة أبحاث في إندونيسيا، ثم ذهبت إلى مدغشقر عقب حصولي على الماجستير، وعملت مع المجتمعات المحلية. وهنالك تكونت لدي نظرة متكاملة وأكثر شمولية عن هذا المجال. وعندما أحسست بأنني جاهزة عدت إلى البحرين، وبدأ مشواري الحقيقي. ولعل أبرز المحطات في بداية مشواري هو في عام 2012 عندما استضافت قطر "مؤتمر الأمم المتحدة للمناخCop 2012، وتلقيت دعوة للمشاركة، وحصلت على تمويل لمدة ستة أشهر للعمل مع مؤسسات غير ربحية لاستقطاب وتشجيع المزيد من المواهب الخليجية والعربية في هذا المجال، وما زلت حتى اليوم ناشطة ضمن منابر مختلفة وسعيدة بكوني امرأة خليجية عربية في مجال البيئة والعلوم البحرية.

 د. ريم المعلا: يتركز عملي مع الأمم المتحدة على دعم قضايا البيئة والمناخ ومناصرة شؤون المرأة

لديك اهتمام خاص في مجال قضايا المرأة ونشاطات مختلفة في مناصرة شؤون المرأة. ما سر اهتمامك بالمرأة؟ وما أبرز نشاطاتك في مجالات المرأة والمجتمع؟

بدايتي مع المرأة ابتدأت مثلما ذكرت عندما سمعت عبارة "لا يوجد نساء على المراكب، وجوابي حينها كان "ولِمَ لا؟”. ومنذ ذلك الحين انطلقت في رحلة لحث المرأة وتشجيعها على خوض جميع المجالات، وعملت مع المجلس الأعلى لشؤون المرأة في البحرين، ضمن مبادرات رائعة من قبل الحكومة تشجع فيها المرأة على خوض مختلف المجالات، وعملت مع مجموعة من النساء على مجموعة من القضايا المتشعبة، حيث إن قناعتي تكمن في أهمية تبني رأي المرأة في اتخاذ القرارات، ومن هنالك عملت مع مؤسسة الأمم المتحدة للتخطيط للأمور المهمة التي لها علاقة بشؤون كل دولة، فكنا مجموعة صغيرة من النساء تشمل الجيل الأكبر ذا المعرفة والخبرة، والجيل الأصغر ذا الشغف والطاقة، وعملت مع الأمم المتحدة ضمن منصتين رئيسيتين، وهما: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ومجلس المساواة بين الجنسين. وشاركت في الكثير من المؤتمرات والمفاوضات وورش العمل ضمن نشاطات COP18 ,COP19 ,COP21. ويندرج جزأ كبير من عملي في مجال تأمين الغذاء بالاعتماد على البيئة البحرية، ليكون حلا بديلا لاستيراد الغذاء، حيث تلعب البيئة البحرية دورا كبيرا في تأمين الغذاء، والعناية بنوعية الهواء، ورفع نوعية الصحة العامة. ولأنني ناشطة في مجال الرعاية الصحية أؤمن بأن للمرأة دورا كبيرا في صحة المجتمع، فالمرأة هي التي تطعم العائلة، وإذا تأمنت لها وسائل العلم والمعرفة والغذاء الصحي والمتوازن، فمن شأنها أن تبني جيلا كاملا على معايير عالية من الصحة والسلامة، وأن ترفع من شأن المجتمع بكامله.

عالمة الحياة البحرية ورئيسة الأبحاث في "دانات" د. ريم المعلا

لاحظت من خلال حديثنا أن عائلتك دعمتك بشكل كبير، سواء كان في اختياراتك العملية أو في أسفارك المتعددة حول العالم. كيف كان دور العائلة في مسيرتك؟

أنا من عائلة متواضعة، حيث اضطر والدي للعمل بعمر صغير، وكان حلمه أن أكمل الدراسة المدرسية. لذلك فرح فرحا عارما عندما أكملت دراستي الجامعية، تعلمت منه حس المسؤولية، حيث عملت بعد المدرسة للمساهمة بمسؤولية عائلتي وإخوتي الأصغر مني. أما عن والدتي، فقد كانت لديها طموحات كبيرة، ولكن ظروفها كانت صعبة نظرا لخسارة والديها. فشجعتني بدورها على تحقيق أحلامي. قد لا يفهم أهلي ما طبيعة عملي بشكل كامل، ولكنهم يفهمون الفكرة العامة، وهم فخورون كثيرا بإنجازاتي. وبعد إكمالي لمسيرة الدكتوراه، ولله الحمد، أحسست بالأمان في مسيرتي، وقررت أن أحث المزيد من النساء على خوض مجالات البيئة، فأطلقت منصة للمرأة الخليجية في مجالات البيئة للتواصل وتبادل الأفكار والحلول، وجذب الجيل الجديد إلى هذا المجال، لأنني أؤمن بأن المرأة تدعم المرأة، وأننا نكبر بدعمنا لبعضنا البعض.

تشغلين منصب مديرة الأبحاث في "دانات”. ما طبيعة عملك باعتبارك عالمة في البيئة البحرية، سواء كانت فوق الماء أو تحت الماء؟

في "داناتأعمل في قسم إدارة الأبحاث، ونجري نوعين من الأبحاث، قسم الأبحاث على الأحجار واللؤلؤ وبحوث في مجال الإيكولوجيا، ونركز على البيئة البحرية، وأكثر تركيزنا ينصب على مغاصات اللؤلؤ، والتي نسميها بالعامية "الهيرات”. يومي متنوع، ويتضمن القسم البحري الذي أغوص فيه تحت الماء، وأنفذ العمل الميداني، ونستخرج من خلالها العينات، ثم نجري معاينة عينات المحار، ونأخذ القياسات، ونجري التجارب اللازمة، وهو ما يتطلب الجرأة وقدرة على التحمل، وعقب استخراج اللؤلؤ نباشر التجارب العملية، ونفحص اللؤلؤ تحت الأجهزة الحديثة المتوفرة لدينا. وبعد استخراج كل المعلومات أجلس وحدي في عزلة كبقية العلماء، لأحلل البيانات، وأكتب التقارير وأنشر البحوث. والجميل أن وقتي متنوع بين وقت أقضيه في العمل الميداني، ووقت في المختبر، ووقت في المكتب لكتابة التقارير والتخطيط للمشاريع المقبلة، حيث إننا ندعم الحكومة والجهات المختصة بالبيئة بهدف إدارة البيئة البحرية بطريقة مستدامة عبر البيانات والمعلومات التي تجمعها من خلال بحوثنا.

 د. ريم المعلا: دول الخليج رائدة في تبني منهجية الاستدامة

تتبنى دول الخليج منهجية واضحة نحو الاستدامة، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين أهدافهما بتبني الحياد الكربوني لعام 2060، وأعلنت دولة الإمارات أيضا تبنيها الحياد الكربوني بحلول عام 2050، ما رأيك في مستقبل الاستدامة في منطقة الخليج؟

على مستوى الأفراد في الخليج، نلاحظ مثلا تزايد الطلب على المنتجات العضوية، وتزايد اهتمام الجيل الناشئ بدراسة الاستدامة وقوانين البيئة، وسياسات دول الخليج تعكس طموحات شعبها بتبني الاستدامة، فصناع القرار هم جزء من المجتمع، ولاحظنا مؤخرا العديد من المبادرات الهادفة مثل منع البلاستيك ذي الاستخدام الواحد، وتبني التنوع الاقتصادي باتجاه الاستدامة والتنمية المستدامة بشكل كبير وملحوظ، مع مراعاة التراخيص والقوانين للحفاظ على جودة المياه والتنوع الحيوي. وهذه المبادرات تحقق أهدافنا باتجاه اقتصاد متنوع ومستدام. قد يكون التغيير تدريجيا، ولكن لا شك في أن المنهج فيه شمولية كبيرة، سواء من مجالات الطاقة النظيفة ونوعية الهواء، والحفاظ على البيئة البحرية، وتعويض الأثر الكربوني وتطبيقات المدن الذكية وغيرها من النشاطات التي تبرز دور دول الخليج في تبني منهجية الاستدامة بطريقة فعالة وسباقة.

عالمة الحياة البحرية ورئيسة الأبحاث في "دانات" د. ريم المعلا

 د. ريم المعلا:عشقت شواطئ البحرين في الطفولة وعدت إليها حاملة شهادة الدكتوراة في العلوم البحرية

بعيدا عن كونك العالمة الدكتورة ريم. أود أن أسألك عن ريم الإنسانة، ما هواياتك؟ وكيف تقضين وقتك؟

أنا أعشق السفر وتسلق الجبال، وبشكل عام أحب التواصل مع الطبيعة، وأحب أيضا زيارة الأماكن الروحانية، حيث تعلمني الأسفار كيفية مواجهة التحديات. حيث أذكر على سبيل المثال أنني كنت في زيارة لجنوب إفريقيا، ودخلت قرية صغيرة بدت ظروفها صعبة نظرا لانقطاع الكهرباء، ويذهب أهلها إلى البئر للحصول على الماء، فسألتهم عن كيفية تعايشهم مع التحديات، والجواب كان بأن كل مكان له منبع للقوة، وأن بعض الناس هي كالأعمدة تثبت من حولها، فأعجبني هذا المنظور، وتعودت أن أعود من أسفاري بدروس جديدة في الحياة والنضج والتفاؤل. أحب أيضا كتابة الشعر والقصص، وأهوى الغطس تحت الماء ليس فقط للعمل، ولكن أيضا للتمتع بجمال البيئة البحرية الخلابة.

عالمة الحياة البحرية ورئيسة الأبحاث في "دانات" د. ريم المعلا

أنت مثال للمرأة الخليجية العربية في الطموح الهادف وتحقيق الأحلام، ما نصيحتك للمرأة العربية بوجه عام والمرأة الخليجية بوجه خاص؟

نصيحتي الأولى هي عدم القلق حول كيفية الوصول إلى الهدف، إنما الأهم هو التركيز على تحقيق الأهداف خطوة بخطوة، فلا ينبغي أن نفكر في صعود السلم كاملا، وإنما التركيز على الصعود درجة درجة، والحرص على اكتساب الخبرات الكافية لتأهيلنا لتحقيق أحلامنا. نصيحتي الثانية هي التواصل مع النساء الأخريات، وعدم الخجل من طلب المساعدة، حيث من المهم أن نتواصل ونستشير ونطلب النصيحة، والمرأة بشكل عام تدعم المرأة، وبإمكاننا أن نساعد بعضنا البعض. أما نصيحتي الأخيرة، فهي محاولة العمل مع مرشدMentor، فوجود المرشد مهم جدا في الحياة، وأنا تعرفت إلى المرشدة الخاصة بي من خلال عملي مع الأمم المتحدة، حيث تعرفت إلى مجموعة من النساء الملهمات الأكبر عمرا، والأكثر دراية وخبرة، وتعلمت منهن الكثير من الدروس، وما زلت على تواصل مع هؤلاء النساء على الرغم من بعد المسافات وتعدد الانشغالات، وبدوري أشارك هذه النصائح مع النساء من حولي لاستمرارية دورة الدعم والعطاء