الشيف فردوس مصباحي تكتب لـ"هي": حملتُ المغرب في قدوري

الشيف فردوس مصباحي تكتب لـ"هي": حملتُ المغرب في قدوري

مجلة هي
9 سبتمبر 2025

لم أنتقل إلى الولايات المتحدة فقط. لقد أحضرت المغرب معي، ليس في حقيبة سفري، بل في قدوري وأوانيّ.

حين وصلتُ إلى لوس أنجلوس أكثر لحظة شعرت فيها بغياب الوطن هي عندما دخلت المطبخ. اشتقت إلى رائحة الطاجين عند الغليان البطيء على نار هادئة، إلى لغة الطعام غير المنطوقة التي صاغت نشأتي. هكذا بدأت أطبخ، ليس فقط لآكل، بل لأشعر باتصال مع الوطن. كنت أتصل بوالدتي، وأسألها كيف أحصل على النكهات الصحيحة. أصبح صوتها دليلي، وأصبح الطهي طريقتي للبقاء مرتبطة بجذوري.

بدأت بعدها بدعوة الناس إلى اختبار هذه التجربة. وساعدتني مشاركة الطعام على بناء روابط جديدة، لأنها كانت أداتي للقول: هذه أنا، وهذا هو المكان الذي جئت منه. في مدينة مثل لوس أنجلوس، حيث يأتي كل شخص من مكان مختلف، أعطاني ذلك وسيلة لأقف ثابتة ومتمسكة بهُويتي من دون الحاجة إلى شرح الكثير.

جذوري مغربية. نشأت في بلجيكا، وأعيش الآن وأعمل في مجال الطهي في كاليفورنيا. يظهر هذا المزيج في طعامي، في أطباقي التي تعكس التقاليد من منظور تجربة الهجرة. البعض يصف أسلوبي بالمغربي الحديث، ولكن بالنسبة لي، إنه ببساطة الطريقة التي أطبخ بها اليوم. طبخي متجذر في الذاكرة، موجّه بالتقنيات، ولكن منفتح على تأثير المكان والموسم.

الشيف فردوس مصباحي تكتب لـ"هي": حملتُ المغرب في قدوري

لا يتمثل دوري بصفتي طاهية في الحفاظ على الوصفات فحسب، بل يقوم أيضا على حملها إلى المستقبل بطريقة نشعر بأنها حيّة. قد يعني ذلك تغيير الصيغة أو تخفيف الطبق أو جمع المكونات بطريقة مختلفة، لكن النيّة هي نفسها دائما: سرد قصة، والبقاء على اتصال، وإشراك الآخرين.

هكذا بنيت مكاني هنا. من خلال الطعام، عرّفت بنفسي، وشاركت جذوري، وأنشأت نوعا جديدا من الانتماء. أنا جزء من جيل لا يخشى رسم ملامح ثقافته على طريقته وبشروطه، ويبقى الطعام أحد أقوى الطرق التي نفعل بها ذلك.

إذا، لو سألتني ما هو المطبخ الشمال إفريقي الحديث، لأجبتك بأنه نكهات الوطن التي يعبّر عنها أبناء جيل جديد، وهم في الأماكن التي يسمّونها الآن مواطنهم.

أحد الأطباق التي تعني لي الكثير هو طاجين الدجاج. في عائلتي كان الطبق الذي نحضره للضيوف أو في المناسبات الخاصة. وهو الطبق الذي كنت أتوسل لأمي كي تعدّه لي عندما كنت صغيرة.

والآن، عندما أشتاق إلى بيتي أو عندما أرغب في تقديم شيء من عالمي، أحضّره بنفسي. إنه من أكثر الأطباق التي يحبّها الناس منّي هنا في لوس أنجلوس، لكنني أعلم أنه ليس بجودة طبقها. لو تذوقته لقالت على الأرجح شيئا مثل: "لماذا زيّنته بالزهور؟ هذا ليس تقليديا". وستكون على حق، فنسختها أبسط وأكثر تجذرا في الماضي.

هذا ما يعنيه المطبخ المغربي الحديث بالنسبة إلي. لا يتعلق بتغيير ما كان، بل بإضافة ما نحن عليه الآن. لا أخشى إعادة تفسير الأطباق وحمل لمستي الخاصة إليها، لأنني أعرف الدافع والنيّة. سواء كنت أضيف زهرة صالحة للأكل أو أدخل تقنية جديدة، لن أقصد يوما التخلّي عن التقاليد، بل أسعى لصونها وإحيائها بطريقة تبدو ملائمة للوقت الحاضر. هذا التوازن بين تكريم المكان الذي جئنا منه والتعبير عن المكان الذي نحن فيه، هذا هو النقطة المثالية. هذا هو الطبق الذي أقدمه.

 

Credits

    بقلم Chef Ferdaws Mesbahi

    تصوير Anisha Sisodia