د. شذا عبد الغني صباغ تكتب لـ"هي": "غوايش شارع الأعشى"

د. شذا عبد الغني صباغ تكتب لـ"هي": "غوايش شارع الأعشى"

مجلة هي

كما حلمت البرنسيسة عزيزة بقصص الحب، كانت تحلم بنات نجد باقتناء أسورة بتصميم نقشة "عبد الغني"، وتسمى بالنجدي "غويشة دقة عبد الغني" أو "بومرايه" أبو مراية. "عندك عبد الغني؟".. بهذا السؤال تدخل المرأة النجدية محال الذهب في حقبة السبعينيات والثمانينيات بداية من سوق السدرة والكباري حتى سوق الثميري. ودقة عبد الغني كانت الأشهر على الإطلاق في سوق الذهب في الرياض. وكسحر الحب الذي روته لنا عزيزة هو سحر الغوايش ورنة صوتها مع حركات اليدين التي زينت أيدي بنات "شارع الأعشى" بأساور بنقشة عبد الغني وبناجر عواطف "المبرومة" التي يعود تاريخها إلى تصاميم شعوب القِلْط، وكانت تعرف بالحجول وبناجر الجازي بنقشة "الدراكتر".

إن أهمية الحلي لا تقتصر على كونها مجرد زينة أو إكسسوارات، بل تمتد لتشمل جوانب متعددة تتعلق بالهُوية الثقافية والاقتصاد والمناسبات الاجتماعية. حيث تعد أيضا استثمارا اقتصاديا مهما، فالذهب والفضة من المواد القيمة التي تتزايد أسعارها بمرور الوقت، وهو ما يجعل من امتلاك الحلي نوعا من مصادر الثروة. في الكثير من العائلات، تُعتبر الحلي إرثا تتوارثه الأجيال، وهو ما يعكس الاستمرارية والتقاليد كساعة أبو متعب الذي ورثها لأبنائه.

وحيث كانت الحلي الفضية أكثر رواجا من الذهب من حيث القدرة على شرائها كما شاهدنا في عرس الحضارم، حيث تزينت العروس بحلي فضية بدوية وعقد مزنة البدوي من العقيق والفضة. ومع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها القرن العشرون، والتي اشتدت منذ سبعينيات القرن الماضي ومع ازدياد الانفتاح الاقتصادي، وزيادة الثروة المكتسبة من خلال إنتاج النفط، وعودة المواطنين السعوديين من فترات التعليم والعمل في الغرب، ازداد الطلب على الذهب في دلالة على المكانة الاجتماعية، كما شاهدناه منذ البداية في حلي أم جدعان. وكانت عائلة وضحى مثالا على هذا الازدهار المالي للعائلات في الرياض. وعلى الرغم من تحسن وضع وضحى المادي فإنها حافظت على ارتداء "العلاقة" أو حلية شعر قطعة الفضة التي زينت شيلتها لتثبت في مكانها. وأصبحت تلبس غوايش عبد الغني وخاتم ذهب بـ"فص" حجر الفيروز يسمى "أبو فيروز"، وفي وسط المملكة يسمى "فوارز" نسبة لحجر الفيروز. وكخرافات الحب في أحلام عزيزة، قصص قديمة تقول إذا كان الشخص سعيدا يلمع حجر الفيروز، وإذا كان حزينا ينطفئ بريقه. وكشخصية وضحى الحكيمة الرزينة التي لا تهزهزها المشاكل، بل بالعكس تستخدم كل التحديات لمصلحتها، وتدافع لتستمر وتبقى صامدة قوية، ولعل عينَي وضحى كحجر الفيروز، تلمعان في الفرح، وتنطفئان في الحزن، ومن حكمتها أن حزنها مؤقت وسرعان ما تعود عيناها للمعان كالفيروز الثمين. وتكون هذه الحلي مؤشرات على المنزلة الاجتماعية وفي دلالة على ارتفاع سعر الفيروز ووجوده في نجد قال الشاعر النبطي محسن الهزاني:

 وأحلى من السكر إلى عاد ذايب وأغلى من الفيروز عند الجلاليب

وأبهى من أزهار الرياض العشايب سلام ترحيب بريٍّ عن العيب

وعلى الرغم من أن شخصية أبو إبراهيم تعكس صورة من صور الأب السعودي غير التقليدي في تلك الحقبة، فإنه كان يرتدي "فتخة"، وهي خاتم رجالي تقليدي مصنوع من الفضة وحجر العقيق الكريم الذي كان يسمى عقيق أحمر. ويعتبر رمزا للفخامة في التراث السعودي لا يقتصر فقط على الزينة، بل يحمل معتقدات في السياق الثقافي، حيث يُعتقد أن العقيق يُعزز من طاقة مرتديه، ويحمي صاحبه من العين. وإذا أصيب الشخص بالعين فإن طاقة الحسد يجذبها الحجر وينفلق، ويقال (العين تطرق الحجر). واليوم يرتدي الكثير من الشباب خواتم العقيق التي يحفر عليها اسم المرتدي في علامة على الفخر والتقاليد ولتكون شاهدا على الهُوية السعودية. وقالت الشاعرة النجدية الشاعرة موضي البرازية في ذكر "الفتخة":

حتيش لو حطيت فتخه وباكور
مع جوخةٍ تكسى قطات العبيه

تعتبر الحلي جزءا لا يتجزأ من التراث الثقافي والفني في المجتمع السعودي، وكل نوع من الحلي يحمل في طياته تاريخا خاصا وتقاليد متوارثة، وهو ما يجعلها رمزا للفخر والانتماء. وتلعب الحلي دورا مهما في حياة المرأة السعودية. وقد نجحت مصممة أزياء مسلسل شارع الأعشى هيلين الخليل في توظيف هذه الحلي في بناء الشخصيات وتطورها لسرد الحكايات الاجتماعية والتراثية بأسلوب فريد يعكس جزءا من الثقافة والتاريخ السعودي، وإعطاء رؤية متعددة الأبعاد عن الحياة في تلك الأزمنة. وكان عقد أم إبراهيم الذهبي وتاج عزيزة الماسي في ليلة عرسها مثالا لتبلور الثقافات في السعودية. وتتجلى أهمية الحب في "شارع الأعشى" كقوة دافعة تحرك هذه الشخصيات، فكان سلسال القلب الذي أهداه سعد لعواطف رمزا لهذا الحب. ولا تزال الحلي على شكل قلب هدية المحبين. وكغراميات شارع الأعشى لا تزال المرأة السعودية واقعة في غرام الحلي والمجوهرات. وحاليا يشهد سوق الذهب تنوعا باهرا في الحلي الذهبية والمجوهرات الماسية التي تعكس الازدهار الاقتصادي للمملكة.

د. شذا عبد الغني صباغ
د. شذا عبد الغني صباغ 

 

Credits

    د. شذا عبد الغني صباغ

    دكتوراه في التصميم والتكنولوجيا من London College of Fashion, UAL

     ومؤسسة  shathalondon.com