وجود هدفٍ صحي في الحياة.. هل يزيد متوسط العمر المتوقع؟
نأتي إلى هذه الحياة ضعفاء لكننا نقوى مع الوقت، التجارب والتعلَم. في مراحل المراهقة والشباب، نُقبل على الحياة بشغفٍ كبير واندفاع أكبر، لنبدأ مع ظهور مرحلة الشيخوخة بالشعور بالضعف والخوف من المرض والموت والوحدة.
لماذا هذا التناقض الدائم بين مراحل الحياة المختلفة، ولماذا لا يكون العمر الطويل مرتبطُا بهدفٍ صحي كما نفعلُ في المراحل الأصغر؟ هل يجب أن تكون الشيخوخة نهاية العمر، أم ثمة مجالٍ لشيخوخة صحية ننعم فيها بالحياة كما لو أننا ما زلنا شبابًا؟
في السنوات الأخيرة، تحوَل الحديث حول طول العمر والشيخوخة الصحية من مجرد الثلاثية الكلاسيكية المتمثلة في النظام الغذائي، ممارسة الرياضة والنوم إلى شيءٍ أقل وضوحًا لكنه بنفس القدر من التأثير، ألا وهو الهدف. إن الشعور بأن حياة المرء لها معنى واتجاه وقيمة لا يُثري العقل فحسب، بل يبدو أنه يُقوَي الجسم، يُقلَل من القلق وحتى يُطيل العمر. وتُشير دراسةٌ جديدة أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية في عام 2024 إلى أن الشعور بالهدف قد يكون أكثر أهميةً لطول العمر من الرضا عن الحياة. وقد وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يشعرون بالرضا عن الحياة أو لديهم شعورٌ أقوى بالهدف، يعيشون لفترةٍ أطول من أولئك الذين لا يفعلون ذلك.
نتعرف في مقالة اليوم من الدكتور أمير فيروزجاي، أخصائي الطب الصيني في عيادة ويلث دبي، على أهمية وجود هدفٍ صحي في حياتنا، والذي لا بدَ ينعكس على إطالة العمر والاستمتاع بحياةٍ صحية.

إطالة العمر الصحي بوجود هدف صحي
غالبًا ما يُنظر إلى القلق أو التوتر على أنه شيءٌ شرير في حياتنا الحديثة، والحقيقة أن التوتر المزمن قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، اضطراب النوم والوفاة المبكرة، لا شك في ذلك.
في الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال؛ خلصت دراسةٌ إلى أن أكثر من 40٪ من السكان ينامون أقل من ست ساعات كل ليلة، فيما تحدث 48٪ منهم عن أن التوتر هو السبب الرئيسي وراء ساعات النوم القليلة هذه.
ومع ذلك، ليس كل التوتر ضارًا، يقول الدكتور فيروزجاي؛ إذ يمكن أن يكون "الإجهاد الإيجابي" قصير المدى، وهو نوعٌ من التحديات التي تُحفَز الانتباه والإبداع والجهد، مُشجعًا ومُوجهًا نحو النمو. في الواقع، غالبًا ما يرتبط وجود تحدٍ ذي معنى في الأبحاث النفسية بالشيخوخة الإيجابية، المرونة والهدف. ويكمن الفرق الرئيسي في ما إذا كان الإجهاد يبدو ساحقًا ومستمرًا ولا يمكن السيطرة عليه (ضارًا بالصحة)، مقابل ما إذا كان سهل الإدارة، وذا معنى ومرتبطًا بالهدف (قد يكون مفيدًا).
والسؤال الذي يُطرح هنا: هل يمكننا توجيه الإجهاد نحو هدفٍ ما وبالتالي تعويض ضرره، بل وتحويله إلى قوةٍ تُطيل العمر؟
تشير أبحاثٌ عالمية واسعة النطاق بوضوح، إلى أن امتلاك شعورٍ قوي بالهدف في الحياة، يرتبط بانخفاض خطر الوفاة. وكشفت إحدى الدراسات أن الشعور بالهدف لدى البالغين في منتصف العمر، كان مؤشرًا على تحسن طول العمر، حتى مع مراعاة الأمراض المزمنة، التدخين وعوامل الخطر الأخرى.
يُعزَز الشعور بالهدف مشاركةً أكبر، يزيد المرونة، ويُحفَز تنظيم الذات بشكلٍ أفضل (مثل السلوكيات الصحية)، حتى في مواجهة التحديات الصحية. في سياق الشرق الأوسط، تشهد العديد من المجتمعات تحولاتٍ جوهرية نحو هذا التوجه؛ تشمل تنويع القوى العاملة، التطلعات الاقتصادية، والتغيَرات الاجتماعية. ونتيجةً لذلك، يُصبح التوازن بين التوتر كعاملٍ مُحفِّزٍ وعبءٍ ثقيلٍ أمرًا بالغَ الحساسية. فمن جهة، ثمة فرص وطموحات؛ ومن جهةٍ أخرى، ثمة مطالب مُلحة، ضغوطٌ ماليةٌ، مخاوف بشأن الأمن الوظيفي، وثقافة "مُستمرة".
في دولة الإمارات، تُشير التقارير الحديثة إلى أن متوسط العمر المتوقع يبلغ حوالي 78.6 عامًا. ومع ذلك، ورغم طول العمر، يُعاني الكثير من الأفراد من أمراضٍ مُزمنةٍ خلال حياتهم. علاوةً على ذلك، وفيما يتعلق بالتوتر والشعور بالهدف، كشف استطلاعٌ أجرته شركة ماكينزي أن 66% من المُشاركين، أفادوا بمُواجهتهم لمشكلةٍ نفسيةٍ واحدةٍ على الأقل. وهذا يُشير إلى أنه حتى في بيئةٍ مُزدهرةٍ تُتيح الوصول إلى رعايةٍ صحيةٍ جيدة، فإن الشعور بالهدف وكيفية ارتباط الناس بمعنى حياتهم، اتجاهها وأهدافها يُمكن أن يكونا حاسمين في تحويل حياةٍ أطول إلى حياةٍ أكثر صحةً وإشباعًا.

إذن، هل يرتبط الشعور الصحي بالهدف بزيادة متوسط العمر المتوقع؟
نعم، بالتأكيد، يجيب الدكتور فيروزجاي؛ يرتبط الشعور القوي بالهدف بانخفاض خطر الوفاة، بغض النظر عن عوامل الخطر الأخرى. وفي الشرق الأوسط، حيث يرتفع متوسط العمر المتوقع، ولكن تبقى تحديات التوتر والأمراض المزمنة أكبر؛ فإن تبنَي فكرة الهدف يمكن أن يكون إضافةً قيّمة لاستراتيجيات الصحة التقليدية.
مع ذلك، علينا أن نكون عمليين، يضيف أخصائي الطب الصيني في عيادة ويلث دبي الدكتور أمير فيروزجاي. لا تزال عوامل مثل السلوكيات الصحية، الجينات، البيئة، والظروف الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورًا مهمًا في هذا الشأن. ومع ذلك، فإن وجود هدفٍ صحي يُعزَز مزايا السلوكيات الإيجابية، ويمكنه المساعدة في التخفيف من المخاطر المرتبطة بسوء الصحة والتوتر المزمن.
في الخلاصة؛ اسعِ وراء هدفكِ، ووازني بين توتراتكِ وهذا الهدف؛ قد لا تُطيل هذه الممارسات حياتكِ فحسب، بل تُحسّن جودتها أيضًا.
في حال ركَزت المجتمعات على تعزيز البيئات التي يزدهر فيها المعنى، المشاركة والمساهمة، ليس فقط من حيث النشاط والنمو الاقتصادي، ولكن من خلال الازدهار البشري الحقيقي؛ فإن ارتفاع متوسط العمر المتوقع في المنطقة يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع متوسط العمر الصحي، وليس مجرد سنواتٍ إضافية من الحياة قد لا نستفيد منها بل ستصبح عبئًا صحيًا ونفسيًا.