العلاقة بين مرض السكري وأمراض اللثة مترابطة.. وتتطلب عنايةً صحية
السكري ليس مرضًا حديثًا، بل هو قديمٌ قدم الزمان؛ وقد تمَ وصف مرض السكري لأول مرة منذ آلاف السنين، حيث ورد ذكره في بردية إبيرس المصرية حوالي عام 1550 قبل الميلاد، في حين اكتشف فريديريك بانتنغ وزملاؤه علاج الأنسولين عام 1921 في كندا.
أن يكون قديمًا وليس حديثًا، ليس محل خلاف لدى أحد؛ بل إن انتشاره بكثرة حول العالم، خصوصًا بين الأفراد الأصغر سنًا والصغار تحديدًا، هو ما يُثير القلق ويُشجع على معرفة كافة الوسائل الوقائية الممكنة، للحد من تطوره وانتشاره.
وإذا ما نظرنا إلى أسباب هذا الداء، فإن السبب الأول لمرض السكري يختلف حسب نوعه:
• في النوع الأول: السبب الأساسي هو مهاجمة الجهاز المناعي لخلايا البنكرياس المُنتجة للأنسولين.
• أما في النوع الثاني فالسبب الرئيسي هو مقاومة الجسم للأنسولين، غالبًا نتيجة السُمنة وقلة النشاط البدني.
لكن هل هذه الأسباب الوحيدة؟ بالطبع لا؛ إذ ثمة علاقة وثيقة، يؤكدها الخبراء والمختصون، بين أمراض اللثة ومرض السكري. وتحديدًا الأنسجة حول السنية، التي تُعرفنا الدكتورة عمام عمام، أخصائية أمراض وجراحة اللثة وزراعة الأسنان عليها في مقالة اليوم.

العلاقة بين مرض السكري وأمراض اللثة
تُعدّ أمراض اللثة والأنسجة حول السنية من أكثر الأمراض شيوعًا في طب الأسنان، والتي لم تعد تُعتبر مشكلةً موضعية في الفم فقط، بل مرضًا التهابيًا مزمنًا يمتلك تأثيرًا مباشراً على الصحة العامة. وفي السنوات الأخيرة، باتت العلاقة بين أمراض اللثة ومرض السكري محورًا مهمًا في البحث الطبي، حتى صنّفتها الجمعيات العالمية كعلاقةٍ ثنائية الاتجاه؛ أي أن كلاً منهما يؤثر في الآخر بشكلٍ واضح. وتأتي أهمية هذا الموضوع من الانتشار الواسع لمرض السكري عالميًا وعربيًا، إلى جانب انتشار أمراض اللثة بين الكبار والصغار، ما يفرض ضرورة تعزيز الوعي الصحي لدى الجمهور.
لمعرفة المزيد عن هذا الموضوع، لا بدَ من تحرَي كيفية تأثير مرض السكري على اللثة والأنسجة الداعمة..
يمارس السكري تأثيره على صحة اللثة عبر مجموعةٍ من التغيَرات التي تُصيب المناعة، الأوعية الدموية والأنسجة المحيطة بالأسنان. فعندما يبقى مستوى السكر في الدم مرتفعًا لفتراتٍ طويلة، تتأثر الأنسجة الفموية بشكلٍ واضح. ويمكن تلخيص أهم هذه التأثيرات في النقاط التالية:
1. انخفاض كفاءة المناعة
يؤدي السكري إلى إضعاف نشاط خلايا الدم البيضاء، وهي المسؤولة عن مكافحة الالتهابات. ومع ضعف المناعة الموضعية، تصبح اللثة أكثر عرضةً للبكتيريا الموجودة طبيعيًا في الفم، مما يزيد من شدة الالتهاب.
2. ضعف التروية الدموية
ارتفاع السكر المزمن قد يُسبَب تغيّراتٍ في جدران الأوعية الدموية الدقيقة، ما يُقلَل من وصول الأكسجين والعناصر الغذائية إلى اللثة. وهذا يجعل التئام الجروح أبطأ، ويزيد من قابلية الأنسجة للالتهاب والانحسار.
3. زيادة كمية البكتيريا الضارة
ارتفاع مستوى السكر في اللعاب قد يُوفّر وسطًا مناسبًا لنمو البكتيريا المُسببة للالتهاب، وهو ما يؤدي لتفاقم اللويحة الجرثومية وتحوّلها إلى التهاب لثوي أكثر حدّة.
4. تسارع تطور الالتهاب اللثوي
يعاني مرضى السكري غالبًا من أعراضٍ أشدّ مقارنة بغيرهم، مثل نزف اللثة، تراجع العظم، وحركة الأسنان؛ وقد يصل الأمر إلى فقدان الأسنان في حال عدم المتابعة والعلاج المنتظم.
في المقابل؛ تُساهم أمراض اللثة في تفاقم مرض السكري. كيف؟ الإجابة في السطور التالية..
بحسب الدكتورة عمام، العلاقة ليست من طرفٍ واحد؛ فالتهاب اللثة نفسه هو مرضٌ التهابي مزمن، ومع إهمال علاجه، ينتقل تأثير الالتهاب إلى الجسم كله. فالبكتيريا الموجودة في اللثة الملتهبة تُطلق سمومًا ومُحفزات التهابية تنتشر عبر الدم، مما يؤدي إلى:
• زيادة مقاومة الخلايا للأنسولين
يؤدي الالتهاب الشديد يؤدي إلى إفراز موادٍ تزيد صعوبة استجابة الخلايا للأنسولين، وهو ما يُسبَب ارتفاعًا إضافيًا في مستوى السكر بالدم.
• صعوبة السيطرة على مستويات السكر
أظهرت الأبحاث أن المصابين بأمراض اللثة غير المُعالجة، يعانون من تذبذبٍ أكبر في مستوى السكر، ويحتاجون لجرعاتٍ أعلى من الأدوية للتحكم به.
• تفاقم المضاعفات العامة للسكري
الالتهاب الفموي المزمن قد يُسهم في زيادة خطر المضاعفات، مثل أمراض القلب، الأوعية الدموية والتهابات الجسم الأخرى.
تشير الدراسات إلى أن معالجة أمراض اللثة، تُساهم في خفض مستوى HbA1c بنسبٍ مُعتبرة، وهو ما يُعادل تأثير بعض الأدوية المساعدة في التحكم بالسكري.
علامات يجب أن ينتبه لها مرضى السكري
يساعد التشخيص المبكر على منع تطور الحالات البسيطة إلى مراحل متقدمة، تؤكد الدكتورة عمام. مشيرةً إلى العلامات التي يجب التنبه لها والتي تستدعي زيارة طبيب الأسنان:
1. نزف اللثة المتكرر أثناء التفريش أو تناول الطعام.
2. احمرار وانتفاخ اللثة.
3. رائحة الفم الكريهة المستمرة.
4. تراجع اللثة وانكشاف جذور الأسنان.
5. ظهور مسافاتٍ جديدة بين الأسنان أو شعور بالتحرك.
6. بطء التئام الجروح داخل الفم.
إن ظهور هذه الأعراض لدى مريض السكري، تقول أخصائية أمراض وجراحة اللثة وزراعة الأسنان الدكتورة عمام عمام، قد يشير إلى وجود التهابٍ لثوي يحتاج إلى علاج عاجل، وقد يدل أيضًا على أن مستوى السكر غير مضبوط بالشكل الكافي.

دور الوقاية في حماية اللثة وضبط السكري
الوقاية هي حجر الأساس للعلاج، خاصةً لدى مرضى السكري الذين يحتاجون إلى روتينٍ دقيق للعناية بالفم.
وتستعرض لنا الدكتورة عمام طرق الوقاية على النحو الآتي:
• تنظيف الأسنان مرتين يوميًا بفرشاة ناعمة ومعجون يحتوي على الفلورايد.
• استخدام الخيط الطبي أو فراشي ما بين الأسنان، لإزالة الترسبات العالقة بين الأسنان.
• المضمضة بالمحاليل المُطهَرة عند الحاجة، وتحت إشراف الطبيب.
• القيام بزيارات منتظمة لطبيب الأسنان كل ثلاثة إلى ستة أشهر.
• ضبط مستويات السكر عبر الالتزام بالأدوية، الغذاء الصحي والنشاط البدني.
• الإقلاع عن التدخين الذي يُضاعف خطر أمراض اللثة ويُخفَض نجاح العلاج.
كيفية علاج أمراض اللثة لدى مرضى السكري
يعتمد العلاج على درجة الالتهاب وحالة المريض الصحية، ويشمل ما يلي:
1. العلاج العميق للثة (التجريف وتنظيف الجذور): لإزالة الجير والبكتيريا من تحت اللثة.
2. استخدام المضادات الحيوية الموضعية أو الفموية عندما تكون العدوى شديدة.
3. العلاج الجراحي في حالات التراجع العظمي أو الجيوب العميقة.
4. العناية المستمرة والدورية لضمان استقرار الحالة.
5. التنسيق بين طبيب الأسنان وطبيب الغدد لتحقيق أفضل ضبطٍ لمستويات السكر.
لقد أثبتت الأبحاث أن المرضى الذين يتلقون علاجًا دوريًا للثة، يُحققون تحسنًا واضحًا في التحكم بالسكري، إضافةً إلى الحفاظ على أسنانهم وصحة اللثة على المدى الطويل.
في الخلاصة؛ فإن العلاقة بين أمراض اللثة ومرض السكري هي علاقةٌ مترابطة وثنائية الاتجاه، تجعل من صحة الفم جزءًا أساسيًا من خطة علاج المريض السكري.
فالسكري غير المضبوط يزيد من شدة أمراض اللثة، بينما يؤدي الالتهاب اللثوي المزمن إلى صعوبة التحكم بالسكر في الدم. لذلك، فإن العناية الفموية الجيدة، المتابعة الطبية المنتظمة، والتدخل العلاجي السريع، كلها عناصر ضرورية للوقاية والعلاج، وتمكين المرضى من الحفاظ على صحتهم الفموية والعامة معًا.