الكشف الوراثي طريقكِ للوقاية: فهم متلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثية
قد يكون من الصعب على المرأة أن تُصاب بمرضٍ خطير مثل سرطان المبيض أو سرطان الثدي، لكن الأصعب حقيقةً هو معرفتها لاحقًا بالترابط الكبير الذي يمكن أن يتواجد بين هذين النوعين من أمراض السرطان الأكثر شيوعًا عند النساء.
نعم، الارتباط بين سرطان الثدي وسرطان المبيض وثيقٌ علميًا، خاصةً في الحالات الوراثية، ويُعزى بشكل كبير إلى طفراتٍ جينية مُحددة تؤثر على آلية إصلاح الحمض النووي في الجسم. لهذا ينصح الأطباء كثيرًا، عند الإصابة بأحد هذين المرضين، بوجوب التنبه إلى احتمالية الإصابة بالنوع الثاني في مرحلةٍ ما؛ فهل كل النساء اللاتي يُصبنَ بمرض سرطان الثدي مثلًا، هنَ عرضةً أيضًا للإصابة بسرطان المبيض، أو العكس؟ وكيف يمكن الوقاية من هذه المشكلة؟
ما تعريف متلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثية، وكيف يمكن للنساء معرفة مدى تعرضهنَ لهما؟ هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها الدكتور فؤاد خان، طبيب استشاري في عيادة الصحة والأمل بمعهد الأورام في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، الذي أسهم مشكورًا من خلال هذه المقالة أيضًا في إلقاء الضوء على أحدث التطورات في مجال الوقاية من السرطانات الوراثية، وأهمية الوعي الجيني وتمكين المرأة من اتخاذ قراراتٍ وقائية مبنية على الخبرة الطبية والعلمية.
ما هي متلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثية، وما مدى انتشارها؟
تنشأ متلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثية نتيجة طفراتٍ جينية موروثة – غالبًا في جين BRCA1 وجين BRCA2، مما يؤدي إلى زيادةٍ كبيرة في خطر إصابة المرأة بسرطان الثدي والمبيض على مدى حياتها.
ورغم أن السرطانات الوراثية لا تُشكّل سوى نسبة 5 إلى 10% من حالات سرطان الثدي و15 إلى 20% من حالات سرطان المبيض، فإنها غالبًا ما تظهر في سنٍ مبكرة، وقد تُصيب أكثر من فرد في العائلة الواحدة عبر أجيالٍ متعاقبة.
تجدر الإشارة إلى أن برنامج الجينوم الإماراتي الوطني، له دورٌ محوري في تحديد مدى انتشار هذه المتلازمة في دولة الإمارات، ودعم جهود الوقاية والرعاية التي تعتمد على البيانات الجينية؛ لذا على النساء في الدولة الاطمئنان من هذه الناحية.
كيف يمكن للنساء معرفة مدى تعرّضهنَ لخطرٍ وراثي أعلى للإصابة بسرطان الثدي أو المبيض؟

يُعدّ التاريخ الشخصي والعائلي من أهم المؤشرات على وجود خطرٍ وراثي. لذا يُنصح بمراجعة الطبيب لإجراء الفحوص الجينية في حال وجود أكثر من إصابة بسرطان الثدي في العائلة، أو حالةٍ واحدة لسرطان المبيض أو البنكرياس. تشمل المؤشرات الأخرى، الإصابة بسرطان الثدي قبل سن الخمسين، أو وجود سرطان الثدي عند أحد الذكور في العائلة.
نعتمد في كليفلاند كلينك أبوظبي، نماذج تقييم خطرٍ معتمدة وفحوصًا جينومية دقيقة، لتحديد النساء الأكثر عرضةً للإصابة، ووضع برامج وقائية شخصية لكل حالة.
هل لكَ أن تُخبرنا ما هو برنامج المخاطر الوراثية المرتفعة في كليفلاند كلينك أبوظبي؟ ولمن يُوصى بالاستشارة الوراثية؟
يُقدّم هذا البرنامج نهجًا وقائيًا متكاملًا قائمًا على الطبّ الدقيق للأفراد والعائلات الذين لديهم خطرٌ متزايد للإصابة بالسرطان بسبب العوامل الوراثية أو التاريخ العائلي. ويشمل:
• الاستشارات والفحوص الوراثية باستخدام لوحات تحليلٍ متعددة الجينات.
• خطط متابعة شخصية للكشف المبكر عن السرطان.
• استراتيجياتٌ للحد من الخطر مثل الأدوية الوقائية أو الجراحات الاستباقية.
• برنامج طبّ نمط الحياة لمعالجة العوامل المرتبطة بالنظام الغذائي والنشاط البدني والنوم والصحة الأيضية.
• دعمٌ نفسي واستشاراتٌ عائلية متخصصة.
نصيحتي لكل سيدة ومن خلال موقعكم الكريم، لديها تاريخٌ شخصي أو عائلي للإصابة المبكرة أو المتكرّرة بالسرطان، أو نتيجة إيجابية لطفرات وراثية، أن تخضع لاستشارةٍ وراثية مبكرة، بهدف التعرّف على الخطر قبل ظهور المرض واتخاذ إجراءاتٍ وقائية فعّالة. ليس هدفنا إخافة قارئات "هي" بقدر ما نهدف إلى توعية النساء بالعموم على المخاطر الخفية التي تُحدق بهنَ وكيفية التعامل معها بحكمة.
إذا كانت نتيجة الفحص الجيني إيجابية لطفرات BRCA الجينية، ما هي الخيارات المتاحة للنساء في هذه الحالة؟
نتيجة الفحص الجيني الإيجابية لا تعني بالضرورة أن الإصابة بالسرطان حتمية، بل تمنحنا فرصةً للتصرف بشكلٍ استباقي. وتشمل الخيارات:
• المتابعة الدقيقة: عبر التصوير بالرنين المغناطيسي والفحص الشعاعي للثدي في سنّ مبكرة.
• الأدوية الوقائية: مثل تاموكسيفين، التي قد تُقلّل خطر الإصابة بنسبة تصل إلى 65%.
• الجراحة الوقائية: لاستئصال نسيج الثدي أو المبيض، للحدّ من خطر الإصابة بشكلٍ جذري.
• فحص العائلة المتسلسل: لمساعدة الأقارب على فهم مخاطرهم واتخاذ قراراتهم الوقائية.
أؤكدُ كاستشاري في كليفلاند كلينك أبوظبي، على مبدأ اتخاذ القرار المشترك الذي يُوازن بين الاعتبارات الطبية والنفسية والثقافية، بما يضمن لكل امرأة اختيار الحلّ الأنسب لقِيمها واحتياجاتها الصحية. خاصةً أن هذا البرنامج يُعدَ أحد الركائز الأساسية في استراتيجية الطب الدقيق والحياة الصحية المديدة المتَبعة في كليفلاند كلينك أبوظبي، والتي تهدف للانتقال من العلاج إلى الوقاية. إذ نمزج بين العلوم الجينومية والذكاء الاصطناعي وطبّ نمط الحياة لتقديم خططٍ وقائية مصمّمة خصيصًا لكل مريضة.

ما التحديات النفسية أو الثقافية التي قد تواجهها النساء عند التفكير في الفحوص الوراثية، وكيف تقدمون الدعم لهنّ؟
قد تراود النساء مخاوف من الوصمة الاجتماعية أو ردود الفعل العائلية أو القلق بشأن المستقبل الصحي. ولهذا يُوفّر المستشفى استشاريين وراثيين معتمدين من مجالس دولية، يرافقون المريضات في كل مرحلةٍ من عملية الفحص، إلى جانب دعمٍ نفسي متخصص للأفراد والعائلات. كما تُنظَم كليفلاند كلينك أبوظبي جلسات توعية تثقيفية تٌركز على التمكين لا الخوف، وتُشجّع النساء على إدراك أن المعرفة المبكرة قادرة على إنقاذ الحياة؛ إنقاذ حياتهنّ وحياة بناتهنّ وأخواتهنّ.
ما رسالتكَ للنساء اللاتي قد يشعرنَ بالتردّد في معرفة التاريخ العائلي للإصابة بالسرطان؟
لطالما قيل إنّ المعرفة قوة؛ ففهم التاريخ الوراثي لا يعني حتمية الإصابة بالمرض، بل الوقاية منه. واليوم، بات لدينا الأدوات اللازمة لاكتشاف الخطر في مراحله المبكرة، والوقاية من السرطان، وتعزيز الصحة وطول العمر وجودة الحياة.
في الختام؛ رسالتي لكل امرأة: لا تنتظري ظهور الأعراض؛ ابدئي بالمعرفة. تحدثي مع طبيبكِ، اسألي عن تاريخ عائلتكِ، واطلبي الاستشارة الوراثية عند الحاجة. فكلما تعرَفنا إلى الخطر في وقتٍ أبكر، زادت قدرتنا على حماية صحتكِ وصحة الأجيال القادمة.