
باحثون يؤكدون: تكرار الإصابة بالسرطان مرتبطِ بشيخوخة بعض الخلايا
أن يُصاب أحدهم بمرض السرطان، فهذا حظٌ عاثر يُقال عنه؛ فكيف بمن يُصاب به من جديد، بعد التعافي منه؟
تكرار الإصابة بالسرطان، أو ما يُعرف بـ"الانتكاسة" أو "العودة"، هو من أكثر المراحل حساسيةً في رحلة المريض، سواء على المستوى الجسدي أو النفسي. ويحدث هذا التكرار على شكل:
1. انتكاسة محلية: عودة السرطان في نفس المكان الذي ظهر فيه أول مرة.
- انتكاسة إقليمية: ظهور السرطان في الأنسجة أو العقد اللمفاوية القريبة.
- انتكاسة بعيدة (النقائل): انتشار السرطان إلى أعضاء أخرى، مثل الكبد أو الرئة.
هناك العديد من الأسباب المحتملة وراء عودة السرطان؛ منها خلايا سرطانية لم تُكتشف في فحوصات الإصابة الأولى، نوع السرطان ومرحلته كون بعض أنواع السرطان أكثر عرضةً للعودة، عدم نجاعة العلاج الأولي، بالإضافة إلى عوامل وراثية وسلوكية.
يبحث العلماء والباحثون، من خلال أبحاثهم ودراساتهم المنتظمة، على حل جميع الألغاز المتعلقة بأمراض السرطان ومنها لغز تكرار الإصابة به. وفي هذا السياق، نجح باحثون في مايو كلينك في تحديد أسباب عودة السرطان بعد الشفاء منه.
باحثو مايو كلينك يربطون بين شيخوخة الخلايا التائية المستقبلة للمستضدات الخيمرية وتكرار الإصابة بالسرطان

في التفاصيل؛ اكتشف باحثو مايو كلينك سببًا رئيسيًا لتكرار إصابة بعض المرضى بالسرطان بعد تلقَي علاج مستقبلات المُستضد الخيمرية، أو علاج الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية. وبمرور الوقت، تشيخ الخلايا المناعية المُعدلة وتفقد قدرتها على مكافحة السرطان.
وتُسلط الدراسة المنشورة في مجلة السرطان الجزيئي (Molecular Cancer) الضوء على عملية الشيخوخة هذه، باعتبارها آليةً تُفشل علاج الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية لم تكن معروفةً من قبل.
كما بيّن الباحثون أن عملية الشيخوخة تتأثر بكيفية هندسة الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية، حيث يمكن لسماتٍ خلوية داخلية بعينها — مثل طريقة برمجة الخلية للتعرّف على السرطان ومدى قوة تنشيطها — أن تُجهد الخلايا. ووجد الباحثون أنه إذا كانت إشارة التنشيط ممتدةً أو مكثفة للغاية، فإنها قد تدفع الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية إلى الشيخوخة المبكرة.
قد يؤدي هذا الاكتشاف إلى تطوير الجيل التالي من علاجات الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية لتكون أطول عمرًا وأكثر فاعلية، عبر نطاق أوسع من أنواع السرطان. ويقول الدكتور سعد كينديريان، بكالوريوس الطب والجراحة، وباحث رئيسي واختصاصي دمَويات في مايو كلينك: "يُعدَ هذا الاكتشاف من أهم الإنجازات السريرية التي توصلنا إليها في هذا المجال، إذ لا يشرح فقط سبب عودة السرطان، بل يمنحنا أيضًا هدفًا بيولوجيًا يمكننا استغلاله لمحاولة منع حدوثها."
هذا ويعمل علاج الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية، على إعادة برمجة الخلايا المناعية للمريض، لتتمكن من التعرّف على السرطان وتدميره. وقد نجح ذلك في تحقيق هدأةٍ طويلة المدى للمرضى، من ضمنهم المرضى المصابون بأنواعٍ شرسة من المرض أو مقاومة للعلاج؛ إلا أن العديد من المرضى يُصابون بالمرض مرة أخرى في نهاية المطاف، ولم تكن الأسباب معروفةً بشكل كافٍ حتى الآن.
نماذج لإجهاد الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية مع الوقت
أثناء البحث في أسباب فشل علاج الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية، ابتكر فريق مايو كلينك نموذجًا مختبريًا يُحاكي الإجهاد البيولوجي طويل المدى، ما يوفر رؤيةً أكثر وضوحًا لطريقة تصرف الخلايا المُعدلة بعد حقنها. وتبيَن أنه بمرور الوقت، تفقد الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية قدرتها على التكاثر ومهاجمة السرطان. كما أظهرت الخلايا مؤشراتٍ مميزة للشيخوخة، منها تغيراتٍ جينية واضحة.
ووجد الباحثون أن الشيخوخة حدثت بشكل أكثر تكرارًا في الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية المُصممة بخاصيةٍ إشاراتية تُعرف باسم 4-1BB، والتي تؤثر على كيفية استجابة الخلايا للسرطان. أما الخلايا المُصممة بمجالٍ بديل يُسمى CD28 ، فكانت أقل تأثرًا بالشيخوخة؛ حيث تنشط هذه الخلايا بشكلٍ أسرع وتبقى حية لفترة أقصر، مما يُقلل من الإجهاد التراكمي الذي يؤدي إلى الشيخوخة. وقد تأكدت النتائج في نماذج مختبرية متعددة وثبتت صحتها في عينات المرضى.
هندسة الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية لزيادة عمرها

تحقق هذا الاكتشاف جزئيًا بفضل عمل الدكتور إسماعيل كان (حاصل على الدكتوراة)، والذي أسهم في قيادة التحليل الجزيئي وراء هذا الاكتشاف. والدكتور اسماعيل هو المؤلف الأول للدراسة، وباحث أول في مختبر هندسة الخلايا التائية في مايو كلينك. ويقول تعليقًا على نتائج الدراسة: "من غير المرجح أن تنجح الجهود المبذولة لتطوير خلايا تائية مُستقبلة للمستضدات الخيمرية أكثر استدامة دون الوصول إلى فهمٍ شامل لسبب فشل الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية في بعض الأحيان. وتُمثل هذه الدراسة خطوة مهمة نحو فهم سبب فشل الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية. ومن خلال تحديد المُحفزات الجزيئية المبكرة للشيخوخة، يمكننا البدء في تحسين تصميم الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية بهدف تعزيز وظيفتها على المدى الطويل وتقليل احتمالات عودة الإصابة بالسرطان."
تُسلط هذه الاكتشافات الضوء على توجهٍ جديد لأبحاث الخلايا التائية المُستقبلة للمستضدات الخيمرية، سيكون له تأثيراتٌ محتملة ليس فقط على سرطانات الدم، ولكن أيضًا لتوسيع نطاق العلاج الخلوي في الأورام الصلبة. وتستند الدراسة إلى جهود الدكتور كينديريان الأوسع نطاقًا لتحديد آليات المقاومة وتصميم علاجاتٍ مناعية أكثر استدامة وتخصيصًا لحالات المرضى.
في الخلاصة؛ فإن تكرار الإصابة بالسرطان له احتمالاتٌ وأسباب مختلفة، ويسعى الباحثون جاهدين لكشف أسبابٍ أخرى غير الوراثة وعدم فعالية العلاج في عودة السرطان للمرضى. منها دراسة مايو كلينك التي سلَطت الضوء بقوة على شيخوخة الخلايا التائية المستقبلة للمستضدات الخيمرية وتكرار الإصابة بالسرطان، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من البحث والدراسة بغية تحسين عمل هذه الخلايا وزيادة عمرها.