
خاص لـ"هي".. الدكتورة إيمان السويدي: اللحميات الأنفية ليست مرضًا مستقلًا.. والعلاج البيولوجي يُغيَر حياة المرضى
لأنف دورٌ بارز ومهم في أجسامنا؛ فمن خلاله، نستطيع التنفس بشكلٍ مريح وطبيعي، كما يمكننا شم الأشياء من حولنا والاستمتاع بها، وكذلك رصد الأخطار التي يمكن أن تُحدق بنا في حال كان هناك حريق أو تسرب غاز يمكننا شمه بواسطة الأنف.
إذن؛ لا بدَ من الاعتناء جيدًا بصحة أنوفنا، ومعالجة أية مشكلات صحية يمكن أن تُلم بها؛ وقد تكون اللحميات الأنفية أو الزائدة الأنفية، أكثرها شيوعًا بين معظم الناس حول العالم على اختلاف أعمارهم.
هذه اللحميات يمكن أن تُعيق عملية التنفس والشم، وهي ليست بالشيء الخطير؛ لكنها قد تُنغَص يومياتنا وحتى جودة نومنا، خاصةً مع تغيَر الفصول. لذا ومن باب التوعية بهذه المشكلة؛ تحدثنا إلى الدكتورة إيمان الهولي السويدي، استشاري أنف وأذن وحنجرة في مستشفى القاسمي التابع لمؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، التي استعرضت لنا ماهية هذه اللحميات عند الكبار، أسبابها، أعراضها وكيفية علاجها.
ما المقصود باللحميات الأنفية عند الكبار؟ وهل يختلف تركيبها النسيجي عن الزوائد الأخرى؟
اللحميات الأنفية هي زوائد ناعمة وغير سرطانية تنشأ من بطانة الأنف أو الجيوب الأنفية. تظهر عادةً نتيجة التهابٍ مُزمن، يجعل الغشاء المخاطي متورمًا وممتلئًا بالسوائل؛ فتتشكل هذه الانتفاخات. تركيبها النسيجي في الأساس هو نفسه تركيب الغشاء المخاطي المُبطن للأنف، لكنه يتحول إلى صورةٍ أشبه بوسادة إسفنجية غنية بالسوائل والخلايا الالتهابية. ما يُميَزها عن الأورام الصلبة أو الزوائد الغدية الأخرى مثل لحمية الأطفال خلف الأنف.
هل يمكن اعتبار اللحميات الأنفية مرضًا قائمًا بذاته، أم نتيجة لأمراضٍ أخرى؟
اللحميات بحد ذاتها ليست مرضًا مستقلًا، بل هي انعكاسٌ لمشكلةٌ مستمرة في الأنف أو الجيوب. فهي في الغالب تحدث نتيجة الحساسية المزمنة أو الالتهابات المتكررة للجيوب الأنفية؛ لذلك لا يكفي إزالة اللحميات أو علاجها فقط، بل يجب البحث عن السبب الذي أدى إلى ظهورها ومعالجته، لتجنب عودتها.
هناك اعتقادٌ شائع أن اللحميات مرضٌ خاص بالأطفال، فما تعليقكِ على ذلك؟
هذا اعتقادٌ فيه خلط؛ الأطفال قد يُصابون بما يسمى "اللحمية خلف الأنفية" أو "الزائدة الأنفية"، وهي نسيجٌ مختلف عن لحميات الجيوب. أما اللحميات الأنفية التي نتحدث عنها اليوم، فهي أكثر شيوعًا عند الكبار. والسبب في ذلك أن البالغين أكثر تعرضًا للحساسية المزمنة، الالتهابات الطويلة الأمد، والتغيَرات المناعية التي تجعل الغشاء المخاطي يميل إلى التورم وتكوين اللحميات.
ما أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تكوَن اللحميات الأنفية؟ وهل للعوامل البيئية دورٌ في ذلك؟
الأسباب متعددة، أبرزها الالتهاب المزمن للجيوب، الحساسية الأنفية المستمرة، ضعف المناعة الموضعية في الأنف، والارتباط مع أمراضٍ صدرية مثل الربو. أما العوامل البيئية فلها دورٌ لا يُستهان به؛ فالتلوث، التدخين، الغبار، الهواء الجاف، وحتى الروائح القوية أو العطور الثقيلة، كلها تزيد من تهيَج الأغشية المخاطية وبالتالي ترفع احتمال ظهور اللحميات أو تضخمها.
كيف تؤثر أمراضٌ مثل الربو أو الحساسية الصدرية على احتمال الإصابة؟
الربو والحساسية الصدرية واللحميات الأنفية، تُشكَل ما نسميه "مثلث التحسس"؛ وأثبتت الدراسات أن المرضى المصابين بالربو لديهم نسبةٌ أعلى بكثير من حدوث اللحميات. السبب في ذلك أن الجهاز التنفسي العلوي والسفلي متصل، فإذا كان هناك التهابٌ أو فرط استجابة في الصدر، غالبًا ما يكون هناك استجابةٌ مشابهة في الأنف والجيوب.
هل يمكن أن تكون العوامل الوراثية أو المناعية سببًا في تكرار الحالة داخل العائلة ذاتها؟
نعم، هناك استعدادٌ وراثي يجعل بعض العائلات أكثر عرضةً لهذه المشكلة. كما أن عوامل مناعية مثل فرط نشاط بعض الخلايا الالتهابية، قد يزيد من احتمالية ظهور اللحميات وتكرارها. ولهذا نرى أحيانًا أكثر من فرد في نفس العائلة يعاني من المشكلة ذاتها.
ما الأعراض التي يجب أن تدفع المريض للتفكير بوجود لحميات أنفية؟
أهم عرض هو انسداد الأنف المستمر من الجانبين أو من جانبٍ واحد، لا يتحسن حتى مع العلاجات البسيطة. يُضاف إلى ذلك فقدان أو ضعف حاسة الشم والتذوق، إفرازاتٌ أنفية متواصلة، الإحساس بثقلٍ أو ضغط في الوجه، وصعوبة التنفس خصوصًا أثناء النوم.
يعاني المرضى أحيانًا من صداع أو شخير أثناء النوم.. هل يمكن أن تكون هذه علاماتٌ مرتبطة باللحميات؟
نعم، اللحميات قد تكون سببًا مباشرًا في الصداع أو الشخير، وذلك بسبب انسداد مجرى الهواء وضغطها على فتحات الجيوب الأنفية. لكن من المهم التأكيد أن هذه الأعراض ليست خاصة باللحميات وحدها، فقد تظهر أيضًا مع التهابات الجيوب المزمنة، اعوجاج الحاجز الأنفي، أو حتى الحساسية الأنفية. لذلك لا يمكن الاعتماد على الصداع أو الشخير فقط للتشخيص، بل يلزم الفحص السريري بالمنظار وأحيانًا الأشعة المقطعية لتحديد السبب بدقة.
أما بالنسبة لطبيعة الصداع المرتبط بالجيوب الأنفية، فهو غالبًا صداعٌ ضاغط أو ثِقلي، يشعر به المريض في الجبهة، حول العينين، أو في الوجه خاصةً عند الانحناء للأمام. وقد يُصاحبه انسداد أنف، إفرازات، أو إحساسٌ بالامتلاء في الرأس. يختلف هذا الصداع عن الشقيقة (الصداع النصفي) الذي يكون نابضًا ويميل للارتباط بالغثيان أو الحساسية للضوء.
ما هو النهج العام لإدارة مرضى اللحميات الأنفية في الدولة؟
في الإمارات يُتَبع نهجٌ متكامل، يجمع بين التشخيص الدقيق والعلاج المتدرج. يبدأ التشخيص عادةً بالفحص الإكلينيكي باستخدام المنظار الأنفي، ثم يُطلب التصوير المقطعي للجيوب لتحديد مدى انتشار اللحميات. وفي بعض الحالات تُجرى فحوصات دم لقياس مؤشرات الالتهاب، مثل اليوزينوفيلات أو بعض الأجسام المناعية، مما يساعد على تحديد شدة الحالة واختيار العلاج الأنسب.
أما من ناحية العلاج، فالخط الأول هو العلاج الدوائي باستخدام بخاخات الكورتيزون الموضعية لتقليل التورم، مع أدوية مضادة للحساسية أو المضادات الحيوية عند الحاجة. وإذا لم يستجب المريض بشكل كافٍ، يتم اللجوء إلى الجراحة بالمنظار لإزالة اللحميات وتوسيع فتحات الجيوب.
في السنوات الأخيرة ظهر العلاج البيولوجي كخيارٍ متطور لمرضى اللحميات الأنفية، خصوصًا المصابين بالربو أو الالتهاب التحسسي الشديد.

مع موسم السفر والعودة للروتين، ما أهم الاعتبارات لمرضى الحساسية واللحميات؟
من المهم جدًا أن يلتزم المريض بالبخاخات والأدوية حتى أثناء السفر. في الطائرة، يجب استخدام محلول ملحي لترطيب الأنف بسبب الجفاف؛ كما يُنصح بتجنب التغيرات المفاجئة في درجات الحرارة، والحرص على حمل الأدوية الأساسية في حقيبة اليد. وعند العودة للروتين، يُفضّل تثبيت مواعيد النوم والابتعاد عن الإرهاق لأنه يُضعف المناعة.
هل هناك تطوراتٌ حديثة في العلاج؟
نعم، التطورات الأهم حاليًا هي "الأدوية البيولوجية" وهي حقنٌ موجهة ضد بعض المواد المناعية المسؤولة عن الالتهاب. أثبتت هذه الأدوية فعاليتها، خاصةً عند المرضى الذين لديهم ربو أو حساسية شديدة، وتُقلَل الحاجة للجراحة وتؤخر تكرار اللحميات. هذا العلاج يعتمد على حقنٍ تُعطى دوريًا، تستهدف جزيئات محددة في جهاز المناعة مثل الإنترلوكينات ( IL-4، IL-5، IL-13. ). الهدف منها تقليل فرط الاستجابة المناعية التي تُسبَب الالتهاب وتشكَل اللحميات، وقد أثبتت هذه الأدوية قدرتها على تقليل حجم اللحميات وتحسين التنفس وتقليل الحاجة للجراحة.
ما نِسب نجاح الجراحة؟ وهل تختلف بحسب حجم اللحميات أو تكرارها؟
الجراحة بالمنظار ناجحةٌ جدًا في إزالة اللحميات وتحسين التنفس وإعادة حاسة الشم، ونِسب النجاح الأولية عالية، وقد تتجاوز 80–90%. لكن التحدي أن اللحميات قد تعود بعد سنوات، خصوصًا إذا كان المريض مصابًا بالربو أو الحساسية. حجم اللحميات ودرجة الالتهاب تُحدد صعوبة الجراحة وفرصة التكرار.
بعيدًا عن الأدوية، ما الاستراتيجيات لمرضى الربو لإدارة حالتهم؟
يحتاج المريض لرؤية شمولية: الالتزام بالرياضة المنتظمة لكن غير المُجهدة، الحفاظ على وزن صحي، الإقلاع عن التدخين، تجنب الغبار والعطور القوية، والاهتمام بالصحة النفسية؛ لأن التوتر يزيد الأعراض. كما أن تنظيم النوم والطعام له دورٌ مهم.
يحتاج هؤلاء المرضى أيضًاللالتزام الدقيق بالعلاج المزدوج (للربو واللحميات)، ثانيًا المتابعة المنتظمة مع الطبيب حتى لو شعروا بتحسن، ثالثًا تجنَب المُثيرات مثل الغبار والعطور، ورابعًا عدم إهمال أي فقدانٍ للشم أو انسداد أنفٍ طويل، لأنه قد يشير إلى عودة اللحميات. يعتمد الحفاظ على نوعية حياة جيدة على الانضباط والوعي الذاتي.
ما أكثر المواقف المؤثرة التي صادفتكِ مع مرضى اللحميات؟
من المواقف التي لا أنساها أبدًا، حالة مريض كان يعاني منذ سنواتٍ طويلة من انسدادٍ شديد بالأنف، وفقدانٍ شبه كامل لحاسة الشم، إضافة إلى ربو متكرر يجعله يزور الطوارئ باستمرار. خضع هذا المريض لعمليتين جراحيتين لإزالة اللحميات، لكنها عادت بسرعة وأرهقتهُ نفسيًا وجسديًا. وعندما بدأنا معه العلاج البيولوجي، وبعد عدة أسابيع فقط، أخبرني أنه لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات استطاع أن يتنفس بسهولة دون انقطاع، وأنه شعر برائحة القهوة التي كان يفتقدها منذ زمنٍ طويل. كان تأثير العلاج على حياته واضحًا؛ فقد قلت نوبات الربو بشكلٍ ملحوظ، وعادت له طاقته ونشاطه اليومي. هذه التجربة جعلتني أقدّر قيمة العلاجات الحديثة، وكيف يمكن أن تغيّر حياة المرضى بشكل جذري.

هل يمكن أن يؤثر إهمال العلاج على صحة المريض؟
بالتأكيد، إن إهمال علاج اللحميات الأنفية لا يقتصر أثره على انسداد الأنف أو ضعف الشم فحسب، بل قد يمتد ليؤثر في حياة المريض اليومية وصحته العامة. فالمصاب باللحميات يعاني عادةً من اضطرابات النوم بسبب الشخير أو انقطاع النفس الليلي، ما يؤدي إلى صداعٍ متكرر وإرهاقٍ دائم ونقصٍ في التركيز.
كما أن ضعف التنفس الليلي ينعكس على المزاج والقدرة على الإنتاج في العمل والدراسة؛ يُضاف إلى ذلك فقدان حاسة الشم وما يتبعه من ضعف التذوّق، وهو أمرٌ لا يقتصر على فقدان المتعة بالطعام بل يمتد ليؤثر على السلامة المنزلية لعدم تمييز روائح مهمة كالدخان أو تسرب الغاز. ومع الوقت قد تتكرر التهابات الجيوب وتزداد نوبات الربو سوءًا، في حين يضطر المريض إلى التنفس الفموي الذي يُسبَب جفاف الحلق وبحة الصوت. وفي بعض الحالات الشديدة وغير المعالجة قد تتطور مضاعفاتٌ خطيرة حول العين أو داخل الجمجمة، وإن كانت نادرة، لكنها تؤكد أهمية التشخيص والعلاج المبكرين.
ما رسالتكِ لقارئات "هي" ممن قد يتجاهلنَ أعراض اللحميات؟
لا تتعاملي مع الانسداد المزمن وكأنه أمرٌ طبيعي أو مجرد زكام لا ينتهي. فاللحميات يمكن تشخيصها بسهولة بواسطة الفحص بالمنظار والتصوير المقطعي، بل وحتى بعض فحوصات الدم إذا لزم الأمر؛ وخيارات العلاج اليوم متعددة وفعالة، تبدأ بالبخاخات الموضعية وتنتهي بالجراحة بالمنظار أو العلاج البيولوجي الحديث الذي أحدث نقلةً نوعية في السيطرة على المرض. الاعتناء بالبيئة المحيطة وتجنب المهيجات والالتزام بنمط حياة صحي كلها خطوات داعمة، لكن الأساس هو عدم تأجيل مراجعة الطبيب. فاستعادة القدرة على التنفس براحة، والنوم العميق، وحاسة الشم المفقودة، ليست رفاهية بل هي حقٌ أساسي لكل مريض، وخطوةٌ واحدة نحو التشخيص قد تُغيّر جودة الحياة بالكامل.