
لتجنب عودة المرض والتنَعم بالحياة: ما قواعد التغذية الصحيحة بعد علاج سرطان القولون؟
لا يمكننا الحديث عن الأمراض السرطانية، دون التطرق إلى الأرقام والإحصاءات العالمية الأخيرة؛ والتي تُظهر تطوراتٍ متسارعة إن لجهة الإنتشار (للأسف) أو لناحية التشخيص والعلاج الذي ولحسن الحظ، يشهد تسارعًا مماثلًا لجهة البحوث والدراسات، وكذلك لإدخال التكنولوجيات الحديثة والذكاء الاصطناعي ضمن طرق العلاج لتحسين جودة الحياة وتقليص أعداد الوفيات.
يُمثَل السرطان عبئًا عالميًا، ليس فقط على الأفراد وإنما على الحكومات والمؤسسات الصحية والخدماتية على حد سواء. ووفق أخر الإحصاءات وخلال عام 2022، تمَ تسجيل 20 مليون حالة جديدة من السرطان عالميًا، مع 9.7 مليون وفاة مرتبطة بالمرض. ويبقى سرطان الرئة في مقدمة هذه الإصابات مع تسجيل 2.5 مليون حالة جديدة، ما يجعله السرطان الأكثر انتشارًا على مستوى العالم. بجانب سرطان الثدي (2.2 مليون حالة جديدة)، وسرطان القولون والبروستاتا (1.9 مليون حالة جديدة) محور حديثنا اليوم.
يشهد واقع سرطان القولون والمستقيم تحولاتٍ مُقلقة على المستوى العالمي، خصوصًا لدى الفئات العمرية الأصغر سنًا؛ فهو ثالث أكثر أنواع السرطان شيوعًا عالميًا، ويُمثَل حوالي 10% من جميع حالات السرطان. وهو أيضًا ثاني سبب رئيسي للوفيات المرتبطة بالسرطان حول العالم. وأظهرت دراسةٌ حديثة أن معدلات الإصابة بسرطان القولون ارتفعت بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و29 عامًا في 27 دولة من أصل 50 شملتها الدراسة، بما فيها الولايات المتحدة، نيوزيلندا، وتشيلي.
لكن الجانب الجيد من هذه الصورة القاتمة، إن صحَ التعبير؛ يكمن في إمكانية علاج سرطان القولون في مراحله الأولى. ليبدأ من بعدها التركيز على محورٍ أساسي يعمل عليه الطبيب والمرضى ومحيطهم، ألا وهو تجنب عودة المرض من جديد؛ والركيزة الأهم في هذه المسألة هي موضوع التغذية التي يُطلعنا عليها الدكتور لؤي الرويلي، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي والكبد في مستشفى ريم أبوظبي https://www.reemhospital.com/ar/doctors/dr-louay-roueli/.
إنما البداية، دعينا نتعرف معًا عزيزتي، على ماهية سرطان القولون؛ أسبابه وأعراضه وطرق تشخيصه وعلاجه مع الدكتور الرويلي.

ما هو سرطان القولون؟
يُعدّ من أكثر السرطانات شيوعًا على مستوى العالم، وهو مسؤول عن نسبةٍ مرتفعة من الوفيات المرتبطة بالأورام الخبيثة. وتشير الدراسات المنشورة في قاعدة بيانات PubMed إلى أن الكشف المبكر عن هذا النوع من السرطان، واتباع أسلوب حياةٍ صحي، يرفعان من نسب النجاة بشكلٍ كبير.
يبدأ سرطان القولون عادةً بظهور زوائد صغيرة تُسمّى "السلائل" على جدار القولون الداخلي، والتي قد تتحول إلى أورامٍ سرطانية مع مرور الوقت إذا لم تُستأصل. العوامل الوراثية، العادات الغذائية غير الصحية، قلة الحركة، والتدخين جميعها تلعب دورًا في زيادة احتمالية الإصابة بهذا المرض، لذا من الضروري التنبه إليها جيدًا.
ما هي أسباب وعوامل خطورة سرطان القولون؟
بحسب الدكتور الرويلي، فإن الأبحاث الطبية توضح أن من أبرز الأسباب التي تزيد خطر الإصابة بهذا النوع من السرطان:
1. التاريخ العائلي للمرض أو الإصابة السابقة بالسلائل.
2. النظام الغذائي الغني بالدهون الحيوانية واللحوم الحمراء.
3. انخفاض معدل استهلاك الألياف الغذائية.
4. السُمنة وقلة النشاط البدني.
5. التدخين وشرب الكحول.
كما بيّنت دراساتٌ نُشرت في Journal of Clinical Oncology أن العوامل البيئية والغذائية يمكن أن تكون مسؤولةً عن أكثر من 50% من حالات سرطان القولون.
ما أكثر الأعراض الشائعة لمرض سرطان القولون؟
يمكن أن تختلف الأعراض من شخصٍ لآخر، يؤكد الدكتور الرويلي؛ لكنها في العموم تشمل:
• تغيَرات في عادات التبَرز (مثل الإمساك أو الإسهال المتكرر).
• نزول دم مع البراز أو حدوث نزيف شرجي.
• الشعور بآلام أو تقلصات في البطن.
• فقدان وزن غير مُبرر.
• إرهاق وتعب مستمرين.
كيف يتم تشخيص وعلاج سرطان القولون؟
يعتمد العلاج على مرحلة المرض، يشرح أخصائي الجهاز الهضمي والكبد في مستشفى ريم أبوظبي؛ وتشمل الخيارات:
1. الجراحة: وهي الخيار الأول لإزالة الورم.
2. العلاج الكيميائي: للحد من انتشار الخلايا السرطانية.
3. العلاج الإشعاعي: خاصةً في حالات الأورام المنتشرة.
4. العلاج المناعي والموجّه: وهي تقنياتٌ حديثة أظهرت نجاحًا متزايدًا في علاج المصابين بسرطان القولون.
وبعد إتمام العلاج، يبدأ التحدي الأكبر ألا وهو منع عودة المرض. وهنا يبرز دور التغذية السليمة ونمط الحياة الصحي.
كيف تلعب التغذية كعاملٍ وقائي بعد علاج سرطان القولون؟
تشير العديد من الدراسات السريرية المنشورة في PubMed إلى أن اتبَاع نظامٍ غذائي متوازن وغني بالعناصر الطبيعية، يُقلَل من خطر عودة سرطان القولون بنسبةٍ تصل إلى 30%. الغذاء لا يُوفّر الطاقة فقط، يضيف الدكتور الرويلي؛ بل يلعب كذلك دورًا محوريًا في تقوية المناعة ومقاومة الالتهابات وتعزيز صحة القولون.

الأطعمة التي يُنصح بتناولها بعد التخلص من سرطان القولون هي الآتية:
• الخضروات والفواكه الطازجة: كونها تحتوي على مضادات أكسدة قوية مثل فيتامين C وبيتا كاروتين، التي تحمي الخلايا من التلف. البروكلي، القرنبيط، الجزر، السبانخ، والتوت من أبرز الأمثلة.
• الحبوب الكاملة: مثل الشوفان، الأرز البني، والكينوا. هذه الأطعمة غنية بالألياف التي تساعد في تحسين حركة الأمعاء وتقليل خطر تكوّن الأورام.
• البقوليات: كالعدس، الفاصولياء، والحمص تعتبر مصادر ممتازة للبروتين النباتي والألياف، وتساهم في استقرار مستوى السكر والدهون بالدم.
• الأسماك الغنية بالأوميغا 3: وتتضمن السلمون، السردين، والماكريل؛ وهي تُقلَل من الالتهابات وتُعزَز صحة القلب والأمعاء.
• المكسرات والبذور: مثل اللوز، الجوز، بذور الكتان والشيا؛ غنية بالدهون الصحية التي تُقلَل من الالتهاب وتدعم المناعة.
• السوائل والماء: يُنصح بشرب 8 أكواب من الماء يوميًا، للمساعدة ليس فقط في ترطيب الجسم وإنما أيضًا تحسين الهضم ومنع الإمساك.
في المقابل؛ ينصحنا الدكتور الرويلي بوجوب تجنب الأطعمة التالية والتي تزيد من خطر عودة سرطان القولون:
1. اللحوم الحمراء والمُصنّعة: مثل النقانق، البرغر، واللحوم المُدخنة. وقد صنَفت منظمة الصحة العالمية هذه الأطعمة ضمن العوامل المسرطنة المؤكدة.
2. الأطعمة الدهنية والمقلية: كونها تزيد من الالتهابات في الجسم وتؤثر سلبًا على عمل وقوة جهاز المناعة.
3. السكريات المكررة والحلويات: يؤدي الإفراط في تناول هذه الأطعمة إلى السُمنة، كما يُضعف مقاومة الجسم.
4. المشروبات الكحولية: وتُعد من أبرز مُسببات السرطان وعودته وفق دراساتٍ واسعة.
5. الأطعمة شديدة المُعالجة: ومنها الوجبات السريعة، المعلبات، والرقائق الغنية بالدهون الصناعية.
ما هي أبرز النصائح الحياتية للوقاية من سرطان القولون؟
لن نعود لتكرار الإسطوانة ذاتها: الوقاية خيرٌ من قنطار علاج؛ لكن لا ضير من الحديث عنها مجددًا في موضوع حماية أنفسنا ومن نحب من مرض سرطان القولون.
والوقاية تتمثل في بعض النقاط الرئيسية، يُلخَصها لكِ الدكتور الرويلي على النحو التالي:
1. حافظي على وزنٍ صحي: فقد أظهرت دراسات أن السُمنة تزيد خطر عودة السرطان بنسبة 20 – 30%.
2. مارسي النشاط البدني: إن 30 دقيقة يوميًا من المشي أو الرياضة، كفيلةٌ بتقليل الالتهابات وتعزيز مناعتكِ.
3. قومي بالفحوصات الدورية: فالالتزام بالكشف الطبي المنتظم أمرٌ أساسي لاكتشاف أي مؤشرات مُبكرة للمرض.
4. عزَزي الدعم النفسي: فالحالة النفسية الجيدة تُقلَل من الإجهاد الذي قد يؤثر على جهاز المناعة.

في الخلاصة؛ فإن رحلة النجاة من سرطان القولون لا تنتهي مع العلاج، بل تبدأ بعدها مرحلةٌ جديدة يكون فيها النظام الغذائي ونمط الحياة بمثابة خط دفاعٍ أول ضد عودة المرض.
الالتزام بتناول غذاء صحي غني بالخضروات، الفواكه، الحبوب الكاملة، الأسماك، وتقليل اللحوم المصنعة والدهون المشبعة، كلها عوامل تساهم في حماية القولون ومنح المرضى حياةً أطول وأكثر صحة. وما يؤكده الباحثون في PubMed من أن الغذاء يمكن أن يكون سلاحًا وقائيًا فعالًا، وأن المرضى قادرون عبر خياراتهم اليومية البسيطة، كتابة فصلٍ جديد خالي من المرض والتنعم بحياةٍ أفضل.