
قوةٌ تحويلية هائلة.. تعرفي على قدرات الموسيقى في علاج الأمراض العقلية والنفسية
الموسيقى، واحدة من أعظم الهدايا للإنسانية، ولغةٌ عالمية تتجاوز الثقافات والعواطف، بل وحتى الزمن. كانت وستبقى، جزءًا لا يتجزأ من تاريخ البشرية، متطورةً عبر أنواع وأساليب موسيقية لا تُحصى، من السيمفونيات الكلاسيكية إلى الإيقاعات الإلكترونية الحديثة. في جوهرها، الموسيقى مزيجٌ من اللحن والتناغم والإيقاع والديناميكيات، تعمل جميعها معًا لخلق تجربة تُلهم، وتُشفي، وتُنشط، وتُهدئ. يمكن أن تكون الموسيقى شخصيةً للغاية، تعكس المشاعر والذكريات؛ أو جماعية، تجمع الناس في احتفالاتٍ أو احتجاجاتٍ أو لحظات فرح مشتركة.
لكل ثقافةٍ تقاليدها الموسيقية الفريدة، التي تشكلت بفعل التاريخ والجغرافيا. على سبيل المثال، غالبًا ما تتميز موسيقى الشرق الأوسط بألحانها المُعقدة التي تُعزف على آلاتٍ مثل العود والقانون؛ فيما تُركَز الموسيقى الكلاسيكية الغربية على التوزيع الموسيقي والتأليف الموسيقي المُنظَم.

كما تلعب الموسيقى دورًا رئيسيًا في العلوم وعلم النفس. وتُظهر الدراسات أن الاستماع إلى الموسيقى يُحسّن المزاج، ويُعزَز الوظائف الإدراكية، بل ويُعزز الإنتاجية. ويستكشف بعض الباحثين فوائدها العلاجية، حيث يستخدمون الموسيقى للمساعدة في تخفيف القلق، وفقدان الذاكرة، وتحسين الصحة النفسية بشكل عام.
لطالما احتلت الموسيقى مكانةً خاصة في حياتنا، وشكلت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الإنسانية لقرون. وسواءً كنا نستمع إلى أغانينا المفضلة دون وعيٍ أو نُشارك بنشاط في تأليفها بالغناء أو العزف على الآلات الموسيقية، فإن للموسيقى تأثيرًا عميقًا على نمونا الاجتماعي والعاطفي ورفاهيتنا بشكل عام.
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن التفاعل مع الموسيقى لا يُشكل هويتنا الشخصية والثقافية فحسب، بل يلعب دورًا أيضًا في تنظيم مزاجنا. وقد وجدت مراجعةٌ وتحليلٌ تلوي، أُجريا عام 2022 للعلاج بالموسيقى، تأثيرًا إيجابيًا بشكلٍ عام على النتائج المرتبطة بالتوتر. علاوة على ذلك، يمكن استخدام الموسيقى للمساعدة في معالجة اضطرابات الصحة العقلية والإدمان.
في مقالة اليوم، نستعرض سويًا عزيزتي للقوة التحويلية للموسيقى على الصحة النفسية والعقلية، وقدرتها الفائقة على علاج أمراضنا النفسية بشكلٍ فعال؛ وذلك تزامنًا مع احتفاء العالم بشهر الموسيقى الذي يُصادف شهر يونيو من كل عام، إيمانًا منا في "هي" بقدرة الموسيقى الرائعة على التأثير الإيجابي في حياتنا وتغييرها نحو الأفضل.
كيف تسهم الموسيقى بعلاج أمراضنا العقلية والنفسية؟
كم مرةً كنتِ غارقةً في الحزن والكآبة، لتأتي أغنيتكِ المفضلة على الراديو؛ فتبدأين بالغناء والدندنة، وتجدي نفسكِ تخرجين من حالة الغم إلى فضاءاتٍ واسعة من الراحة؟
يُعدّ العلاج بالموسيقى أداةً فعّالة لتحسين الصحة النفسية؛ فهو يُخفّف القلق والاكتئاب، ويُعزّز الرفاهية العاطفية. ويمكن لأنماط الموسيقى المختلفة أن تُؤثّر بسرعة على المزاج، مُساعدةً الناس على معالجة مشاعرهم، من السعادة إلى الهدوء وحتى الحزن.
وتُسهم الموسيقى في علاج أمراضنا العقلية والنفسية، بطرقٍ عدة؛ منها ما أورده موقع psychiatry.org على النحو الآتي:
1. الشفاء من الصدمات وبناء المرونة
أظهر العلاج بالموسيقى نتائج واعدة في توفير بيئةٍ آمنة وداعمة للتعافي من الصدمات النفسية وبناء القدرة على الصمود، مع خفض مستويات القلق وتحسين أداء الأفراد المصابين بالاكتئاب.
العلاج بالموسيقى هو تدخلٌ علاجي قائم على الأدلة، يستخدم الموسيقى لتحقيق أهداف صحية وتعليمية؛ مثل تحسين الصحة النفسية، وتخفيف التوتر، وتقليل الألم. ويُقدَم العلاج بالموسيقى في بيئاتٍ مثل المدارس والمستشفيات. وتدعم الأبحاث أن المشاركة في أنشطة تأليف الموسيقى، مثل حلقات الطبول، وتأليف الأغاني، أو الغناء الجماعي، يمكن أن تُسهّل التحرر العاطفي، وتُعزَز التأمل الذاتي، وتخلق شعورًا بالانتماء للمجتمع.
2. تعزيز التواصل والدعم الاجتماعي
يمكن للموسيقى أيضًا أن تُحفّز التواصل والدعم الاجتماعي، فتكسر الحواجز وتُجسَر الهوة بين الناس. وتشير الأدلة الناشئة إلى أن للموسيقى القدرة على تعزيز السلوك الإيجابي، والترابط الاجتماعي، وتطوير الكفاءة العاطفية. كما يمكن للمجتمعات الاستفادة من قدرة الموسيقى الفطرية على ربط الناس وتعزيز الشعور بالانتماء، من خلال البرامج الموسيقية ومبادرات التعليم الموسيقي.

يمكن لهذه الأنشطة أن تُهيئ مساحاتٍ شاملة، حيث يمكن للأشخاص من خلفياتٍ متنوعة أن يجتمعوا ويتعاونوا ويبنوا علاقاتٍ قائمة على الاهتمامات الموسيقية المشتركة. وتُعزز هذه التجارب التماسك الاجتماعي، وتُكافح الوحدة، وتُوفر شبكة دعمٍ يُمكن أن تُؤثر إيجابًا على الصحة العامة.
من أهم فوائد العلاج بالموسيقى الأخرى الواجب الإضاءة عليها:
• تخفيف التوتر: فالاستماع إلى الموسيقى يُخفَض مستويات الكورتيزول، وهو الهرمون المرتبط بالتوتر.
• تحسين الوظائف الإدراكية: تُساعد الموسيقى على تعزيز عمليات الذاكرة والتركيز، خاصةً للأشخاص الذين يُعانون من اضطراباتٍ عصبية مثل الزهايمر أو باركنسون.
• التعبير العاطفي: تُوفَر الموسيقى منفذًا آمنًا للتعبير عن المشاعر، وهو أمرٌ مفيد بشكلٍ خاص لمن يُعانون من الصدمات أو الاضطرابات النفسية.
• إعادة التأهيل البدني: تُساعد العناصر الإيقاعية في الموسيقى على الحركة والتنسيق، مما يجعلها مفيدةً في العلاج الطبيعي.
ويشمل العلاج بالموسيقى الاستماع إلى الموسيقى، أو العزف على الآلات الموسيقية، أو الغناء، أو حتى الرقص. فهو يُنشَط مناطق متعددة من الدماغ، بما في ذلك تلك المسؤولة عن المشاعر والذاكرة ومعالجة المكافآت.
ما هي أنواع العلاج بالموسيقى المتوفرة؟
يأتي العلاج بالموسيقى بأشكالٍ مختلفة، كلٌ منها مُصمَم خصيصًا لتلبية احتياجات وأهداف علاجية مختلفة. إليكِ بعض الأنواع الشائعة:
1. العلاج بالموسيقى التحليلية: يشجع الأفراد في التعبير عن أفكارهم اللاواعية، من خلال حوارٍ موسيقي مرتجل، يُناقش بعد ذلك مع المُعالج.
2. العلاج بالموسيقى على طريقة بينينزون: يجمع بين التحليل النفسي وتأليف الموسيقى، مما يساعد الأفراد على إيجاد "هويتهم الموسيقية الصوتية" التي تعكس حالتهم النفسية.
3. العلاج بالموسيقى السلوكي المعرفي (CBMT): يدمج العلاج مع الموسيقى لتعزيز السلوكيات الإيجابية وتعديل السلوكيات السلبية.
4. العلاج بالموسيقى المجتمعي: يُركَز على التغيير الاجتماعي والمشاركة المجتمعية من خلال تأليف الموسيقى الجماعية.
5. العلاج بالموسيقى على طريقة نوردوف-روبنز: يُعرف أيضًا بالعلاج بالموسيقى الإبداعية؛ ويتضمن هذا الأسلوب العزف على الآلات الموسيقية بمرافقة المُعالج، مما يُعزَز التعبير عن الذات.
6. العلاج بالموسيقى التقبلية: يتضمن الاستماع إلى الموسيقى لاستحضار المشاعر والذكريات والاسترخاء.
7. العلاج بالموسيقى النشطة: يُشجَع الأفراد على تأليف الموسيقى، من خلال الغناء أو العزف على الآلات الموسيقية أو التأليف.
ويخدم كل نهج من المناهج، أغراضًا علاجية مختلفة؛ من الشفاء العاطفي إلى التطور المعرفي.

الأمر الجميل اليوم، يُستخدم العلاج بالموسيقى على نطاقٍ واسع في المستشفيات لتحسين صحة المرضى، وتخفيف التوتر، ودعم تعافيهم. ويُطبّق بطرق مختلفة، منها:
• إدارة الألم: تُعدّ الموسيقى مُسكنًا طبيعيًا للألم، مما يُساعد المرضى على تحمّل الألم بشكلٍ أفضل، خاصةً بعد الجراحة أو أثناء العلاجات مثل العلاج الكيميائي.
• تخفيف القلق والتوتر: يُمكن للاستماع إلى موسيقى هادئة، أن يُخفّض هرمونات التوتر ويُهيئ بيئةً مُريحةً في المستشفى.
• الدعم العاطفي: غالبًا ما يُعاني المرضى الذين يُعانون من أمراضٍ خطيرة أو إقاماتٍ طويلة في المستشفى من ضائقة عاطفية. لذا يُساعدهم العلاج بالموسيقى على التعبير عن مشاعرهم والتأقلم مع وضعهم.
• التحفيز المعرفي والحسي: يُحسّن العلاج بالموسيقى الوظائف الإدراكية والمهارات الحركية والوعي الحسي للمرضى الذين يُعانون من حالاتٍ عصبية.
• الرعاية التلطيفية: في دور رعاية المُسنين، يُوفّر العلاج بالموسيقى الراحة للمرضى المُصابين بأمراضٍ مُزمنة، مُخفّفًا الألم ومُحسّنًا جودة حياتهم.
• دعم طواقم الرعاية الصحية وعائلاتهم: قد تُشكّل المستشفيات بيئاتٍ مُرهقة، لذا فإن العلاج بالموسيقى يُساعد مُقدّمي الرعاية والطاقم الطبي على إدارة مشاعرهم.
في الخلاصة؛ فإن للموسيقى قدرة سحرية على تعديل وتغيير المزاج العام من سيء إلى جيد. ليس ذلك فحسب، بل إن العلاج بالموسيقى قد أثبت فعاليةً كبيرة في علاج العديد من الأمراض العقلية والنفسية، ويتم تطبيقه في المستشفيات للتخفيف من الألم ومساعدة طواقم العمل الطبي على إدارة مشاعرهم في بيئاتٍ مرهقة وضاغطة.
لذا لا ضير من اللجوء إلى الموسيقى، بين الحين والآخر، وحسب نوعية الموسيقى التي تحبين؛ للخروج من الضائقة النفسية التي قد تداهمكِ جراء ضغوطات الحياة وتجعلكِ عرضةً للاضطراب العقلي والنفسي، بغية الارتقاء بصحتكِ النفسية وتحسين جودة ورفاه حياتكِ نحو الأفضل.