
لا تدعي القاتل الصامت يُهدَد حياتكِ.. وتعرفي معنا على كيفية الوقاية من ارتفاع ضغط الدم
منذ فترة، عانيتُ بشكل مفاجئ من ارتفاع ضغط الدم؛ كان هذا الارتفاع يُصاحب في كل مرة، نوبة الصداع النصفي التي تُصيبني جراء التمرين الرياضي غير المعتاد، وعندما لم تعد الأدوية تفيد كما في السابق، سارعتُ لقياس ضغطي لأجده على حافة 150.
بالطبع، ذعرتُ من فكرة إصابتي بارتفاع ضغط الدم؛ وتوجهتُ للطبيبة المعالجة، التي أجرت لي كافة الفحوصات اللازمة، ليتبين من بعدها أن صحة قلبي وضغطي بخير، وأن نوبات الشقيقة القوية قد تكون السبب في حدوث هذا الارتفاع المخيف.
لماذا نخافُ من ضغط الدم المرتفع؟ لأنه بكل بساطة، قد يتسبب لنا بسكتة دماغية أو نوبة قلبية، في حال لم تتم معالجته وضبطه بشكلٍ سريع وفعال. يصادف غدًا السبت، اليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم؛ وهو مناسبة عالمية تهدف إلى زيادة الوعي حول أهمية التشخيص المبكر وإدارة ارتفاع ضغط الدم؛ ويُعدّ هذا اليوم فرصةً ذهبية للتركيز على الوقاية من مضاعفات ارتفاع ضغط الدم، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكتات الدماغية.
لا شك في أن الكثيرين مثلي، إما عانوا من ارتفاعاتٍ غير اعتيادية لضغط الدم، أو لديهم أقارب أو تاريخ عائلي لهذا المرض، ويسعون لتثقيف أنفسهم جيدًا حوله ومعرفة كيفية الوقاية منه؛ لهذا اخترتُ أنا محررة "هي" اليوم، التطرق إلى هذا الموضوع الصحي الهام من خلال الإضاءة على طبيعته وأسبابه وخطورته وبالتأكيد، الوقاية منه من خلال معلومات شاركتنا بها كلية الطب في جامعة سانت جورج في غرينادا حول وضع ارتفاع ضغط الدم في دولة الإمارات، إضافةً إلى معلوماتٍ عامة خصَها بنا الدكتور خلدون طه؛ استشاري أمراض القلب من مستشفى فقيه الجامعي في دبي.
ما هو ضغط الدم؟

وفقًا للدكتور خلدون، ضغط الدم هو القوة التي يضغط بها الدم على جدران الشرايين أثناء ضخ القلب. ويُقاس برقمين:
- الرقم الأعلى (الانقباضي): ويشير إلى الضغط أثناء انقباض القلب.
- الرقم الأسفل (الانبساطي): ويُعبَر عن الضغط عندما يرتاح القلب بين النبضات.
القيمة المثالية تكون 120/80 ملم زئبقي؛وعند تجاوز 130/80 بانتظام، يبدأ القلق الطبي، ومع استمرار الارتفاع يُصنف الشخص كمريض ضغط دمٍ مرتفع.
ما هو ارتفاع ضغط الدم؟
يُعدَ ارتفاع ضغط الدم، وهو حالةٌ مرضية تُعرف أيضًا باسم فرط ضغط الدم، من الأمراض الأكثر شيوعًا بين أمراض القلب والأوعية الدموية على مستوى العالم. كما يُعتبر من أبرز المُسببات، التي يمكن الوقاية منها، والتي تُسهم بشكلٍ كبير في الإصابة بالسكتات الدماغية وأمراض القلب والأمراض المتعلقة بالكلى وحالات الوفاة.
تشير بيانات المكتبة الوطنية للطب، إلى أن ارتفاع ضغط الدم مسؤول عن حوالي 9.4 مليون حالة وفاة سنويًا، أي ما يُقارب نصف الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية. واستجابةً لذلك، وضعت منظمة الصحة العالمية هدفًا لخفض معدل انتشار ارتفاع ضغط الدم عالميًا بنسبة 25% بحلول نهاية عام 2025، مع التركيز على استراتيجياتٍ مثل الحد من تناول الملح وتنفيذ تدخلاتٍ أوسع في مجال الصحة العامة.
ويبرز ارتفاع ضغط الدم في دولة الإمارات العربية المتحدة كأزمةٍ صحية صامتة نتيجةً لنمط الحياة السريع والتحضَر المتسارع. فيما يُعدَ ارتفاع ضغط الدم، الذي يُشار إليه غالبًا بـ "القاتل الصامت"، أكثر انتشارًا بين البالغين في دولة الإمارات، ما يؤدي إلى مخاطر صحية عامة كبيرة. وتفيد بياناتٌ صادرة عن وزارة الصحة ووقاية المجتمع في دولة الإمارات، أن حوالي 28.8% من البالغين في الدولة يعانون من ارتفاع ضغط الدم؛ وهو ما يستوجب إعداد وتنفيذ استراتيجيات شاملة تستهدف معالجة وتخفيف العوامل المساهمة في هذا الوضع الصحي.
ما الفرق بين الضغط المؤقت والضغط المزمن؟

يشير الدكتور خلدون إلى أن الضغط المؤقت قد يرتفع نتيجة التوتر أو التعب أو النشاط البدني المفاجئ،ليعود بعده لوضعه الطبيعي.أما الضغط المزمن فيبقى مرتفعًا لفتراتٍ طويلة دون عودة للوضع الطبيعي، وهو ما يستدعي علاجًا دائمًا.
مع الإشارة إلى أن الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم هم على النحو التالي:
- من لديهم تاريخ عائلي للمرض.
- كبار السن (فوق 55 عامًا).
- مرضى السكري والكوليسترول.
- المدخنون.
- من يعانون قلة الحركة أو السمنة.
- من يتَبعون نظامًا غذائيًا غير صحي، عالي الملح والدهون.
ما هي أسباب ارتفاع ضغط الدم في الإمارات؟
الأطعمة والضغط النفسي من أبرز العوامل المساهمة، بحسب ما أفادت كلية الطب في جامعة سانت جورج. فقد أدى الانتشار المتزايد للوجبات السريعة والوجبات الخفيفة المُصنّعة ومشروبات الطاقة والوجبات الغنية باللحوم الحمراء، إلى تحويل الأنظمة الغذائية التقليدية إلى أنماطٍ غذائية تنطوي على مخاطر صحية كبيرة على المدى الطويل.
ولا يقتصر ارتفاع ضغط الدم على كونه مشكلة غذائية فحسب؛ بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بضغوط الحياة والإجهاد النفسي. فتَكَاليف المعيشة المرتفعة، والازدحام المروري، والإرهاق الرقمي، وساعات العمل الطويلة، كلها عوامل مساهمة في تفاقم هذه المشكلة.
تشير دراسة "العبء العالمي للأمراض" إلى وجود علاقةٍ وثيقة بين الأمراض المرتبطة بالضغط النفسي وارتفاع ضغط الدم، والتي أصبحت أكثر شيوعًا في هذه البيئات سريعة الوتيرة. علاوةً على ذلك، يُقدَر متوسط الاستهلاك اليومي للملح في دولة الإمارات بنحو 7 جرامات، وهو ما يتجاوز الحد الأقصى الذي تُوصي به منظمة الصحة العالمية والبالغ 5 جرامات؛ وتُعدَ الأطعمة المُصنعة والوجبات السريعة وتناول الطعام خارج المنزل من العوامل الرئيسية المساهمة في ارتفاع نسبة الاستهلاك.
كل هذه العوامل، تجعلنا نضع في اعتبارنا أمرًا واحدًا وأساسيًا: تحسين جودة طعامنا وطبيعة حياتنا اليومية، كي نحمي أنفسنا من هذا القاتل الصامت.
لماذا ارتفاع ضغط الدم خطير؟

من أكثر خصائص ارتفاع ضغط الدم خطورةً هي طبيعته الصامتة، بحسب جامعة سانت جورج؛ حيث يعاني العديد من الأفراد من ارتفاع ضغط الدم لسنوات دون الشعور بأي أعراضٍ ظاهرة. وربما يكون الضرر قد لحق بالجهاز القلبي الوعائي، في الوقت الذي تظهر فيه أعراضٌ مثل الصداع النصفي أو الدوخة أو مشاكل الرؤية. وبناءً على ذلك، يُعدَ الكشف المبكر أمرًا بالغ الأهمية؛ فمن الممكن أن تكون الفحوصات الصحية المنتظمة مُنقذةً للحياة. إلا أن الفحوصات الروتينية لا تزال غير مستخدمةً بشكلٍ كافٍ، خاصةً بين الفئات العمرية الأصغر التي تعتبر عادةً أن ارتفاع ضغط الدم هو مرضٌ يقتصر على كبار السن. غير أن معدلات تشخيص ارتفاع ضغط الدم في ازدياد، حتى بين من هم في أواخر العشرينات، وغالبًا ما يرتبط بالسُمنة، والتدخين، والإجهاد المُزمن.
بدوره، يصف الدكتور خلدون ارتفاع ضغط الدم بالخطر، لأنه يعمل بصمت؛ إذ قد يستمر لأشهر أو سنوات دون أعراض، ومع مرور الوقت يُسبَب:
- تصلب الشرايين مما يزيد من خطر الجلطات.
- فشل القلب نتيجة الحمل الزائد.
- سكتات دماغية بسبب تمزق أو انسداد الأوعية في الدماغ.
- فقدان البصر بسبب تأثيره على أوعية شبكية العين.
- فشل كلوي مزمن بسبب تضرر الأوعية الكلوية.
وبعض المرضى قد يعانون لاحقًا منصداع خلفي أو صباحي مستمر؛ طنين الأذن أو دوخة؛ اضطراب في الرؤية؛ نزيف من الأنف (نادرًا)؛ وألم في الصدر أو خفقان سريع.لكن في أغلب الحالات، يكون الارتفاع بدون أعراض... وهنا تكمن الخطورة.
كيف يتم تشخيص ارتفاع ضغط الدم؟
وفقًا لاستشاري أمراض القلب من مستشفى فقيه الجامعي، فإن تشخيص ارتفاع ضغط الدم سوف يتم باستخدام الأجهزة التالية:
- جهاز قياس الضغط المنزلي أو الطبي.
- إجراء عدة قراءات على فترات مختلفة.
كما قد يُطلب تخطيط قلب، تحاليل الكلى، إضافةً إلى فحص الدهون والسكري لتحديد السبب والمضاعفات.وعادةً ما يبدأ العلاج عندما يُشخص الطبيب الحالة بارتفاع ضغط الدم المزمن؛ وقد يكوندوائيًا ويعتمد على نوع الحالة وعوامل الخطر، أو سلوكيًا من خلال تغيير نمط الحياة.
لا يمكن التهاون بموضوع الدواء، يؤكد الدكتور خلدون؛ مضيفًا أن تناول أدوية الضغط في موعدها يُبقي الضغط في مستوى آمن ويمنع تقلبه. في حين أن نسيان الدواء قد يعني:
- ارتفاعٌ مفاجئ قد يؤدي لسكتة دماغية.
- إجهاد القلب أو الفشل الكلوي مع الوقت.
- فقدان فاعلية الدواء على المدى البعيد.
لذا احرصي عزيزتي أن يكون تناول الدواء عادةً يومية لا تُنسى، تمامًا كتنظيف الأسنان أو الإفطار.
كيف يمكن الوقاية من ارتفاع ضغط الدم؟

ما الأيام العالمية التي تمَ تخصيصها لأمراضٍ مثل ارتفاع ضغط الدم وغيرها، إلا تذكرةٌ وتوصية بوجوب اتباع وسائل الوقاية الممكنة، التي تساهم في حمايتكِ ومن تحبين من مخاطر هذا المرض الصامت.
وكما يقول البعض: الوقاية خير علاج؛ لذا اتبعي النصائح الآتية لتجنب الإصابة بارتفاع ضغط الدم:
- التوعية العامة: تُنظَم دولة الإمارات حملات توعية تهدف إلى الوقاية من ارتفاع ضغط الدم، من خلال التعريف بأهمية تقليل استهلاك الملح، وتعزيز النشاط البدني، بالإضافة إلى تفسير قراءات ضغط الدم لتعزيز وعي الأفراد بحالتهم الصحية. ومع ذلك، هناك حاجةٌ كبيرة لمزيدٍ من التواصل المتخصص من قبل المنظمات الكبرى، بما يتماشى مع التنوع الثقافي في المجتمع.
- الكشف المبكر: ينبغي على أطباء الرعاية الصحية الأولية، التشجيع على إجراء فحوصات ضغط الدم بانتظام. ويمكن تعزيز الالتزام بهذه الفحوصات من خلال تقديم خدمات الرعاية الصحية الرقمية، ومبادرات تعزيز الصحة في مكان العمل، ووحدات الفحص المتنقلة.
3. تغيير نمط الحياة: يُعدَ تعديل الروتين اليومي خطوةً أساسية في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم؛ ويشمل ذلك استبدال الوجبات السريعة بالفاكهة والخضروات، تقليل استهلاك اللحوم الحمراء، شرب كميةٍ كافية من الماء، وممارسة الرياضة بانتظام، بالإضافة إلى تبنّي أساليب فعّالة للحد من التوتر مثل اليوغا والتأمل.
في الختام؛ فإن الحد من انتشار ارتفاع ضغط الدم في دولة الإمارات يتطلب تضافر جهود الجميع – من الأفراد ومُقدمي خدمات الرعاية الصحية والجهات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية. فكل قرارٍ باستبدال وجبة خفيفة مالحة بأخرى صحية، وكل خطوة نحو النشاط البدني، وكل فحص دوري نحرص عليه، هي خطواتٌ حاسمة تقود المنطقة بأكملها نحو تحسين صحة القلب والصحة بشكلٍ عام.
وفي توصيةٍ طبية خاصة بقارئات "هي"، يقول الدكتور خلدون: "ارتفاع ضغط الدم قد لا يُشعركِ بألم، لكنه يُرهق قلبكِ بصمت. التحدي الأكبر في علاج الضغط ليس فقط في وصف الدواء المناسب، بل في التزام المريض بمواعيده، وفهمه لخطورة الإهمال. لذا أنصحُ كل مريضة ضغط بأن تجعل تناول دوائها عادةً لا تتغير، تمامًا كتناول وجبة الطعام. فكل جرعة دواء تُؤخذ في وقتها، هي خطوة لحماية القلب، الدماغ، والكلى من أضرار لا تُعالج بسهولة. كما أؤكد على أهمية قياس الضغط دوريًا، حتى لمن لا يعانون من أعراض، لأن الوقاية تبدأ بالوعي، والتغيير يبدأ بخطوة بسيطة... وهي الالتزام."