فلسفة الكايزن اليابانية: منهجكِ المستقبلي لصياغة شخصيتكِ المتوازنة والمتميزة مدى الحياة

هل تعلّمين أن البداية تكون بقرار، والاستمرارية تكون برغبة، والتميز يكون بتراكم التحسينات الصغيرة؟. نعم، أنتِ لست بحاجة إلى ثورة في حياتكِ، بل إلى تحسينات صغيرة مستمرة تجعل حياتكِ الشخصية أكثر صحة، توازنًا، وسعادة مدى الحياة.

وبما أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وتستمر بخطوات صغيرة كل يوم؛ لذا أنا معكِ اليوم عبر موقع "هي"لأكشف لكِ عن فلسفة الكايزن اليابانية ومدى أهميتها لتحسين حياتكِ الشخصية، وأهم مهاراتها التي ستقودكِ نحو حياة أفضل في جميع أمور حياتكِ؛ بناءً على توصيات استشاري التنمية البشرية الدكتورعلاء محسن من القاهرة.

ما هي فلسفة الكايزن اليابانية (Kaizen)ومبادئها الأساسية؟

ووفقًا للدكتور علاء، الكايزن هو مصطلح ياباني مركب من كلمتين: (Kai وتعني التغيير)، وZen)  وتعني الأفضل أو الصالح). وبالتالي، الترجمة الحرفية للكايزن هي "التغيير نحو الأفضل" أو "التحسن المستمر". في جوهرها، ليست مجرد أداة إدارية، بل هي فلسفة وحالة عقلية تهدف إلى إدخال تحسينات صغيرة ومستمرة على جميع جوانب الحياة "الشخصية، المهنية، والاجتماعية".عمومًا فكرتها الأساسية قائمة على أن التراكم البطيء والثابت لهذه التحسينات الطفيفة سيؤدي في النهاية إلى تحولات كبيرة وجذرية مع مرور الوقت.

الجديربالذكر، أن فلسفة الكايزن نشأت في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الصناعة اليابانية مدمرة وتحتاج إلى إعادة البناء. ساعد خبراء أمريكيون مثل ويليام إدواردز ديمينج وجوزيف جوران في تقديم مفاهيم مراقبة الجودة والإدارة العلمية لليابانيين. ثم قام اليابانيون، وخاصة في شركة تويوتا، بتطوير وتبني هذه المفاهيم وتحويلها إلى فلسفة الكايزن كما نعرفها اليوم، والتي أصبحت حجر الزاوية في نظام إنتاج تويوتا. أما عن مبادئها الأساسية فهي قائمة على التالي:

• التحسين المستمر

لا يوجد مكان أو عملية "جيدة بما فيه الكفاية"؛ بل يجب أن يكون السعي نحو الأفضل أبديًا.

• التركيز على العمليات

كي نحصل على نتائج أفضل، يجب علينا أولًا تحسين العمليات التي تؤدي إلى هذه النتائج "إذا كانت العملية صحيحة، فستكون النتائج صحيحة".

• التغييرات الصغيرة والمستمرة

تُشجع الكايزن على إجراء تحسينات صغيرة يمكن تطبيقها فورًا وبسهولة؛ بدلًا من الانتظار لإجراء تغيير كبير وجذري (قد يكون مخيفًا ومكلفًا).

• العمل بروح الفريق

لأن أفضل الأفكار تأتي من التعاون بين الأفراد من تخصصات وخبرات مختلفة.

• التركيز على البيانات والوقائع

يتم اتخاذ قرارات التحسين بناءً على بيانات حقيقية وليس على المشاعر أو التخمينات.

• حل المشكلات من جذورها

تدفع الكايزن إلى السؤال "لماذا؟" خمس مرات (تقنية الـ 5 Whys ) للوصول إلى السبب الجذري للمشكلة والقضاء عليه، بدلًا من معالجة الأعراض.

ما هي أهم المهارات لتبني المرأة فلسفة الكايزن كأسلوب حياة؟

وتابع دكتور علاء، هذا سؤال رائع، لأنه ينتقل من "ماذا أفعل" إلى "من أنا" لتعميق فلسفة الكايزن كنمط حياة. وبالتالي تبني المرأة لفلسفة الكايزن سيحتاج إلى تطوير مهارات معينة لديها لتُصبح جزءًا من شخصيتها؛ وذلك على النحو التالي:

مهارة الملاحظة الدقيقة والوعي الذاتي

هذه المهارة هي أساس الكايزن. لأنها لا تستطيع تحسين شيء لا تلاحظه؛ وهنا يمكنها "تخصيص 5 دقائق في نهاية اليوم لتسجيل ملاحظاتها: ("أين شعرت بالتوتر اليوم؟"، "أي نشاط استهلك وقتًا أكثر مما يجب؟"، "متى شعرت بالرضا؟". كذلك ممارسة اليقظة الذهنية أثناء أداء المهام الروتينية مثل "غسل الصحون أو القيادة"، لملاحظة التفاصيل من دون حكم).

مهارة التفكير النقدي وحل المشكلات من الجذور

الكايزن ليس تصحيح أخطاء سطحية، بل حل المشاكل من منبعها. وهنا يجب أن تتوقف المرأة عن لوم الظروف أو الآخرين، والتركيز على"ما الذي يمكنني أنا التحكم به في هذا الموقف؟". كذلك استخدام تقنية "الـ 5 Whys" بشكل يومي لأي مشكلة بسيطة تواجهها. (لماذا تأخرت؟ لماذا استيقظت متأخرة؟ وهكذا.

مهارة المرونة النفسية والتكيف

تتطلب فلسفة الكايزن تجربة مستمرة، و بما أن التجارب قد تفشل؛ فإن المرونة ستجعل المرأة تنهض وتجرب شيئًا آخر بسهولة؛ وهنا يمكنها "تغيير روتينها البسيط بين الحين والآخر مثل (طريق مختلف للعمل، ترتيب مختلف لمهام الصباح)، كذلك تعود نفسهاعلى عبارة (لنرى إذا كان هذا سينجح، بدلًا من يجب أن ينجح هذا)".

مهارة التنظيم البصري والتخطيط المصغّر

هذه المهارة عملية جوهرية لتغيير شخصيتها؛  لأن رؤية تقدمها سيُحفزها، ورؤية أهدافهاسيُذكرها بها؛ وهنا يمكنها "استخدام لوحة بيضاء صغيرة في المطبخ أو مكتبهالكتابة أهم 3 تحسينات أسبوعية، استخدام تطبيقات "Habit Tracker" لتتبع العادات الصغيرة التي تتبناها، وصناعة خريطة أحلام مصغرة (Vision Board) لأهدافها القريبة".

مهارة التعاطف مع الذات

لأن النقد الذاتي القاسي يقتل رغبة المرأة في التحسين؛ فإن فلسفة الكايزن ستُساعدها على التعلم وليس الجلد الذاتي. وهنا يجب أن تعامل نفسها كما تعامل صديقة مقرببة تخبرها أنها فشلت في تحقيق هدفها، وتستببدل عبارة "أنا فاشلة" بـ "هذه التجربة لم تنجح، وأنا أتعلم منها".

مهارة إدارة الطاقة وليس الوقت فقط

بما أن التحسين المستمر يحتاج إلى طاقة، وليس الوقت فقط ؛ لذا يجب أن توزع المرأة طاقتها على عدة أدوار. وهنا يمكنها "تحديد طاقتها في اليوم (الفترة التي تكونين فيها في أفضل حالاتك الإنتاجية) وتخصيصها لأهم تحسين؛ كذلك تسأل نفسها (ما النشاط الذي يستهلك طاقتي؟) وتبحث عن تحسين صغير لتقليل هذا الاستنزاف.

مهارة التفكير المنظومي

هذه المهار تجعل المرأة تري "كيف أن التحسين في منطقة واحدة مثل (النوم مبكرًا) يحسّن مناطق أخرى مثل (طاقتها في العمل وعلاقتها بأطفالها)". وهنا يمكنها رسم خريطة بسيطة تربط بين عاداتها وأهدافها.

مهارة التواصل الفعّال لطلب الدعم

تُعزز فلسفة الكايزن العمل الجماعي لتحقيق تحسينات مشتركة. وهنا لا تخجل من طلب المساعدة والدعم من المقربين إليها.

على الهامش.. نصائح ذهبية لتطوير شخصيتكِ على خطى فلسفة كايزن اليابانية

• لا تحاولي تطوير كل هذه المهارات مرة واحدة. هذا بحد ذاته يناقض فلسفة الكايزن!
• اختاري مهارة واحدة فقط من هذه القائمة تشعرين أنها ستحدث أكبر فرق في حياتكِ حاليًا
• طبقي عليها مبدأ الكايزن "كيف يمكنني تحسين هذه العادة بنسبة 1 %  كل يوم؟"؛ وعندما تصبح المهارة جزءًا منكِ، انتقلي إلى التي تليها.

وأخيرًا، تذكّري دومًا أن الهدف ليس أن تصبحي "امرأة خارقة"، بل أن تصبحي نسخة أفضل من نفسكِ يومًا بعد يوم، من خلال تحسينات صغيرة ذكية ومستمرة.  ولا تنسي أن المهارات السالفة الذكر هي الأدوات التي ستجعل الكايزن فلسفة تحرر وليس عبئًا إضافيًا؛ ولا تنسي أن القوة الحقيقية ليست في التحولات الجذرية، بل في التحسينات الصغيرة المستمرة التي تخلق شخصية متميزة وحياة استثنائية.