
هل تتقنين فن الرفض؟ كيف تُغيرين حياتك عبر وضع الحدود في شهر التوعية بالصحة العقلية
هل تشعرين أحياناً أن وقتك وطاقتك النفسية مِلك للجميع ما عداكِ؟ هل تجدين صعوبة بالغة في قول "لا" لطلب بسيط، حتى لو كان ذلك على حساب راحتك وصحتك؟ إذا كانت إجابتك "نعم"، فأنتِ لستِ وحدك، وأنتِ في المكان الصحيح.
يأتي شهر أكتوبر، وهو الشهر العالمي للتوعية بالصحة العقلية، لِيُذكّرنا بأن الاعتناء بالنفس يتجاوز الرياضة والنوم الجيد؛ إنه يبدأ بمهارة حياتية حاسمة: فن وضع الحدود، إذ أن "لا" ليست كلمة سلبية كما علمونا، بل هي أداة بناء قوية تُرشد طاقتك وتُعيد تشغيل صحتك العقلية.
ضريبة "إرضاء الجميع": لماذا تدفع المرأة الثمن الأكبر؟

غالباً ما تقع المرأة فريسة لمتلازمة "إرضاء الناس" (People-Pleasing) بسبب التوقعات المجتمعية والثقافية المرتفعة لدورها كراعية في الأسرة والعمل، هذه الرغبة المستمرة في تلبية توقعات الجميع لها ضريبة باهظة تُدفع من رصيدك النفسي والجسدي.
لقد أكدت الدراسات النفسية أن الإفراط في الموافقة هو وصفة مباشرة لـ الاحتراق الوظيفي (Burnout) والإنهاك العاطفي، لسبب بسيط وهو أن تولي مهام ومسؤوليات تفوق طاقتك يضعك تحت ضغط مزمن ومستمر، والمثير والمؤكد علمياً أن هذا الضغط المستمر يطلق نظام الاستجابة للتوتر في الجسم، مما يؤدي إلى التعرض المفرط والمزمن لهرمونات التوتر، وعلى رأسها الكورتيزول، وهنا نشير إلى أن الارتفاع الدائم للكورتيزول لا يجعلك أكثر عرضة للقلق والاكتئاب فحسب، بل يضعف جهازك المناعي ويعطل وظائف الجسم الحيوية، مما يعني أن الموافقة المستمرة لا تنهك وقتك فحسب، بل تُدمر حرفياً صحتك على المدى الطويل.
الجدار الواقي: الحدود كأداة لتمكينك النفسي

قالوا سابقا إن "رضى الناس غاية لا تدرك"، ونقول إنه إذا كان "إرضاء الناس" يقود إلى الانهيار، فإن وضع الحدود الصحية هو طريقك لبناء جدار واقٍ حول طاقتك ومساحتك الخاصة، الحدود ليست للآخرين فقط، إنها في المقام الأول رسالة واضحة لذاتك مفادها: "أنا أستحق أن أحمي مساحتي ووقتي".
كيف تُفيد الحدود صحتك العقلية كـامرأة عاملة وراعية؟

- التحكم في مصادر التوتر: يؤكد خبراء مايو كلينك أن الشعور بالقلق والتوتر ينشأ عندما "تتحملين مسؤولية الآخرين وسلوكياتهم وأفكارهم"، الحدود الصحية ضرورية لتقليل هذا التوتر وزيادة الرضا عن الحياة لأنها تفصل بوضوح بين مسؤولياتك ومسؤوليات الآخرين.
- تعزيز تقدير الذات: عندما ترفضين طلباً لا يتناسب مع قيمك أو وقتك، فأنتِ تعززين ثقتك بنفسك وتُعلمين الآخرين كيفية معاملتك، الأشخاص الذين يملكون حدوداً واضحة غالباً ما يكونون أكثر اتزاناً في علاقاتهم وتفاعلهم الاجتماعي.
- الحماية من الاستغلال: غياب الحدود الواضحة يفتح الباب للاستغلال العاطفي والزمني في العلاقات، الحدود الصحية تضمن أن تكون علاقاتك قائمة على الاحترام المتبادل، وليس على السيطرة أو الإرضاء القهري.
دليلك العملي لـ "فن الرفض" دون شعور بالذنب

إن قول "لا" وتطبيقها عمليا ليس بالضرورة أن يكون مواجهة أو صراعاً، يمكنك أن تكوني حازمة ومهذبة ولطيفة في آن واحد، إليكِ تقنيات ذكية لـ "الرفض الفعّال" التي تحافظ على العلاقة وتحمي حدودك:
أولاً: رفض اللحظة وتأجيل الالتزام عندما يتم توجيه الطلب إليكِ فجأة ويحتاج إلى تفكير، يمكنكِ أن تقولي: "شكراً لأنكِ فكرتِ بي، دعيني أتحقق من جدولي وأعود إليكِ في وقت لاحق اليوم." هذه العبارة تمنحكِ وقتاً للتفكير دون ضغط.
ثانياً: الرفض الجزئي مع بديل عندما ترغبين في المساعدة ولكن ليس بكامل المسؤولية أو الوقت المطلوب، يمكن قول: "لا أستطيع تولي المشروع بالكامل، لكن يمكنني تخصيص ساعة واحدة يوم غد لمراجعة خطتك." هذا يُظهر التعاون دون التضحية بحدودك.
ثالثاً: الرد غير المباشر بـ "لماذا" عند الحاجة لإنهاء النقاش بسرعة مع إبداء مبدأ قوي، قولي: "أعتذر، لكني ملتزمة حالياً بالتركيز على مشروع شخصي يستهلك كامل وقتي." شرح المبدأ والتركيز على التزام آخر يقلل من الحاجة إلى التبرير.
وتذكري عزيزتي: عند الرفض، كوني مباشرة، ولا تُقدمي تبريرات طويلة ومبالغ فيها، التبرير الزائد يُقلل من قوة قرارك، اعتمدي استراتيجية "خير الكلام ما قل ودل".
أخيرا إعادة تعريف "الأنانيّة"

في شهر التوعية بالصحة العقلية، حان الوقت لنعيد تعريف "الأنانيّة"، لأن العناية بالذات ووضع الحدود ليست أنانية، بل هي مسؤولية تجاه قدراتك، ووقتك، وصحتك النفسية، عندما تكونين مستنزفة، لن تستطيعي تقديم أفضل ما لديكِ لأي شخص آخر، حتى أحبائك.
الحقيقة أنت بحاجة للأخذ حتى تستمري في العطاء، فكونك راعية للأسرة لا يمكنكِ صب الماء من إناء فارغ،فابدئي بتحديد الأمور الصغيرة التي تُستنزفين فيها يومياً دون جدوى، وقولي لها "لا" بهدوء وحزم،وشاهدي كيف يبدأ مستوى التوتر في الانخفاض، وتزيد مساحة التركيز على ما يهمكِ حقاً، إن حماية وقتكِ هو حماية لحياتكِ، وتجديد لدورك كراعية ومسؤولة.