ريم الهوني

خاص "هي": كيف تحقق المرأة القيادة في صناعة الإعلام؟.. ريم الهوني تروي تجربتها

جويل تامر

في عالم الإعلام، حيث الكاميرات تسلّط الضوء غالبًا على الوجوه لا من يقف خلفها، وحيث تُتخذ القرارات الكبرى في غرف يندر فيها وجود النساء، اختارت ريم الهوني، الرئيسة التنفيذية لشركة "تي أي 22 فيلمز"  Ti22 Films أن تشق طريقها بعزم لا يلين. من مراهقة تطارد ضوء الفجر في مواقع التصوير، إلى رئيسة تنفيذية تقود واحدة من أبرز شركات الإنتاج في المنطقة، كتبت ريم قصتها بمثابرة، متخطية جميع العوائق. في هذه المقابلة، نغوص في رحلة امرأة لم تنتظر أن يُمنح لها المقعد على الطاولة، بل صنعت لنفسها مقعدًا، وأثبتت أن القيادة ترتبط بالكفاءة والمعرفة والشغف. ريم الهوني ليست مجرد شاهدة على التغيير، بل هي من صنعته.

 في هذا الإطار، قالت ريم: "تخيّلي أن تخرجي من المنزل في الساعة الثالثة صباحًا لتصوير مشهد شروق الشمس. كان هذا هو الواقع الذي عشته حين كنت طالبة إعلام في الثامنة عشرة من عمري؛ كنت ألاحق الضوء، وأطارد أحلامي، وأفهم تدريجيًا معنى القيادة في مجال تُعد فيه المرأة هي الاستثناء، لا القاعدة".

وتابعت: "لطالما كنت شغوفة للغاية بمجال الإعلام. في طفولتي، كنت أعكف على متابعة المحتوى الإعلامي بلا كلل أو ملل وعلى قدر الشغف نفسه، سعيت لاقتناص الفرص في هذا المجال. وفي سن السادسة عشرة، حصلت على أول فرصة حقيقية لي، وهي  فرصة التدريب في مجموعة " إم بي سي "، مركز تلفزيون الشرق الأوسط، وهي إحدى أكبر شبكات البث باللغة العربية في العالم . كانت هذه التجربة أول نافذة أطل من خلالها على ما يجري خلف الكواليس. ما زلت أذكر وقوفي في غرفة الإنتاج (وهي القلب النابض لأي إستوديو تليفزيوني) وأنا أشاهد تقريرًا إخباريًا يُبث على الهواء مباشرة. لقد بدا الأمر ساحرًا أمامي. وفي تلك اللحظة، عرفت أن مستقبلي سيكون في مهنة الإعلام".

وأضافت ريم: "لكن ما لم أكن مستعدة له، هو مدى هيمنة الذكور على هذا المجال. خلال سنوات دراستي الجامعية، أُتيحت لي فرصة العمل في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إلى جانب الدراسة. وهناك، بدأت أعي تمامًا واقع جداول التصوير والإنتاج الإعلامي. عرفت ان أفضل إضاءة للتصوير تكون عند شروق الشمس أو غروبها، ما يعني الحضور إلى مواقع التصوير منذ الثالثة فجرًا، أو العودة الى البيت في ساعات متأخرة بعد منتصف الليل. تخيّلوا فتاة عربية شابة تعمل وفق هذا الجدول الزمني. لاشك ان هذه المواعيد المتأخرة كافية وحدها لإثارة القلق  بالنسبة إلى كثير من العائلات. ولكن لحسن حظي، نشأت في عائلة لديها إحتكاك بمجال الإعلام وتقدر دوره وأهميته، ما ساعد على تقبّل اختياري لمساري المهني. ورغم حصولي على هذا الدعم، لم تكن التحديات أقل وطأة عليّ. لا أنسى فرحتي العارمة عندما حصلت على تدريب صيفي في "ذا لندن إستوديوز"، حيث يتم تصوير برامج شهيرة مثل "ذا غراهام نورتون شو" و"ذيس مورنينغ".

خلال التدريب كانت ريم تأمل في استكشاف مجال تشغيل الكاميرا، بعد أن أخبرها أحد الأساتذة بأن لديها عينًا فنية مميزة. كانت تلك من التجارب الأكثر تأثيرًا في حياتها على حدّ تعبيرها، بلغ عدد العاملين في قسم الكاميرا 22 شخصًا: 20 رجلًا وامرأتان فقط. شعرت وكأنها دخلت غرفة تبديل ملابس للرجال. ونظرًا لكونها الأصغر والأحدث ضمن الفريق، أُسندت إليها إحدى أدنى المهام رتبةً، وهي: "سحب الكابلات"، أي حمل لفات الكابلات الثقيلة الخاصة بالكاميرات وتهيئتها، والركض خلف المصوّرين لضمان خلوّ طريقهم من أي عوائق ، كانت المهمة مرهقة جسديًا. كنت أعود منهكة ، أغفو لساعات قليلة، ثم أستيقظ لأكرّر الأمر في اليوم التالي".

علّمتها هذه التجربة أن الجانب الفني من الإنتاج يتطلب قدرًا عاليًا من التحمل البدني، وجعلتها تتساءل: هل هذا أحد أسباب بقاء هذا المجال تحت سيطرة الذكور؟ وفي نهاية المطاف، قادتها هذه التجربة إلى تحويل مسارها المهني نحو الإنتاج.

ريم كانت ولا تزال تؤمن دائمًا بأن الطريق نحو الوصول إلى القمة يبدأ من صعود أول درجة، ومن ثمّ عملت مساعدة إنتاج ميدانية، ومنسّقة إنتاج، ومديرة إنتاج، ومساعدة منتج، ومديرة إستدي، ثم منتجة لاحقًا، وأخيرًا منتجة تنفيذية. كل وظيفة شغلتها أضافت لها شيئًا لا يُقدّر بثمن. وتلفت في هذا الاطار الى أن: "عندما تدرك متطلبات كل دور في هذا المسار العملي، يمكنك أن تتولى زمام القيادة بثقة ومصداقية. ومع ارتقائي في هذا السلّم المهني، بدأت أرى نساء أكثر، بيد أن المشهد ظل يغلب عليه الطابع الذكوري. واليوم، وبوصفي الرئيسة التنفيذية لشركة " تي 22 فيلمز" ، فإن ما يميزني هو أن مستوى معرفتي يحكي عمّن أكون. بما أنني عايشت طبيعة العمل ميدانيًا، أعلم جيدًا ماذا يعني أن تكنس أرضية إستوديو، أو تحمل كابلاً على كاهلك، أو تُدير موقع تصوير مباشر، أو تُنجز مشروعًا معقدًا في الموعد المقرر. أعلم ما يتطلبه الأمر لمواكبة التوجهات وإحداث التأثير. لم أسمح يومًا للتقاليد المجتمعية بأن تقف عقبة أمام طموحي. فقد عملت في وقت متأخر، وعملت في وقت مبكر، وسهرت طوال الليل إذا اقتضى الأمر. لقد واصلت التعلم دون توانٍ أبدًا".

وختمت قائلة: "كم من مرة دخلت غرفةً كنت فيها المرأة الوحيدة، أو المرأة العربية الوحيدة، أو الشخص الأصغر سنًا الجالس إلى الطاولة. في أغلب الأحيان، كان الناس يوجهون أسئلتهم في البداية إلى الرجال الجالسين إلى جواري. ولكن حينما أكون مستعدة، واثقة، وواضحة، سرعان ما أصبح الشخص الذي يُنصت إليه الجميع. إذن، فما الذي يتطلبه الأمر لتشق المرأة طريقها إلى القيادة في عالم الإعلام؟ إنه يتطلب التحلي بالعزيمة والمثابرة، ويحتاج إلى تحصيل المعرفة، ويستلزم شجاعة المواظبة على الحضور، حتى عندما يبدو التيار معاديًا لكل احتمالاتك".

بالنسبة الى ريم، كانت القاعدة الذهبية دائمًا هي: قولي "نعم" أولاً، ثم تعلّمي كيف تنفّذين. ولكن الأهم من ذلك كله هو سلاحها السري الحقيقي، وهو ألا تجعل الأمر يدور أبدًا عن طبيعة كونها امرأة، بل عن كفاءتها وقدرتها. وقالت: "اكتسب المعرفة، وستنال الاحترام بغض النظر عن جنسك. هذه العقلية هي ما أبقتني في المركز، بل على رأس القمة ذاتها".