إليكِ أهمية الموسيقى وآلية أنغامها لتنظيم فوضى أفكاركِ

السيمفونية الداخلية.. كيف تنظم الموسيقى فوضى أفكارك؟

رحاب عباس

هل تعلّمين أن الموسيقى هي أقوى ساحرٍ يُحوِّل أفكاركِ السوداء إلى ألوان؟. دعيني أتحدث معكِ بصوت خفّي عن حقائق ستُغير ارتباطِكِ بالموسيقى. فهي تُعتبر شرارةَ الكهرباء الحيوية في دماغك، وبمجرد استماعكِ لموسيقى مبهجة لمدة 3 دقائق فقط، يثور الدوبامين في عقلك كفراشاتٍ ذهبية،فيُضيء الزوايا المظلمة للتفكير، وتنقذكِ من مستنقع التكرار السلبي.

كذلك عندما تعلّقين في حلقة "لا أستطيع... لن أنجح" يأتي اللحن الجديد كمنقذٍ يمدّ لكِ حبلًا ""انظري! هناك طريق آخر لم تريه بعد". فالموسيقى تُذيب الجدران بين منطقكِ وعواطفكِ كأنها جسرّ من صوتٍ يربط بينقلبكِ المرتجف في الضفة اليسرى وعقلكِ المتشككِ في الضفة اليمنى، فيتعانقان فتولد الرؤية المتوازنة.

اغمضّي عينيكِ للتعرف على أهمية الموسيقى لتنظيم فوضى أفكاركِ عبر السطور القادمة
اغمضّي عينيكِ للتعرف على أهمية الموسيقى لتنظيم فوضى أفكاركِ عبر السطور القادمة

فما رأيكِ أن نُجرب سويًا هذه اللحظة السحرية؟ اغمضّي عينيكِ، واستمعي إلى هذه الكلمات كأنها مقدمة موسيقية لحياتكِ:"اليوم... سأعزف على أوتار رحلتي نغمةً لا تُشبه الأمس.سأجعل من قلقي مقدمةً حماسية لا نهاية سعيدة. لأنني مثل السيمفونية، أملك قوة التحول من الظلام إلى الذروة المضيئةبمجرد أن أختار الإيقاع الذي يليق بكرامتي."

وأثناء هذه اللحظات الحماسية لن أترككِ في منتصف الطريق، بل سأوجه مساركِ أنا محررة مجلة "هي" خلال السطور القادمة وعبر موقع "هي" إلى التعرف على أهمية الموسيقى لتنظيم فوضى أفكاركِ ومدى تأثيرها على تفكيركِ الإيجابي، بناءً على توصيات استشارية الطب النفسي الدكتورة لبنى عزام من جدة.

لماذا تُعيد الموسيقى بناء سيمفونيتكِ الداخلية؟

ووفقًا للدكتورة لبنى، الموسيقى ليست مجرد صوت، بل تُعتبر مهندس خفي يُعيد بناء انهياراتك، ويغرس بذور الأمل في تربة أفكارك اليابسة. لذا، اختاري نغماتكِ كما تختارين أصدقائكِ بذكاء وحبٍّ، وسيكافئكِ عقلكِ بـحصادٍ من الإيجابية.

كيف تُولّد الموسيقى التفكير الإيجابي؟

تعرفي على المعادلة السحرية لتحقيق التوازن ببين استماعكِ للموسيقى وين أفكاركِ الإيجابية
تعرفي على المعادلة السحرية لتحقيق التوازن ببين استماعكِ للموسيقى وين أفكاركِ الإيجابية

وتابعت دكتورة لبنى، صوت الأوتار ليس مجرد خلفية جميلة، بل هي أداة عصبية فاعلة تُعيد تشكيل دماغكِ لصالح تنظيم أفكاركِ بشكل إيجابي؛ إليكِ كيف تعمل هذه المعادلة السحرية علميًا وعمليًا:

ضبط كيمياء الدماغ

تُحفز الإيقاعات المنتظمة مثل "60-80 نبضة/دقيقة" إفراز الدوبامين (هرمون المتعة) والسيروتونين (هرمون الاستقرار)، مما يخفف التوتر ويُشعرك بالطمأنينة. فضلًا عن ذلك، تُظهر دراسات الرنين المغناطيسي أن الموسيقى المبهجة تُنشّط القشرة الأمامية الجبهية المسؤولة عن التفكير الإيجابي.

إعادة صياغة السلبية

يُعيد الدماغ تفسير المشاعر السلبية كتجربة جمالية عند استماعكِ لموسيقى حزينة ضمن سياق فني مثل "سيمفونية بيتهوفن"، ، فتُحّول من "ألم" إلى "تطهير عاطفي". علمًا أن الموسيقى ذات التدرج من الحزن إلى النشوة "كما في أعمال ماكس ريتشر" تُعلّم العقل انتقال الأفكار من اليأس إلى الأمل.

خلق مساحة ذهنية آمنة

تُنشط الذاكرة العاطفية الإيجابية الألحان المألوفة أو الكورالية مثل أغاني "إس إن إم" الكورالية، فتُذكركِ بلحظات الفرح حين تطغى السلبية.

ما هي أهمية الموسيقى لتنظيم فوضى أفكاركِ؟

تعرفي إلى أهمية الموسيقى لتنظيم فوضى أفكاركِ
تعرفي إلى أهمية الموسيقى لتنظيم فوضى أفكاركِ

وأضافت دكتورة لبنى، الموسيقى ليست مجرد فن للسماع، بل تصنع من ضجيج العقل "سيمفونية داخلية" منظمة؛ وتحقق الفوائد التالية:

  • يُعتبرالإيقاع المنتظم مِسطرة الزمن الفكري؛ فهو يخلق إطارًا زمنيًا يُزامن معه تدفق الأفكار العشوائي، فيبطئها ويُخضعها لنظام.
  • تُنشط الإيقاعات المُتناغمة (كما في موسيقى الباروك) موجات الدماغ "ألفا" و"ثيتا" المرتبطة بالاسترخاء والتركيز العميق، مما يُقلل تشتت الأفكار.
  • يعمل اللحن الواضح كـ "خيط " تتبعه الأفكار، فبدلاً من التيه في متاهات العقل، يُركّز على تطور الجملة الموسيقية وتطور أفكاركِ معها.
  • يُحوّل اللحن المشاعر المضطربة (قلق، حزن، فرح) إلى كيان مسموع، فيُفرغ شحنتها ويُسهل فهمها بدلاً من تركها تعبث بأفكاركِ.
  • تُعلم الألحان المتوازنة والمتناغمة (الهارموني) العقل كيفية تنسيق أفكاركِ المتناقضة أو المتشابكة، فتُظهر كيف يمكن للعناصر المختلفة أن تتعايش في تناغم.
  • تُحاكي التناقضات الهارمونية ثم حلها (كما في الموسيقى الكلاسيكية) عملية العقل في مواجهة المشكلات وإيجاد الحلول الإبداعية.
  • يُذكر تكرار اللحن مع تعديله (كما في السوناتا) العقل بأفكاره الأساسية مع تطويرها، بدلاً من إضاعتها.
  • تناوب المقاطع السريعة والبطيئة (الحركة والليريكو) يعلم العقل الانتقال بسلاسة بين التفكير النشيط والتأمل الهادئ.
  • تُقدم البنية الواضحة للسيمفونية نموذجًا لتنظيم أي فكرة "مقدمة، تطور، ذروة، حل، خاتمة".
  • تسمح الموسيقى للأفكار والمشاعر المضطربة بالتدفق والخروج بشكل آمن ومنظم، مما يُخفف العبء الذهني.
  • تحويل الضجيج الداخلي إلى تجربة جمالية يُعطي شعورًا بأن الفوضى قابلة للتحول إلى شيء جميل وذو معنى.

ما هي آلية تنظيم أفكاركِ عبر الموسيقى؟

إيقاع الطبلة يبطئ عقلك المتسارع ويحوّل تشتتكِ إلى تدفق منتظم
إيقاع الطبلة يبطئ عقلك المتسارع ويحوّل تشتتكِ إلى تدفق منتظم

وبحسب دكتورة لبنى، دعينا نتطرق إلى مثال تطبيقي، وذلك على النحو التالي:

  • استمعي إلى إيقاع الطبلة الصوفية مثل "نسلانغا" أثناء العمل؛ وهنا سيكون العنصر الموسيقي"الإيقاع المنتظم"، أما تأثيره على أفكاركِ فسيُبطئ عقلكِ المتسارع ويُحوّل تشتتكِ إلى تدفق منتظم.
  • اختاري جملة لحنية بسيطة تعكس فكرتك الإيجابية مثل مقطوعة "Gymnopédie" . وهنا سيكون العنصر الموسيقي "اللحن المُتكرر"؛ أما تأثيره على أفكاركِ فسيُرسّخ أفكاركِ الأساسية كالمثابرة والإيمان.
  • استخدمي مقاطع موسيقية تحتوي على توقفات مثل موسيقى "نيلز فرام". وهنا سيكون العنصر الموسيقي "الصمت بين النوتات"؛ أما تأثيره على أفكاركِ فسيُعطي مساحة لاستيعابكِ الأفكار الجديدة.
  • استمعي إلى موسيقى الجاز التي تحوّل التناقضات إلى إبداع. وهنا سيكون العنصر الموسيقي "التناغم الهارموني"؛ أما تأثيره على أفكاركِ، فسيُعلّم عقلكِ التوفيق بين أفكاركِ المتضادة.

كيف تصّنعين سيمفونيتكِ الداخلية الإيجابية يوميًا؟

خطوات تعرفكِ كيف تصنعين سيمفونيتكِ الداخلية الإيجابية مع كل صباح
خطوات تعرفكِ كيف تصنعين سيمفونيتكِ الداخلية الإيجابية مع كل صباح

أكدت دكتورة لبنى، أن الموسيقى بمثابة تمرين رياضي للعقل، تصنع من الفوضى مسارًا ملحنًا، ومن الظلام نغمة تنتظر الضوء. فكلما عزفتِ على أوتار أفكاركِ بإيقاع واعي، كلما تحوّلت حياتكِ إلى سيمفونية إيجابية لا تُكرر مأساتها أبدًا، وخصوصًا بعد اتباع هذه الخطوات:

  • ابدئي يومكِ بموسيقى تحمل إيقاعًا صاعدًا مثل "Here Comes the Sun" للبيتلز لبرمجة عقلكِ على التفاؤل.
  • استمعي لموسيقى ذات نغمات دافئة ومنخفضة التردد مثل "تشيلو أو البيانو" لمدة 8 دقائق فقط، وذلك عندما تتدفق أفكاركِ السلبية لتهدئة الجهاز العصبي.
  • حوّلي همومكِ إلى إيقاع. اضربي على الطاولة بإيقاع سريع أثناء تفكيركِ في المشكلة، ثم أبطئيه تدريجيًا واختميه بنغمة هادئة، وستجدين عقلكِ يتبع هذا المسار لحل المشكلة.
  • ركّزي على آلة واحدة في المقطوعة وتتّبعي مسارها، ثم طبقي هذا على أفكاركِ "اختاريفكرة واحدة وتتّبعي تطورها بدلًا من تشتتكِ".

كيف تستفيدين عمليًا من سيمفونيتك الداخلية؟

اختيار الموسيقى  بحكمة أحد الأساليب المهمة لتعزيز سيمفونيتكِ الداخلية
اختيار الموسيقى  بحكمة أحد الأساليب المهمة لتعزيز سيمفونيتكِ الداخلية

من ناحية أخرى، أكدت دكتورة لبنى، أن الموسيقى تُذكّرنا أن الفوضى ليست عدوة، بل هي مادة خام. لكن بقوة الإيقاع، وجمال ، وحكمة البنية، ستتحول الضوضاء الداخلية إلى سيمفونية تُعزف على مسرح الوعي، وأن مَاسترو هذه الأوركسترا هو أنتِ؛ بعد اتباع هذه الأساليب:

اختاري الموسيقى بحكمة

لزيادة التركيز استمعي إلى موسيقى كلاسيكية (باخ، موتسارت)، موسيقى السينمائية التصويرية الهادئة، أو موسيقى أمبيينت. أما لتنظيم المشاعر فاستمعي إلى موسيقى تعكس حالتكِ ثم تنتقل تدريجيًا إلى نغمات أكثر هدوءًا أو طاقة.

استمعي بفاعلية

ركزي على عنصر موسيقي واحد (الإيقاع، اللحن الرئيسي) ودعّي أفكاركِ تنساب معه.

ارّسمي أفكاركِ على الموسيقى

أثناء الاستماع، اكتبي الأفكار العشوائية كما تأتي، ثم حاولي فيما بعد ربطها أو تصنيفها كما لو كانت أجزاء من مقطوعة موسيقية (مقدمة، جسر، خاتمة).

اصنّعي موسيقى صامتة

حوّلي أفكاركِ إلى إيقاعات أو نغمات في خيالكِ أثناء المشي أو الراحة، من دون موسيقى خارجية.

الصمت جزء من السيمفونية

لا تُهملّي فترات الصمت بعد الاستماع؛ فهي تسمح للأفكار المنظمة بالترسخ.

الموسيقى تحوّل المشاعر السلبية إلى أفكار بناءة والتفكير المتشتت إلى إبداع
الموسيقى تحوّل المشاعر السلبية إلى أفكار بناءة والتفكير المتشتت إلى إبداع

وأخيرًا، أوضحت دكتورة لبنى، أن علم الأعصاب يشرح سر أهمية الموسيقى لتنظيم الأفكار على أوتار سيمفونيتكِ الداخلية، وذلك على النحو التالي:

  • تزامن الموجات الدماغية: تُنظّم الإيقاعات المنتظمة موجات الدماغ من حالة "بيتا" (التفكير المشتت) إلى "ألفا" (التركيز الهادئ) أو "ثيتا" (الإبداع).
  • تنشيط الجسم: توصّلالموسيقى بين فصّي الدماغ الأيمن (العواطف) والأيسر (المنطق)، مما يساعد على تحويل المشاعر السلبية إلى أفكار بناءة.