خاص "هي": احتضني قوّتكِ
شكّلت عبارة "تمكين المرأة في الشرق الأوسط"، ولا سيما في بلدان الخليج كالسعودية والإمارات العربية المتحدة، موضوعا دوليا متداولا لعقود. في البداية كان الموضوع يتحدث عن "نقص" القوّة لدينا، لكنه أصبح في الآونة الأخيرة مرادفا للمساهمة الفعّالة التي حققتها المرأة الخليجية. اليوم، نلقى نحن النساء العربيات عموما والخليجيات خصوصا أكثر من أي وقت مضى، دعما واعترافا وتشجيعا، للارتقاء إلى قيمتنا الحقيقية. وهو أمر أقل ما يُقال عنه إنّه رائع.
ومع ذلك لا يتحقّق أي تغيير من دون بعض المعاناة بسبب الضغوط التي تواجه المرأة لتكون "امرأة قويّة". بصفتي مدربة حياة وخبيرة قيادة، غالبا ما أصادف نساء من مختلف الأعمار يشعرن بالقلق حيال مكانتهن في المجتمع الدائم التغيّر، ويشعرن ببعض "النقص" لعدم توافقهن مع الصورة النمطية للشخص الجبّار والطموح. وتعزّزت هذه الصورة بسبب بعض الجهات التي تسوّق "للمرأة المتمكّنة" على أنها تعرف دائما ماذا تريد، وتحارب من أجل الحصول عليه. لكن لا تعرف كل امرأة كيف تكون كذلك، أو حتّى إنّها قد لا ترغب فيه، فتحاول أن تخفي في داخلها شكوكها وأفكارها المقيّدة ذاتيا حول نفسها. ويُعزى هذا الصراع في الأغلب إلى سوء فهم ما تعنيه المرأة المتمكّنة فعليا.
وهنا، يجب أن نذكّر أنفسنا بأن قوّة المرأة تكمن في رقيّها وقدرتها على الصمود. تمكين المرأة غير محصور بقساوتها أو جدّيتها أو حدّتها أو صلابتها أو بإنكار ما يجعلها فريدة ومميزة. كما أن التمكين لا يعني محو أنوثتنا أو الدخول في حالة صلابة دائمة. ليس التمكين دائما مرادفا للقشرة الخارجية الصارمة والقاسية. علينا أن نحتضن الجانب العاطفي والتعبير عن أنوثتنا من دون تعتيمها بما يتناسب مع قالب أو نمط معيّن. تحمل كلّ منّا في داخلها قوّة تسمح لنا بالتميّز.
من رائدة الأعمال التي قد تفشل في إنجاح مشروعها إلى الأمّ الشابة التي قد تحارب اكتئاب ما بعد الولادة، من المرأة التقليدية التي تفضّل أن تكون ربّة منزل إلى الرياضية الأولمبية التي تخطو خطوات كبيرة في عالم الرياضة، من المرأة التي تعاني من مشكلات في الخصوبة إلى تلك المعيلة لأسرتها، من المرأة التي تواجه طلاقا إلى تلك التي ترشد الآخرين، ومن المرأة التي تسلّط ضوءها على الآخرين إلى تلك التي تحاول إيجاده.. جميعنا كائنات قويّة بحدّ ذاتنا. نحن قويات لمجرد كوننا نساء!
بصفتي خبيرة في مجال الوعي الذاتي، أدرك أهمية احتضان كل امرأة لقدراتها ونقاط قوّتها وأهمية تلبية دعوة حقيقية للشعور بالتمكين. إليك بعض النصائح التي قد تساعدك على تحديد قوّتك الشخصية وصقلها:
1- حدّدي نقاط قوّتك: خذي بعض الوقت للتفكير في نقاط قوّتك والأمور التي تجيدينها. فكّري في مهاراتك وقدراتك الموجودة طبيعيا، وفي الأمور التي تستمتعين بفعلها. قد يشمل ذلك أمورا قد تعتقدينها بسيطة جدا، مثل القدرة على إضحاك الآخرين وإراحتهم نفسيا، أو البستنة، أو الطبخ، أو رعاية الحيوانات، أو حتى الأمور الأكثر تعقيدا، مثل التخطيط الاستراتيجي، والاستشارة المالية وغيرهما. غالبا ما تتغاضين عمّا يميّزك عن غيرك، أو تقلّلي من شأنه، لذلك، خذي بعض الوقت لتقييم ما يمكن أن يجعلك تتألّقين.
2- احتضني تفرّدك: لكل منّا مجموعته الفريدة من نقاط القوّة والقدرات، ومن المهمّ أن تحتضني مجموعتك. لا تقارني نفسك بالآخرين، ولا تحاولي أن تكوني شخصا آخر. في الواقع، عندما نتّخذ الآخرين نموذجا بهدف الاندماج، ينتهي بنا الأمر بمحو هويّتنا شيئا فشيئا. لا تتغيّري بسبب شعورك بالنقص، بل اعملي بدلا من ذلك على التطور إلى حيث تقودك طبيعتك الحقيقية. وإذا اضطررت لمتابعة الآخرين، فتأكّدي من أن هدفك من ذلك هو تعزيز معرفتك، واكتشاف ذاتك أكثر.
3- استكشفي اهتماماتك: من أجل إيجاد دعوتك ورسالتك، من الضروري استكشاف اهتماماتك وشغفك. فالكثير من السيدات اللواتي أعمل معهنّ، تركن الحياة تقف في طريق ما يفرحهن، فأوقفن ما يشعل شغفهن ليفسحن المجال لأولويات أخرى. في الحقيقة، من أجل لمس القوة الحقيقية الكامنة في داخلك، من المهم تحديد ما يجعلك سعيدة وتنفيذه. فكّري في الأمور التي تستمتعين بفعلها، والتي تمنحك جرعات من الطاقة. في بعض الأحيان، أطلب من عميلاتي أن يستذكرن هوايات أو أنشطة استمتعن بها في شبابهنّ، وفي كل مرّة، أستطيع تحديد شيء يمكنهنّ تأجيجه اليوم من جديد. فمن خلال تعداد الأنشطة ووضع قائمة بها، يمكنك تحديد ما يشكّل شغفا حقيقيا بالنسبة لك، وما ترغبين في تحقيقه إذا أضعت الطريق.
4- حدّدي أهدافا: بمجرّد أن تحدّدي نقاط قوّتك واهتماماتك، يصبح من الضروري أن تحدّدي أهدافا ممتعة لنفسك. غالبا ما تضع المرأة قائمة بالأهداف التي لا تستمتع بأيّ منها. في الواقع، تكون هذه الأهداف أشبه بقائمة المهامّ التي يجب تنفيذها، وهو ما يُشعر المرأة بالارتباك، ويثنيها عن ملاحقة شغفها. يمكن لتحقيق الأهداف أن يحفّز المواد الكيميائية السعيدة في الجسم؛ ويساعدك جعل الأهداف ممتعة في الحفاظ على تركيزك وحماسك فيما تعملين على تحقيق ما يناديك. ضعي أهدافا قريبة المدى وبعيدة المدى على حدّ سواء، واحرصي على أن تكون محدّدة وقابلة للتحقيق. لكن الأهم في كل ذلك أن تتأكدي من أنك تقضين وقتا ممتعا في العمل من أجلها.
5- اتّخذي الإجراءات اللازمة: أخيرا، من الضروري أن تتّخذي الإجراءات اللازمة لتحقيق دعوتك. ففي الكثير من الأحيان، نشعر بأنّنا عالقات في مرحلة وضع الأهداف من دون أن نتطوّر نحو مرحلة العمل نفسها. دائما ما أشجّع عميلاتي على تأكدهن من تنفيذ هذه المرحلة، وأشدّد مرارا وتكرارا على أن ذلك هو الأهمّ. فالعمل هو ما سيحفّزك، ويمنح ما تقومين به معنى وغاية. وبمجرّد العثور على الغاية، ستشعرين بقوّتك الفردية. مرحلة "الفعل" قد تتضمن المشاركة في دورات أو صفوف لتنمية مهاراتك، أو التواصل وبناء علاقات مع الآخرين من مجالك، أو البحث عن فرص لكسب الخبرة. وأحياناً، قد يسهم فعل بسيط مثل التحدّث إلى شخص جديد، في فتح أبواب الاكتشاف والتحقيق الذاتي. جازفي واتبعي محط شغفك حتى لو كان مخيفا. فأحيانا، تمنحنا الخطوات الأكثر رعبا أكبر قدر من الثقة فيما بعد.
تذكري أنك قوّية بحد ذاتك، وأنك لا تحتاجين إلى الاندماج في قالب معيّن لتكوني امرأة متمكنة. فبمجرّد أن تحرّكي ما بداخلك، تملكين كل ما هو لازم لإيجاد رسالتك؛ لذا كوني لطيفة مع نفسك، واحتضني نقاط قوّتك، واستكشفي اهتماماتك، وحدّدي أهدافك، واتّخذي الإجراءات اللازمة! واشعري بثقة إطلاق سراح قوّتك الفردية الفريدة.
