قلوب من ورق... ومشاعر من فضة

ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني \ وبيض الهند تقطر في دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها \ لمعت كبارق ثغرك المتبسمِ
 
تُرى هل صدق عنترة، عندما لم يرَ في الموت القادم نحوه إلا التماعة ثغر حبيبته، وهل يفقد الموت جلاله أمام قوة المشاعر؟ سؤال تطرحه علينا قلوبنا دوماً قبل أن تختبر هذه المشاعر بنفسها، سؤال فرضته علينا كل ملاحم الحب الكبيرة، التي عرفنا حكاياتها صغاراً، وأسعد الحظ بعضنا بقراءة أصولها، وخاننا الحظ عندما لم يتوفر نص أدبي مكتوب كما في السير الشعبية، ثم أنقذتنا الشاشة الفضية بتقديم هذه المشاعر الورقية، لنراها تتحرك أمامنا من لحم ودم وأحاسيس، كما نرى نبض قلوبنا يغادر الورق ويطل علينا من تلك الشاشة.
 
أما إذا ارتحلنا بين النصوص الأدبية الرومانسية الأشهر، فسنجد أن السينما لم تقصر في تحويلها إلى صورة حية قدر الإمكان، أصابت في أحيان، وجانبها التوفيق في أحيان أخرى، ويبقى لها في النهاية شرف المحاولة، وتبقى لنا ذكريات حية شكلت وجداننا، لمشاعر –كانت- حبيسة الأوراق، فصارت ملء الأسماع واأبصار.
 
- Romeo and Juliet
قصة الغرام الأشهر لقرون عديدة، كتبها وليام شكسبير في نهايات القرن السادس عشر كعمل مسرحي، واستمرت كنموذج للحب المستحيل بين كل الأجيال اللاحقة عليها، وكواحدة من أجمل قصص الحب وأبأسها، قدمتها السينما كثيراً في أعوام مختلفة وبمعالجات مختلفة أعوام 1936، 1954، 1955، 1968، 1996، 2013، 2014 وبأكبر نجومها في كل مرحلة، إلا أن هذا العمل تحديداً، يجبرنا على أن طرح سؤالاً، هو كيف استطاع شكسبير أن يعبر عن هذه المشاعر الجياشة، من دون أن يكون قد مر بها، وهذا التساؤل كان المحرك الأساسي وراء كاتبي السيناريو Tom Stoppard وMarc Norman ليقدما تحفتهما الخالدة Shakespeare in Love عام 1998، من بطولة Gwyneth Paltrow وJoseph Fiennes، وإخراج John Madden، التي استلهما منها الفكرة والمشاعر، وقدماها برؤية مختلفة تماماً، ليضعا شكسبير نفسه في موقع روميو، يحب ويتألم مثله، فكان من الطبيعي أن يحصدا 7 جوائز للأوسكار، و51 جائزة أخرى.
 
- Pride and Prejudice
واحدة من أشهر الروايات الرومانسية في تاريخ الأدب العالمي، عن الصراع بين الكبرياء والحب، كتبتها Jane Austen، وقدمتها السينما العالمية أكثر من مرة، أولها وأشهرها عام 1940 بفيلم من بطولة Greer Garson, Laurence Olivier, Edward Ashley وإخراج Robert Z. Lonarde، وأعد لها المعالجة السينمائية والسيناريو والحوار Aldous Huxley وJane Murfin.
 
- Jane Eyre
كلاسيكية شهيرة جداً من تأليف Charlotte Brontë، عن الصراع بين الحب والأخلاق، لتضع نموذجاً آخر للحب المستحيل، أبكى كل من قرأوها، ولم تبخل عليهم السينما بمزيد من الدموع في أكثر من فيلم أعوام 1934، 1943، 1996، 2011 كان أشهرها نسخة 1943 من بطولة Orson Welles, Joan Fontaine, Margaret O'Brien، وإخراج Robert Stevenson.
 
- Love in the Time of Cholera
تحفة خالدة من روائع الأديب الكولمبي العالمي Gabriel García Márquez، قد لا يعرفها البعض، كونها رواية حديثة نوعاً، حيث صدرت في ثمانينات القرن الماضي، وأيضاً لكون فكرة تحويل أعمال Márquez إلى السينما يبدو كدرب من الجنون، بسبب لغته الأدبية الرائعة، وصوره البعيدة عن الواقع والتي منحت أدب أميركا اللاتينية اللقب الشهير "الواقعية السحرية"، إلا أن كاتب السيناريو Ronald Harwood والمخرج Mike Newell صمما على اتخاذ هذه الخطوة الجريئة، وقدما نسختهما المميزة من العمل بمساعدة الممثل الشهير Javier Bardem، ومعهه Giovanna Mezzogiorno و Benjamin Bratt.
 
- Gone with the Wind
هو النموذج الأشهر للفيلم الذي فاق نجاحه الرواية الأصلية، التي كتبتها Margaret Mitchell، وقدمتها السينما العالمية عام 1939 من بطولة  Clark Gable وVivien Leigh، وأخرجها Victor Fleming، لتنتصر السينما في واحدة من المرات النادرة على النص الأدبي.
 
- Anna Karenina
ربما كانت هي الرواية ذات الحظ الأكبر في التناول السينمائي، سواء على مستوى السينما العالمية، أو العربية على حد سواء، فمنذ أن كتبها الأديب الروسي العظيم Leo Tolstoy، قدمتها السينما العالمية في أكثر من نسخة أعوام 1935، 1948، 1967، 1976، 1997، 2012، وقامت ببطولتها أيقونات السينما الكبيرة أمثال Greta Garbo، Vivien Leigh، Sophie Marceau وغيرهن، ومازالت كل النجمات الكبار تسعين لإثبات قدراتهن الفنية من خلال هذا العمل الخالد.
 
السينما العربية
من السينما العالمية تنقلنا Anna Karenina إلى "نهر الحب"، أحد أشهر وأجمل مكلاسيكيات الرومانسية العربية على الإطلاق، قدمه المخرج عز الدين ذو الفقار عام 1960، وشارك في كتابة السيناريو له مع الكاتب يوسف عيسى، لتمتعنا به سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، مع النجم عمر الشريف، والقدير زكي رستم.
 
أما عن القصص العربية الأصل، فنجد عميد الأدب العربي دكتور طه حسين، يداعب أجمل ما فينا من مشاعر، من خلال عملين عظيمين، هما "دعاء الكروان" 1959، و"الحب الضائع" 1970، وتولى إخراج العملين المخرج الكبير هنري بركات، وقامت ببطولة الفيلم الأول فاتن حمامة، بينما تولت الجميلة سعاد حسني مسؤولية الفيلم الثاني.
 
وبروايتين رائعتين أيضاً، أطل علينا الأديب يوسف السباعي عبر شاشة السينما، هما "بين الأطلال" 1959، و"رد قلبي" 1957، وللمصادفة أيضاً قام بإخراجهما مخرج واحد هو ملك الرومانسية عز الدين ذو الفقار، وأيضاً كان لسيدة الشاشة نصيب منهما في "بين الأطلال"، بينما قامت الجميلة مريم فخر الدين بملحمة "رد قلبي".
 
لا يمكننا أن تحدث عن الرومانسية دون أن نذكر عندليبها الرقيق عبد الحليم حافظ، الذي قدم مع النجمة لبنى عبد العزيز فيلم "الوسادة الخالية" عام 1957 عن رواية احسان عبد القدوس، التي أخرجها المخرج الكبير صلاح أبو سيف، وكتب لها السيناريو والحوار السيد بدير.
 
وعن صراع المرأة مع العادات الإجتماعية، كتبت الأديبة لطيفة الزيات روايتها الرائعة "الباب المفتوح"، والتي نسجت بين سطورها واحدة من أرق وأجمل قصص الحب، عبرت عنها فاتن حمامة ونجم الكرة المصرية صالح سليم، كأجمل ما يكون في الفيلم الذي أخرجه بركات عام 1963، وكتب له السيناريو والحوار يوسف عيسى.
 
للأسف ابتعدت السينما بعد ذلك كثيراً عن الأدب، وخاصة الرومانسي منه، فلم نجد إلا فيلم "الحب فوق هضبة الهرم"، عن قصة نجيب محفوظ، ليمثل أجيال الثمانينات وما بعدها، بكل معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية، التي يحاولون أن يجدوا عبرها منفذاً للتعبير عن مشاعرهم، فتصر على قهرهم، وقد أخرجه الراحل عاطف الطيب عام 1986، وقام ببطولته أحمد زكي وآثار الحكيم.
 
ترى، هل نجحت السينما بالفعل في التعبير عن كل هذه المشاعر الورقية، أم أن الأوراق أصدق إنباءً من الصورة؟ يمكنك أن تسأل قلبك لتعرف الإجابة.