الناقدة السعودية رحاب الغذامي

خاص لـ"هي": الناقدة السعودية رحاب الغذامي... تقرأ الصورة وتوثق مساحة الفنانين

رهف القنيبط
12 يونيو 2025

حين يكون الفن جزءاً من النشأة، والنقد امتداداً للتجربة، تتكوّن علاقة لا تُصنَّف، هذا ما يتجلّى في مسيرة رحاب عبدالله الغذامي التي لا تضع حدوداً فاصلة بين النظرية والممارسة؛ فهي الفنانة التي تنظر إلى اللوحة بعين الناقد، والناقدة التي تعي أن كل فراغ لوني يحمل معنى.  

في هذا الحوار، تكشف الأستاذة المشاركة في الفنون البصرية والفنانة والناقدة السعودية رحاب عبدالله الغذامي عن جذورها العائلية التي صاغت علاقتها بالفن، وتستعرض تحولات المشهد النقدي في المملكة، وتفكك مشروعها التوثيقي “رحلة تصويرية عبر المملكة” الذي يعيد صياغة العلاقة بين الفنان ومكانه، بين الصورة والنص، وبين الذاكرة والهوية.

رحاب من الفن... وبصيرة تتفتح في البيت

بنبرة مليئة بالفخر تفتتح الغذامي حديثها قائلة: "أنا رحاب عبد الله، ابنة رجل عظيم اسمه عبد الله الغذامي، وامرأة مميزة اسمها فوزية الحميدي. بعدها أستطيع أن أقول بأنني مبدعة، باحثة، محبة للفن بكل صيغه التعبيرية... أرى نفسي فنانة، والنقد جزء مني."

هذا الارتباط المبكر انعكس على اختياراتها لاحقاً، بدءاً من قرار دراسة الفنون في المرحلة الجامعية، ووصولاً إلى اشتغالها الطويل على مفاهيم التذوق الجمالي والنقد الفني. وتتذكر تحديداً لحظة تفاعل والدها مع هذا القرار: "حين اتخذت قرار دراسة الفن بالمرحلة الجامعية تلقى والدي الخبر بهذه الجملة: الحمد لله لقد تحققت أمنيتي بأن تكون إحدى بناتي فنانة تشكيلية."

رحاب الغذامي
رحاب الغذامي لـ"هي": "أستطيع أن أقول بأنني مبدعة، باحثة، محبة للفن بكل صيغه التعبيرية... أرى نفسي فنانة، والنقد جزء مني."

النقد في السعودية: من الإخبار إلى الوعي

ترى الغذامي أن العقد الأخير في المملكة حمل تحوّلات واضحة في الخطاب النقدي المحلي. ليس فقط من حيث الكم، بل من حيث طبيعة الأسئلة المطروحة، وانفتاح النقاش بين الفنان والمتلقي. وتقول: "يشهد النقد الفني في المملكة العربية السعودية تحولاً ملحوظاً في العشر سنوات الأخيرة، ويعود ذلك إلى تزايد أعداد الدراسات والبحوث والكتابات في المجال الفني، والتي فتحت المجال للحوار النقدي بين الفنان والمتلقي والعمل الفني."

لكنها في الوقت ذاته لا تتغافل عن الفجوة: "الحراك الفني أسرع من أدوات تحليله، وعدد النقاد أقل بكثير من عدد الأعمال المعروضة: "مازال نصيب النقد الفني ضعيفاً أمام الحراك الفني الضخم الذي تشهده المملكة الآن، فالأقلام أقل عدداً من فرش الألوان!"

أما التحدي الحقيقي من وجهة نظرها فلا يرتبط بالبنية المؤسسية أو غياب المنصات، بل بشيء أكثر جوهرية: "الشجاعة. الشجاعة هي التحدي الذي كان ومازال حتى الآن، وهي تقوم على إظهار قوة العقل وإبداء الرأي بكل وضوح وصراحة، فهي السبيل الوحيد للنمو والتطور، فالشجاعة وحدها هي ما يعطي النقد قيمته."

وتضيف: "وصوت النقد لا يحتاج إلى منصات متخصصة ليصل إلى الجمهور ويحقق أهدافه، سيجد طريقه إلى الوصول طالما هناك آذان صاغية وعقل يسمع. أما بقية الأمور كطريقة الكتابة وفن الإقناع وقوة الحجة والبصيرة والقدرة على التحليل والربط، فهي مهارات وعلوم إذا لم يمتلكها الناقد فلن يصبح ناقداً، وليس كل من أمسك قلماً اسميناه ناقداً، كما هو حال الفن: ليس كل من أمسك فرشاة أصبح فناناً."

الناقد اليوم: مرافق للوعي لا وسيط للشرح

في ظل التحولات الثقافية التي تشهدها السعودية، تؤمن الغذامي أن دور الناقد تغيّر. لم يعد وسيطاً يشرح العمل الفني للمتلقي، بل مرافقاً يعينه على رؤيته. الهدف ليس التفكيك الأكاديمي، بل بناء وعي بصري يتيح لكل فرد أن يرى، ويشعر، ويفهم.

توضح ذلك قائلة: "الناقد هو العدسة التي يرى المتلقي من خلالها، وليس العقل الذي يفكر عنه.. وهذا هو الهدف السامي الذي يسعى الناقد المعاصر لتحقيقه الآن، بأن يجعل متلقي الفن قادراً على الاستمتاع به قبل فهمه، وقادراً على وضع المعاني التي يراها ويشعر بها قبل أن يسأل عنها، وقادراً على التمييز بين الفن من غيره، وبذلك يكون قد وصل إلى نهاية الرحلة وهي الوعي بالفن وتقديره."

رحاب الغذامي
في الكتاب، يوثّق كل من الغذامي والشهري المساحات الخاصة لفنانين سعوديين، لكن المسألة أبعد من مجرد توثيق.

عن الكتاب: "رحلة تصويرية عبر المملكة"

من هذا المنطلق جاء مشروعها المشترك مع المصوّر عبدالله الشهري، كتاب "رحلة تصويرية عبر المملكة – فنانون ومساحاتهم". المشروع لا يكتفي بتوثيق بصري لمساحات الفنانين، بل يحاول قراءة هذه المساحات بوصفها امتداداً لهويتهم.

توضح فكرة الكتاب قائلة: "أتت فكرة الكتاب حينما طرح الفنان والمصور الفوتوغرافي عبد الله الشهري تساؤلات متعددة حول رواد الفن التشكيلي السعودي: من هم؟ وما هي أشكالهم؟ وأين هم الآن؟ وهو ما قاده إلى إجراء دراسة استكشافية محاولاً من خلالها الدخول إلى عالمهم واكتشاف مواطن إبداعهم، ليخلص إلى إنتاج صورة حيّة تعكس هوية الفنان الفنية داخل مساحته، ويكون بذلك قد ساهم في نقل التاريخ الفني إلى أجيال المستقبل."

ومن هنا بدأت تساؤلات رحاب: "هل يمكن ترجمة هذه الصور؟ هل يمكن تحليل أعمال الفنانين لاكتشاف هويتهم الفنية المختبئة داخلها؟ وأن أقدم نصّاً علمياً يُعدُّ صورة مكتوبة من صاحبها يوازي بثقل معانيه حجم هذه الصورة."

المساحة الخاصة: مرآة الشعور 

في الكتاب، يوثّق كل من الغذامي والشهري المساحات الخاصة لفنانين سعوديين. لكن المسألة أبعد من مجرد توثيق. تقول رحاب: "هي قصة حياة، وكان لا بد من الدخول إلى عالمهم لفهم أفكارهم وحياتهم الاجتماعية والكشف عن مدى انعكاسها على أعمالهم التي عرفوا من خلالها. هذه المساحة تشكل منطقة الراحة لدى الفنان، والمتصفح لصور الكتاب سيرى تنوع وتعدد المساحات واختلافها، إلا أنها تشترك بسمه واحدة وهي شعور الفنان. قد نراها مساحة، ولكنها بالأصل شعور بداخل الفنان وانعكس على المكان مبتكراً إياه من جديد."

عبدالله الشهري
أتت فكرة الكتاب حينما طرح الفنان والمصور الفوتوغرافي عبد الله الشهري تساؤلات متعددة حول رواد الفن التشكيلي السعودي

الصورة والنص: خطاب بصري مزدوج

لم يكن الهدف من الكتاب مجرد التوثيق البصري، بل تمرير خطاب نقدي بصري يعيد تأطير علاقة الفنان بمحيطه. وتشرح: "كانت الفكرة أن نقدم نصين مكملين لبعضهما: الأول متمثلاً بالصورة التي تعكس هوية الفنان، والثاني متمثلاً بالكلمة، وهي كتابة سيرة ذاتية مثيرة وملهمة تجعل القارئ يعيد القراءة، ويخرج في كل مرةٍ بمعانٍ جديدة تختلف عن تلك المعاني التي خلص إليها في القراءة التي تسبقها. وفي كل جملة يقرأها، يحاول أن يبحث عنها ويطابقها مع ما يراه في الصورة."

تجربة قابلة للتكرار؟ 

تختم رحاب بالقول: "من الصورة الخام إلى الصورة الحية، ومن الكتابة التاريخية السردية إلى الكتابة التحليلية النقدية، أرى بأن هذا الكتاب هو تجربة مختلفة تعد بمثابة النافذة التي ستفتح الطريق أمام الباحثين لإجراء تجارب مماثلة تهدف إلى حفظ الإرث الثقافي ونقله بصورة معاصرة لأجيال المستقبل."

رحاب الغذامي لا تكتب من مسافة، بل من الداخل. لا تحاكم المشهد، بل تشاركه. وفي هذا الاشتباك اليومي بين الفكر والإحساس، بين النص والفرشاة، يتكوّن مشروعها: بناء ذائقة بصرية سعودية واعية، تنتمي لزمانها ومكانها، وترى في الفن أكثر من مجرد ممارسة... بل امتداداً للهوية.