المخرجة والكاتبة الإماراتية نايلة الخاجة لـ "هي": فن السينما هو الفن الأكبر لأنه يجمع كل الفنون

حوار: مي بدر Mai Badr

يلتفت عشاق السينما في كل ربيع إلى الريفييرا الفرنسية، حيث تُبسط السجادة الحمراء، وتومض أضواء الكاميرات من كل حدب وصوب، وتتلون الشاشات الضخمة بأحدث روائع الفن السابع، وتمتلئ المقاعد بأهم العاملين في صناعة الأفلام الذين يتوافدون عاما تلو الآخر إلى فعاليات مهرجان "كان" السينمائي الدولي الذي يترصع بأناقة أزياء ومجوهرات النجمات الحاضرات، ويتكلل بثمار المواهب السينمائية المشاركة.

انطلاقا من شغفها بعالم السينما وانبهارها بأفلامه وتقديرها لنجماته، بنت "كارولين شوفوليه" الرئيسة الشريكة والمديرة الفنية لدار المجوهرات السويسرية "شوبارد" شراكة طويلة الأمد مع مهرجان "كان" السينمائي، وقد احتفلت في دورة المهرجان الأخيرة بمرور 25 عاما على انطلاق هذه العلاقة الراسخة في قصة الحب التي تجمع "شوبارد" وعالم السينما. ومن بين ألمع المواهب التي دعتها دار "شوبارد" إلى "كان" للاحتفال بذكرى شراكتها مع المهرجان، المخرجة والمنتجة والكاتبة الإماراتية المبدعة "نايلة الخاجة". خلال المهرجان الذي أعلنت فيه "الخاجة" عن فيلمها الجديد "باب"، التقينا بهذه المرأة الشغوفة بفن السينما، والمثابرة على تحقيق أحلامها وأهدافها، والمستعدة دائما لمواجهة كل التحديات والعقبات.

تولي "نايلة الخاجة" اهتماما كبيرا لدعم المواهب الفنية المحلية في وطنها وتوجيهها، ومناصرة القضايا التي تعني لها الكثير، مثل تمكين المرأة في شتى المجالات، والمساواة بين النساء والرجال في صناعة الأفلام، وتمويل الأعمال السينمائية. في أعمالها، تسرد قصصا قوية تعكس ثقافة بلادها، وتتحول برؤيتها الفريدة إلى مشاهد مؤثرة تحرك إحساس كل من يشاهدها. في هذا الحوار، تخبرنا عن تجربتها في "كان" ومسيرتها المهنية اللامعة ومشاريعها الجديدة وأبرز القضايا التي تهمها.

 

نايلة الخاجة لـ "هي": كل المنتجين الذين أتعاون معهم حائزون شهادات متخصصة في الاستدامة أو ما يسمونه بـ"الإنتاج الأخضر"

نايلة الخاجة لـ "هي": أتشرف بأنني الإماراتية الوحيدة التي تمثل بلدي ومدينتي دبي في "كان" وخاصة مع "شوبارد"
 

عام 2018 أصبحتِ أول موهبة إماراتية تدخل "شبكة المنتجين" في مهرجان "كان" السينمائي الدولي. ماذا يعني لك أن تكوني اليوم موجودة مع دار "شوبارد" في مهرجان "كان" في دورته الـ75، وفي الذكرى الـ25 لولادة الشراكة بين الدار والمهرجان؟

قد تكون هذه أجمل سنة لحضور مهرجان "كان" مع دار "شوبارد"، وكل شيء جرى بالصدفة! أنا سعيدة للغاية بأن أكون جزءا من هذا الحدث المهم، وأن أشارك "شوبارد" الاحتفاء بالذكرى الـ25 لولادة شراكتها مع المهرجان المرموق. وأتشرف بأنني الإماراتية الوحيدة التي تمثل بلدي ومدينتي دبي في "كان"، وخاصة مع "شوبارد" التي تمثلها "مجموعة صديقي" المرموقة.

 

نايلة الخاجة لـ "هي": لم أيأس حتى حين كان كلام المنتجين محبطا جدا بل أصررت على تثقيف نفسي ومتابعة دراستي

كيف كانت تجربتك الأولى في مهرجان "كان"؟

زيارتي الأولى إلى "كان" كانت قبل فترة طويلة، حين كنت شابة بعمر 26 سنة. قدّمت في بداية مسيرتي الكثير من الأفلام القصيرة التي دخلت مهرجانات عالمية، لكنني في كل مرة تكلمت فيها مع منتج عالمي، كنت أسمع جواب الرفض، ويقال لي إنني لم أصل بعد إلى المستوى المطلوب. غير أنني لم أيأس، حتى حين كان كلامهم محبطا جدا؛ بل أصررت على تثقيف نفسي، وحضرت دورات مونتاج وإخراج وإنتاج في لندن، ودرست في مدينة تورونتو الكندية لست سنوات. وبعد إنهاء دراستي، تطوعت في مواقع تصوير مع مخرجين متمرسين، وتعلمت من هذه التجربة الكثير. ودائما أنصح كل من يختار مهنة الإخراج بالعمل مع مخرجين كبار تطوعا، والاطلاع على أساليب عملهم.

قبل الجائحة بسنة ونصف، عملت على فيلم قصير غيّر كل شيء حين شاهده المنتجان اللذان أردت التعاون معهما، وقد وقعت بعد ذلك عقد عمل مع كل منهما. هكذا تحقق حلمي بالإرادة والشغف والمثابرة.

 

لطالما عبّرت "كارولين شوفوليه" عن شغفها بالسينما وحبها وتقديرها للفن السابع من خلال تصاميمها. لماذا كان للأفلام على مر العقود تأثير كبير في عالم الأزياء والمجوهرات؟

برأيي، إن فن السينما هو الفن الأكبر، لأنه يجمع كل الفنون. في السينما، موسيقى وإضاءة وعمارة وتصميم داخلي وكتابة سيناريو وشعر، ولذلك نجد صناعة الأفلام مكلفة للغاية. وتدخل في عالم السينما طبعا الأزياء والمجوهرات، كما في فيلميباب" الذي أعلنت عنه في مهرجانكان”. تلعب المجوهرات دورا كبيرا في هذا الفيلم، لأنها مرتبطة بذكريات جميلة عن الشخص الذي تعاني الشخصية الأساسية بسبب وفاته.

 

هلا أخبرتنا أكثر عن فيلم "باب"؟

"باب" هو فيلم ثقافي فني كتبتُ قصته مع الكاتب الشهير مسعود أمرالله العلي. للموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية، تعاونت مع الفنان العالمي "أي آر رحمان" الذي فاز بجائزتي "أوسكار" خلال مسيرته المهنية التي تضم أكثر من 150 فيلما، من بينها "المليونير المتشرد". أحمد الله على فرصة العمل مع عملاقين في مجاليهما، وأعرف طبعا أنه يجب علي أن أكون في المستوى ذاته، وأعطيهم صورة تلائم مستوى الصوت ومستوى الكتابة.

يتميز الفيلم بقوته المرئية الرائعة والأنغام الموسيقية الساحرة المتكاملة. أما القصة فقد انبثقت من أرض الإمارات، وكان التصوير في جبال رأس الخيمة. الحكاية الجميلة والحزينة في آن واحد تعالج بطريقة مختلفة وغير عادية المراحل الأربع للتغلب على وفاة شخص، وتحديدا وفاة توأم الشخصية الأساسية. حياة بطلة الفيلم تتدهور وتتأرجح بين الخيال والواقع، بعد أن وجدت في الخيال طريقة تستطيع فيها أن تعالج نفسها. قصة الفيلم تلامس أحاسيس كل شخص فقد أحدا يحبه. إنه فيلم إنساني جدا.

 

ما ذكرياتك الأولى المتعلقة بالمجوهرات؟ وهل من قطعة مجوهرات تعتبرينها الأغلى على قلبك؟

قبل 44 سنة، أهداني والدي سلسلة لعنقي لدى ولادتي، يزينها بشكل ناعم وكلاسيكي حرف النون المرصع بالألماس. حين أمسكها بيدي، أشعر بأنني ألامس روح أمي وروح أبي، أطال الله عمريهما. هذه السلسلة المفعمة بالحنين والذكريات هي أغلى قطعة أملكها، ولن أبيعها قط، ولو عرضت علي الملايين. وإضافة إلى المعنى الذي تحمله، إنها جميلة وأنيقة، وما زالت تتحدى الزمن تماما كما نجح حب والدَي بتحدي الدهر.

 

نايلة الخاجة لـ "هي": كل المنتجين الذين أتعاون معهم حائزون شهادات متخصصة في الاستدامة أو ما يسمونه بـ"الإنتاج الأخضر"

أطلقت "شوبارد" قبل نحو عشر سنوات رحلتها نحو "الترف المستدام". هل الاستدامة قضية تهمك؟

كل المنتجين الذين أتعاون معهم حائزون شهادات متخصصة في الاستدامة، أو ما يسمونه بـ"الإنتاج الأخضر"، وهو ما ينعكس على كل عنصر من عناصر موقع التصوير، حيث لا نستخدم البلاستيك، ونستعين فقط بالسيارات الكهربائية، ونختار السلع المصنوعة من مواد معادٍ تدويرها. فريق العمل على فيلمبابيضم مثلا منتجة نمساوية تركز في كل مشاريعها على الممارسات المستدامة.

 

هل تشعرين بغياب المساواة بين الرجل والمرأة في صناعة الأفلام حتى اليوم؟

طبعا، يكفي أن ننظر إلى الأرقام، لنعرف الحقيقة. الآراء قد تختلف، لكن الإحصاءات تثبت كل شيء. نسبة أفلام العالم الموزعة التي تخرجها نساء هي فقط 9 في المئة. هذا الرقم العالمي ضعيف جدا، لكننا في صناعة الأفلام العربية نرى نسبة أكبر من الأفلام التي تخرجها نساء، وهو ما سلط عليه الضوء حديثا مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي. هذا الموضوع يثير انفعالي، وخاصة لأنني كنت أرى في صفوف الجامعة عددا متساويا من الرجال والنساء، لكن عدد المخرجات بعد التخرج يتقلص تدريجيا. وقد تبين أن السبب هو أن من يوقعون على عقود تمويل الأفلام يبقون الميزانيات الكبيرة للرجال، والصغيرة للنساء. لذلك، نرى الكثير من الأفلام الوثائقية غير المكلفة التي تخرجها مواهب نسائية، ومن النادر جدا أن نرى فيلما ضخما من إخراج امرأة.

 

كيف تتحدين هذا الواقع غير المنصف؟

قلبت المعادلة حين أحضرت المستثمرين بنفسي. هذه هي الطريقة الوحيدة: كي تمكّن المرأة نفسها، عليها أن تجلب الاستثمار بنفسها، فتقدر أن تحقق حلمها.

 

نايلة الخاجة لـ "هي": السينما المحلية بحاجة إلى صندوق دعم حكومي ومستثمرين مثقفين واتفاقيات إنتاج مشترك بين الدول

ما أهم التغييرات التي تتمنين حدوثها في صناعة الأفلام في الإمارات العربية المتحدة؟ وما أهميتها؟

معروف عن الإمارات أنها إذا صبّت اهتمامها في مجال معين، تتألق وتبرع فيه. السينما بحاجة إلى اهتمام ملموس، يرتكز على ثلاثة أمور. نحن بحاجة أولا إلى دعم مادي قوي على شكل صندوق حكومي مخصص لرواد السينما، وثانيا إلى تثقيف المستثمرين المحتملين حول الاستثمار في صناعة الأفلام، وثالثا إلى اتفاقيات إنتاج مشترك بين الدول العربية والأجنبية تسمح بحصولنا على امتيازات مثل المنح الحكومية والتخفيف الضريبي.

تكمن أهمية دعم فن السينما في كونه سفيرا ثقافيا يروج لقصص موطنه، وأحد أركان "القوة الناعمة". أنا أعتبر نفسي مثلا سفيرة لدولتي، دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

إلى جانب فيلم "باب"، ما المشاريع الأخرى التي تعملين عليها حاليا؟

هناك فيلم آخر اسمه "ثري" Three سوف أبدأ بتصويره في مدينة بانكوك التايلاندية في أغسطس الآتي. زرت تايلاند قبل سفري إلى "كان"، وفوجئت بخيارات المنازل المتوفرة للتصوير التي وجدتها في بانكوك. سأصور المواقع الداخلية في بانكوك، والمشاهد الخارجية في الإمارات، لكنني كنت أفضل طبعا تصوير كل أجزاء الفيلم في بلدي، لولا الفرق الشاسع في النفقات الإجمالية.

"ثري" هو فيلم إماراتي مع سيناريو لكاتب مشهور، ودور لممثل بريطاني معروف جدا. والمستثمران هما الإماراتيان منى القرق وسلطان الدرمكي الذي استثمر أيضا في فيلم "باب". سعدت كثيرا بالدعم النسائي القوي من منى القرق التي تستثمر في صناعة الأفلام للمرة الأولى، والتي غيّرت حياتي بعد أن واجهت رفضا من جهات كثيرة.

 

ماذا لو قرر أحد ولديك دخول مجال صناعة الأفلام؟

أنا أم لابنين، وهما بالفعل حياتي كلها. سأدعمهما طبعا إذا اهتما بمجال السينما وامتلكا موهبة حقيقية. لكن الأهم بالنسبة إلي هو أن يقدّرا قيمة الأشياء. أطلقت رحلتي مثلا في عالم السينما عبر تنظيف النوافذ وتقديم القهوة للمخرجين. بدأت حقا من الأسفل، وبنيت خبرتي على مدى 22 سنة بجهد كبير ومثابرة وتفانٍ. لكن إذا أتى شخص ما ووجد كل شيء جاهزا له، فلن يشعر بقيمته.