رحلة استكشافية حول تأثير روائح العناية بجمالك على ذاكرتكِ العاطفية.. لا تفوتكِ
هل تعلّمين أن عالم العطور والعناية يتحدث بلغة لا تعرف النسيان؟. نعم، فعندما تدخل جزيئات الرائحة إلى الأنف، لا تسلك الطريق الاعتيادي للمعلومات نحو العقل الواعي، بل تتجه مباشرة إلى لوزة الدماغ العاطفية والذاكرة، كرسالة سرية لا تمرّ على حراس العقل التحليلي.
وبما أن المرأة، بتركيبتها العصبية الغنية بالوصلات بين مناطق العاطفة والذاكرة والحواس، غالبًا ما تكون موسيقارًا ماهرًا في عزف سيمفونيات الذكرى عبر الروائح؛ فإن كل زجاجة كريم، شامبو، وصابونة قد تكون كبسولة زمن عاطفية تنتظر اللحظة المناسبة لتنفتح.
ربما تستغربين من حديثي اليوم، لكن قوة الشم العاطفية "البوابة السرية التي تربط بين أنفّنا وأوتار قلوبنا" ستجعلني أتطرق إلى موضوع في غاية الأهمية، آلا وهو "مدى تأثير روائح العناية بجمالنا على ذاكرتنا العاطفية".
لأنها ليست مجرد عناصر تجميلية، بل سّير شخصية غير مكتوبة "رائحة شامبو الأطفال قد تكون أول بطاقة هوية عاطفية تعرفها الفتاة. كريم اليدين باللوز قد يكون صوت أم حنون لا يزال يهمس في الليل. زيت الياسمين للشعر قد يكون رفيق أول لقاء غرامي. وصابونة الغار التقليدية قد تكون روح بيتٍ لم يعد موجودًا".
من هذا المنطق، دعينا نستكشف معًا عبر موقع "هي" مدى قوة العلاقة بين روائح مستحضراتنا التجميلية وذاكرتنا العاطفية؛ بناءً على توصيات كل من استشارية الطب النفسي الدكتورة لبنى عزام، وأخصائية التجميل مرام محمد من القاهرة.
حكاية الروائح الخفية
ووفقًا للدكتورة لبنى، هل تعلّمون أن روائح العناية لا تُغذي البشرة والشعرفحسب؟. نعم، لأنها أيضًا الروح بسلسلة من الذكريات التي تشكّل هوية المرأة العاطفية؛ فهي تحفظ لحظات التحول من طفلة إلى فتاة إلى امرأة، وتخزّن أسرار الثقة والضعف، الألم والنشوة. عمومًا في هذا العالم السري، كل امرأة هي أميرة روائحها الخاصة، تحمل في خفاياها العطرية خريطة مشاعرها، حيث تكون الرائحة بوصّلة تُعيدها إلى لحظات قد تبدو للآخرين عادية، لكنها تشكّل لها كونًا كاملًا من المعنى.

قوة العلاقة بين روائح العناية والذاكرة العاطفية تنبع من هذه الآلية
وتابعت دكتورة لبنى، الاتصال المباشر مع اللوزة الدماغية يجعل الروائح تتجاوز مراكز المعالجة العقلية وتتصل مباشرة بالجهاز الحوفي في الدماغ "مركز العواطف والذكريات"، وبالتالي عندما ترتبط رائحة معينة بتجربة عاطفية قوية، يتم تخزينها معًا في الذاكرة طويلة المدى، إلا أن يتم استدعائها بشكل لا واعي "قد تثير رائحة مفاجئة ذكريات قديمة من دون محاولة استدعائها".
روائح العناية تصّنع ذكريات لا تُنسى
وأضافت دكتورة لبنى، أي امرأة تبحث عن روائح للعناية العاطفية، فعليها أن تُجرب روائح تذكرها بلحظات إيجابية أو تشعرها بالراحة. كذلك لا مانع من استشارة متخصصًا في العلاج العطري إذا كانت تريد تطبيقًا منهجيًا. أما على سبيل المثال فإليكِ التالي:

- رائحة الشامبو المعتادة "قد تعيدكِ إلى فترة معينة من حياتكِ".
- عطر الاسترخاء المسائي"يرتبط بذكريات الراحة والأمان".
- كريم اليد برائحة اللافندر "قد يذكركِ بأشخاص أو أماكن خاصة".
- رائحة الشمس على الملابس النظيفة "تثير مشاعر الطفولة والمنزل".
من ناحية أخرى، أكدت دكتورة لبنى، أنه يُمكن لاي امرأة استخدام قوة الروائح لتعزيز مشاعرها الإيجابية من خلال إنشاء روابط مقصودة "استخدمي روائح معينة أثناء لحظات مهمة لإستعادة الذكريات الجميلة"، إحياء الذكريات الجميلة "استعيدي رائحة من الماضي لتستعيدي المشاعر المرتبطة بها"، والتركيزعلى علاج عطري لصحتكِ النفسية "استخدمي الروائح المهدئة في أوقات التوتر".
دراسات توثق العلاقة القوية بين روائح العناية وذاكرتنا العاطفية
أكدت دكتورة لبنى، على وجود روايات عديدة في الأدبيات العلمية والشعبية حول تأثير الروائح على الذاكرة العاطفية، خصوصًا لدى النساء. ورغم أن البحث العلمي في هذا المجال معقد ولا يزال مستمرًا؛ إلا أن بعض الدراسات المتاحة أكدت النقاط الرئيسية التالية:

علاقة قوية بين الرائحة والذاكرة العاطفية
ترتبط الروائح بشكل مباشر بالجهاز الشمي (olfactory system)، الذي يرتبط بدوره باللوزة الدماغية (amygdala) والحصين (hippocampus) المناطق المسؤولة عن المعالجة العاطفية وتكوين الذكريات. هذا الارتباط العصبي قد يجعل الروائح محفزات قوية لاستدعاء ذكريات عاطفية. علمًا أن غالبًا ما تُستدعى الذكريات المرتبطة بالروائح بتفاصيل عاطفية قوية، وقد تكون أكثر وضوحًا من الذكريات المرتبطة بالحواس الأخرى "الذاكرة الشمية".
روائح شائعة مرتبطة بالتجارب العاطفية
- روائح الطبيعية مثل "رائحة المطر (رائحة الأرض بعد المطر)، رائحة البحر، رائحة الزهور (كالورد أو الياسمين)، أو رائحة القهوة الطازجة". هذه الروائح قد ترتبط بذكريات طفولة أو لحظات سعيدة.
- روائح مرتبطة بالأشخاص مثل "رائحة عطر معين لأحد الأحبة، رائحة بشرة الرضيع، أو رائحة طعام محبب في العائلة".
- روائح موسمية مثل "رائحة البخور في المناسبات الدينية، رائحة التوابل في الأعياد، أو رائحة أزهار موسمية محددة".
الاختلافات الفردية والثقافية
- يعتمد التأثير العاطفي للروائح بشكل كبير على التجارب الشخصية والارتباطات الذاتية. ما يثير ذاكرة إيجابية لامرأة قد لا يكون له نفس التأثير على أخرى.
- بعض الروائح مثل (رائحة البخور أو نباتات محلية) قد تحمل دلالات عاطفية مشتركة في ثقافة معينة
تأثير العناية الذاتية
- تُستخدم روائح مثل اللافندر (للاسترخاء) أو النعناع (للانتعاش) في العناية الذاتية، وقد تساعد في تحسين الحالة المزاجية أو تخفيف التوتر.
- بعض النساء يستخدمن روائح معينة مثل (عطر مفضل) لخلق ارتباط إيجابي أو تعزيز الذاكرة العاطفية في لحظات مهمة.
الجدير بالذكر، أنه رغم وجود دراسات على التأثير العام للروائح على الذاكرة والعاطفة، إلا أن هناك نقصًا في الدراسات المحددة التي تقارن بين الجنسين أو تركز فقط على النساء. لكن في نفس الوقت من الصعب عزل تأثير الرائحة بحد ذاتها عن العوامل المرتبطة بها مثل "السياق، الحالة النفسية السابقة، والتوقعات".
أفضل روائح عطرية تبقى في الذاكرة العاطفية للمرأة

من ناحية أخرى، أشارت أخصائية التجميل مرام في بداية حديثها، إلى أنه يجب التعامل مع الادعاءات المبالغ فيها حول "روائح سحرية" تؤثر على عواطف المرأة بحذر. مؤيدة كلام الدكتورة لبني "التأثير يبقى شخصيًا ومعتمدًا على السياق". وأكدت أن ما يميز الروائح العطرية التي تبقى في الذاكرة العاطفية للمرأة هو قدرتها على خلق ارتباط قوي بين الرائحة ولحظة أو شخص أو شعور عميق. وغالبًا هذه الروائح ما تكون كالتالي:
روائح دافئة وعضوية.. مرتبطة بالأمان والحنان
- رائحة بشرة طفل حديث الولادة "تترك أثرًا عميقًا لدى الأمهات".
- رائحة الخبز الطازج أو الحلويات المنزلية "تذكر ببيت الطفولة والأمان العائلي".
- روائح الأقمشة النظيفة المعطرة بأشعة الشمس "تثير شعورًا بالنظافة، الراحة والهدوء".
روائح الفخامة والعاطفة.. مرتبطة بالأنوثة والجاذبية
- غالبَا ما ترتبط بأول عطر أنثوي أو بمناسبات احتفالية، مثل " الورد الدمشقي أو الياسمين الأبيض".
- روائح دافئة وحلوة تثير الشعور بالدفء العاطفي والحميمية، مثل " الفانيليا والكهرمان".
- روائح عميقة وروحانية، ترتبط أحيانًا بالمناسبات الخاصة أو الشخص الجذاب، مثل " العود أو البخور

روائح منعشة وحيوية.. مرتبطة بالطبيعة والنقاء
- رائحة المطر على الأرض"تثير شعورًا بالتجدد والأمل".
- رائحة زهرة البرتقال (نيرولي) "ترتبط بالربيع والبدايات الجديدة".
- رائحة البحر والملح "تذكر بالإجازات، الحرية والاسترخاء".
روائح مؤثرة.. مرتبطة بشريك الحياة أو الحب
- عطر الشريك المفضل، حتى لو لم تكن رائحته مثالية للمرأة، فإن ارتباطها بشريك الحياة يمنحها قوة عاطفية.
- مزيج من رائحة الشموع والقهوة و كتاب قديم، قد يرتبط بذكريات لقاءات حميمية أو محادثات عميقة.
روائح موسمية أو ثقافية.. مرتبطة بإثارة الحنين
- رائحة القرفة والقرنفل في الأعياد.
- رائحة الزعتر والزيت وقت الإفطار في رمضان "الثقافات العربية".
- رائحة زيت الكينا أو المنثول في أيام المرض والعناية الأسرية.
الجدير بالذكر، أن الذاكرة العاطفية للروائح شديدة الخصوصية. بمعنى أن "ما يثير الحنين لدى امرأة قد لا يعني شيئًا لغيرها.
على الهامش.. نصائح ذهبية لتختاري روائح عناية تبقى في الذاكرة العاطفية

- اختاري رائحة ترتبطين بها أنتِ أو صديقتكِ بحدث عاطفي، وليس مجرد رائحة "شائعة".
- إذا كنتِ تختارين هدية، اطلبي من الشخص أن يختار بنفسه "دعيّه يشمّ عدة روائح ليختار ما يلامس ذاكرته.
- إذا أردتِ لرائحة أن تصبح ذكرى، استخدميها في أوقات خاصة مثل "رحلة، احتفال، لقاء حميم".
وأخيرًا، رغم أن العطور بصفة عامة قد تتغير على الجلد مثل "تلك التي تبدأ منعشة ثم تصبح دافئة"، إلا أنها تخلق ذاكرة أكثر تعقيدًا وتعلقًا. ولكن ما أجمل أن تكون الذكريات العاطفية مخزنة في زجاجة عطر، تنتظر لحظة الفتح لتطلق مشاعر كانت تنتظر إشارة من حاسة الشم لتستيقظ من ثباتها.