
مارك-أنطوان باروا لـ "هي": هكذا بدأت رحلتي مع العطور وأصنعه كأنني أروي قصة حبّ
ما الذي يدفع مصمم أزياء إلى ابتكار عطر يُشبهه؟ بالنسبة لمارك-أنطوان باروا Marc Antoine Barrois، وهو مصمم أزياء فرنسي أسس علامته التجارية التي تحمل اسمه (Marc-Antoine Barrois) ، والتي توسعت لتشمل عالم العطور الفاخرة، لا فرق بين تصميم فستان وتوقيع نفحة عطرية… كلاهما فعل فني وامتداد لحالة شعورية. من مشغله في باريس، انطلق برؤية تتجاوز الأقمشة إلى الذاكرة، ليحوّل مشاعر دفينة إلى عطور فاخرة تنطق بالإبداع. في هذا اللقاء الخاص بموقع "هي"، يحدثنا عن العلاقة السحرية التي تربطه بالعطر، عن صداقته المميزة مع كوينتن بيش، وعن مفهومه الخاص للرفاهية والتميّز، حيث لا مكان للتقليد ولا مساحة للمجاملات.
- بعد مسيرة مهنية لامعة في عالم الموضة، قررت الانتقال إلى عالم العطور في عام 2016. ما الذي دفعك إلى هذا التحوّل، وكيف أثَّرت خلفيتك وخبرتك في الموضة على مقاربتك لصناعة العطور؟
لقد توسعت إلى عالم العطور لكنني لم أترك صناعة تصميم الأزياء. فأنا لم أدرس تصميم الأزياء فحسب، بل الفنون بشكل عام منذ سن المراهقة المبكرة؛ كنت أدرس الفنون الجميلة في المدرسة، وأواصل دراستها إلى ما بعد العشاء، مهتمًا بالرسم وتصميم الأزياء وبقَصّات الملابس. لذلك، أعتبر نفسي فنانًا، والفن بالنسبة إلي هو وسيلة للتعبير والابتكار.

عملتُ في مجال الأزياء الفاخرة مع مصممين بارزين، فتعلّمت منهم أسرار الأزياء الراقية. وحين أنشأت علامتي التجارية الخاصة عام 2009، أدركتُ أنني وإذا أردتُ تحقيق رؤيتي الإبداعية عبر وسائط متعددة - كالأزياء والمجوهرات وغيرها – أحتاج إلى بناء علامة تجارية كاملة، لا إلى الاكتفاء بتصاميم تحمل توقيعي. نحن نعيش في عالم الناس فيه موجودون في قلب علامة تجارية ما. قد تكون هذه العلامة لسيارة، أو لساعة يد أو لشركة تقدم منتجات طب الأسنان، مثلًا. نظهر جميعنا من خلال العلامة التجارية التي نبتكرها، وقد أنشأت علامتي التجارية في محاولة لإبراز الأزياء الراقية كوسيلة لحث الناس على شراء كميات أقل ولكن بجودة أعلى.
أحببت العطور منذ ذلك الوقت. أجد أن بين العطور والبشر علاقة دائمة، إنها بمثابة ذاكرة متصلة بحاسة الشمّ، وهي ذاكرة فعالة للغاية. لذا، كانت جزءًا مما حلمتُ بتصميمه بطريقة ما. إنه أمر رائع، لأن الناس عندما يضعون عطرهم المفضل، يشعرون بالسعادة. قد يختلف تصميم خواتم الزفاف بعض الشيء عن العطور، ولكن المبدأ هو نفسه؛ وقد صمّمتُ المجوهرات، بما فيها خاتم زواجي. إنه حقًا لمجال إبداعي واسع أن نبتكر قطعًا فنّية يرتديها الناس طيلة حياتهم - على الأرجح. الأمر ينطبق على العطور كذلك: إنها وسيلة تثير ذكريات الناس، وتجعلهم يعيشون خلفها حتى لو أغمضوا عينيهم. يمكن التعرف على شخص من رائحته، فالرائحة هي الذكرى الأطول حياة التي تربطنا بشخص ما والتي لا ننساها أبدًا. عندما نشمّ عطرًا ما، تعود بنا الذاكرة إلى أحداث ومشاعر، ولو بعد عشر سنوات.
العطر محفّز قوي للذاكرة ودافع للتصميم والابتكار. إنه بمثابة التصميم الأسمى، الذي يأتي ليتوّج الأكسسوارات والمجوهرات، فيكون في ذروة الإبداع. هذا هو أول عطر صممته والذي يجسد الرؤية التي طالما حلمت بها.
- شكل عطر B683 أول خطوة لك في عالم العطور، هل يمكنك أن تروي لنا قصة عطرك الأول؟ ما الذي أردت التعبير عنه، وكيف تعاونت مع صانع العطور كوينتن بيش لتجسيد هذه الرؤية؟
كان هذا عطري الأول. لم أكن أرتاح للعطور قبل ذلك. عام 2015، قررت إطلاق عطر للرجال. التقيت بكوينتن بيش، وكان بيننا إعجاب إبداعي من النظرة الأولى. نعم، كان ذلك إعجابًا إبداعيًا. من الصعب جدًا أن تثير العطور الذكريات نفسها فينا جميعًا، فقد يذكرك هذا العطر بشيء ما، بينما يثير العطر نفسه لدى شخص آخر ذكريات مختلفة. لذلك فإن لقاء شخص يشاركك الذكريات نفسها التي تثيرها العطور هو أمر سحري. كنا نتحدث وأدركنا العلاقة المجنونة التي تجمعنا - مثل التحدث بلغة الشمّ ووضع المكونات في نطاق الحب والطبيعة. وعلى الرغم من أنني درست في كندا وهو في لندن، إلا أننا كنا بحاجة إلى الشيء نفسه. هذه هي الصلة التي جمعتنا.
هنا، كانت نقطة البداية. وقلت لـ كوينتن: "الآن تعرفني، حاول أن تصنع عطرًا لي أنا، وليس لعلامتي التجارية". طلبت منه أن يستلهم أفكاري في صنعه. عملنا معًا وعرض علي ابتكارات مختلفة؛ قررت أن أسلك اتجاهًا واحدًا، فيما استمر هو في العمل. وقبيل إطلاق العطر في 6 أكتوبر 2016، أخبرني أنه صنع العطر لنفسه ولكنه يأمل أن يعجبني. أحب نجاح عطري. إنه استثنائي وصادق ومحترم. إنه مصنوع من القلب. لن أصنع أي عطر لا أحبه. استغرق الأمر منا ثلاث سنوات لأننا لم نكن راضين؛ كنا نبحث عن التركيبة والتوازن المناسبين. تم ابتكار هذا العطر من أجلي؛ أما جميع العطور الأخرى، فقد صُنعت لأشخاص آخرين في محاولة لابتكار عوالم خيالية.
- كيف تبدأ العملية الإبداعية لابتكار عطر جديد؟ هل تبدأ بمشاعر أو بذكرى أو بمكونات عطرية معينة؟
تبدأ العملية الإبداعية في بعض الأحيان بمشاعر أو بذكرى ما، ولكن ليس بمكونات عطرية على الإطلاق. إنه شعور، أو اتجاه غامض للغاية، يرسله كلّ منّا إلى الآخر. أحيانًا يقول لي كوينتن: "أعتقد أنه يمكننا أن نفعل شيئاً كهذا"، وأحياناً أقول له: "إذا كان علينا أن نصنع عطرًا ثانيًا، فلنصنعه على أنه النسخة التي أود أن أكونها". بالنتيجة، تقودنا هذه العملية إلى التفكير في أحلامنا وما نود أن نكون عليه.

قبل عشر سنوات، عندما بدأنا العمل على Gany، كنا مهتمين بالجمال ومحاولة خلق جمال مثالي. ولكن بعد ثماني سنوات، وبوصفي أبًا لثلاثة أطفال، لم أعد أضع الجمال كأولوية؛ بل باتت هناك أمور أخرى تحظى بالأولوية. بعد ولادة أطفالي، أطلقنا علامة ديليليا التي تتمحور حول السعادة. وهذا يؤكد أننا كبشر لا نبقى على حال واحدة. الفنان لا يرسم اللوحات نفسها طوال حياته. لقد بدأت بالرسم، ولكنني الآن ربما أكره الرسم لأنه بطيء جدًا وقديم الطراز. نحن نتغير وعلينا أن نتقبل ذلك ونعتز بذكرى الماضي. هذا الماضي يمكنه أن يكون ذكرى نعتز بها في الحاضر، كما يمكننا أن نستمتع بالرغبة في المستقبل، ولكن يجب أن نعيش في الحاضر.
- ماذا تعني لك كلمة "الرفاهية" في سياق صناعة العطور الحديثة؟
بالنسبة لي، من الصعب وصف الصناعة الحديثة للعطور بكلمة واحدة. لقد شققت طريقي بنفسي وأود أن يبتكر الناس علامات تجارية بالاستقلالية نفسها التي أتمتع بها. أريد أن أحافظ على استقلاليتي وحريتي في ابتكار العطور الجريئة، وأن أقوم بذلك بإبداع فني. لسوء الحظ، تميل صناعة العطور، إما إلى الإلتزام بالمنتجات المتخصصة جدًا التي لا يمكن الحصول عليها بسهولة، أو تصنيع منتجات مخصصة لشرائح جماهيرية كبيرة، حيث ينصب التركيز على بيع العلامة التجارية. معظم العطور تجارية وليست إبداعية بما فيه الكفاية. إنه أمر محزن. وغالبًا ما أقول للناس: حتى لو أردتم بيع العطور كما يُباع الخبز، ليكن ذلك ممتعًا. عملية الإبداع تستهلك الكثير من الطاقة والابتكار الخلّاق. فإذا لم تكن ممتعة، سيكون مصيرها الفشل
كانت الرفاهية بالنسبة لوالدي تتمثل في شراء سيارة جديدة لأول مرة. كان يرى أن ذلك مرتبط بالوقت - فامتلاك المزيد من الوقت هو الرفاهية بالنسبة إليه. مفهوم الرفاهية يختلف بين شخص وآخر.
لا أعتقد أن العطر يمكنه أن يكون منتجًا فاخرًا بسبب سعره فقط. يجب أن يكون كذلك، ولكنني أريد أن يتمكن الأشخاص الذين أحبهم من شرائه. بعض المنتجات تكلف الكثير؛ على سبيل المثال، هناك منتجات يزيد سعرها عن 12,000 يورو، لذا فهي ليست رخيصة، ولكنه ثمن الجودة.
تعريفي للرفاهية هو أن أحترم العملاء، وألا أفرض سعرًا لمجرد أن تبدو منتجاتي فاخرة. إذا كان هناك سبب إبداعي أو سبب يتعلق بالجودة لارتفاع السعر، فهذا مقبول. لكني أجد أن رفع سعر سلعة معينة لمجرد الرغبة بأن يُنظر إليها على أنها فاخرة لا معنى له. الرفاهية تخلق الرغبة؛ وهي شيء لا يمكن أن تجده في كل مكان. فإذا كان العطر موجودًا في كل مكان، في جميع المطارات والمراكز التجارية، يصبح سلعة لعامة الناس ولا يعود يُصنّف فاخرًا.
- برأيك، ما الذي يُميِّز العطور المتخصّصة عن العطور الرائجة اليوم؟
في صناعة العطور المتخصصة، يمكننا المخاطرة. أما في السوق الواسع، تستثمر الشركات الكثير من المال وتوظف العديد من الخبراء الذين يدلون بآرائهم حول العطر. هذا يقتل الإبداع. تخيل كيف سيتعامل الرسام مع رأي 50 شخصًا يخبرونه بما يجب تغييره في اللوحة - كيف يمكنك أن تبدع وتبتكر في الفن؟ يتم ابتكار عطور السوق الواسع لإرضاء الأغلبية، وليس لإرضاء موهبة الفنان. وهذا يؤدي إلى عطور لعامة الناس لا مجازفة فيها.
العطر المتخصص يتعلق بالفن الشخصي، وهو يحترم التنوع والتفرد على حد سواء. العالم جميل بسبب التنوع، وبوجود ملايين الأشخاص، نحتاج إلى ملايين العطور.
- يُعتبر التعاون جزءًا أساسيًا من عملية الإنتاج الإبداعي - ما الذي يجعل شراكتك مع صانع العطور كوينتن بيش ناجحة للغاية؟
أتعاون مع أشخاص أثق بهم وأختار المحترفين. حتى مع المهندسين المعماريين، قررت أن أعمل معهم بشكل وثيق، لضمان الاحترام والتقدير العلنيين للجميع، وليس فقط في الكواليس. أعتبر نفسي قائد أوركسترا، أنظم عقلي وحياتي مع الأشخاص الذين يدخلون ويخرجون ويبتكرون أشياء جميلة.
عندما تحترم الناس، فإنهم يعطونك أكثر بكثير مما يفعلون لو لم تحترمهم. إن تسليط الضوء على مساهمات الناس يجعل التعاون أقوى.
- ما هي المشاعر أو التجارب التي تتمنى أن يربطها الناس بعطورك؟
آمل أن يشعر الناس بالفخر عند وضعهم جميع عطوري. يجب أن يشعروا بالفرادة والتميّز - هذا هو الشعور المشترك بين جميع عطوري، وتعريفي الشخصي للعطر. إنه مثل التوقيع الذي يميّز عمل الشخص وشخصيته الفريدة. اعتزاز المرء بنفسه يساعده على التعبير للآخرين عن المودّة والامتنان لما يقومون به.
تجسد العطور المختلفة قيمًا وشخصيات مختلفة، الأشخاص السعداء والأشخاص الراغبون في السعادة، والأشخاص المتفائلون، والأشخاص المرحون والمرهفو المشاعر، والأشخاص الرصينون والأنيقون، ومحبّو البذخ، وغيرهم. أحاول تجسيد الشخصيات المختلفة والعوالم الإبداعية من خلال المشاعر المختلفة التي يتسم بها كل عطر.
يصعب عليّ دومًا أن أشجع على شراء العطور عبر الإنترنت عندما يطلب الناس مني ذلك، لأنني لا أؤمن بالوسائل الإلكترونية. أنا أؤمن بالإنسان. وغالبًا ما أدعو الناس إلى الذهاب إلى المتجر، وتجربة العطور على بشرتهم، واختبار العديد منها، وإذا كانت مناسبةً لهم، فسيعودون. هذا اختيارٌ عاطفي وشخصي. أدرّب البائعين المتمرسين الذين أتعامل معهم حول العالم باستمرار، وأوصيهم بأن يتركوا للعملاء حرية الاختيار وفرصة التجربة. الأهم بالنسبة لي هو أن يحب العميل العطر.
معلومات عن مارك أنطوان باروا
يُعدّ مارك أنطوان باروا من أبرز الأسماء الفرنسية المعاصرة في عالمَي الموضة والعطور، حيث جمع بين شغف الخياطة الراقية وحسّ الفنّ الحسيّ. وُلد في شمال فرنسا عام 1983، وتدرّب إلى جانب أسماء كبرى مثل دومينيك سيروب وجان بول غوتييه، قبل أن يؤسس داره الخاصة عام 2009، مؤمنًا بأن الأناقة الحقيقية تنبع من البساطة والتفرّد. عُرف بتصاميمه التي تمزج الكلاسيكية باللمسة المعاصرة، كما استطاع منذ 2016 أن ينقل رؤيته الإبداعية إلى العطور من خلال تعاون لافت مع العطّار كوينتن بيش، فكانت النتيجة عطورًا مثل B683 وGanymede التي أصبحت من الأكثر شهرة وتميّزًا في عالم النيش. اليوم، تُجسّد علامته رؤية متكاملة تشمل الأزياء، العطور، المجوهرات وحتى الأثاث، ويواصل بناء عالمه الخاص، حيث الجمال حكاية تُروى بشاعرية وأناقة خالدة.