ما وراء نظام الحصص: كيف نبني بيئات تزدهر فيها النساء ولماذا القادة لا يولدون بل يُصنعون؟
بقلم "تيفاني كيلي" Tiffany Kelly
قد تُغيّر أنظمة الحصص الأرقام، لكنها لا تُحدث تغييرًا في التجارب الحياتية!
لقد تواجدت في قاعات بدت فيها أعداد الموظفين جيدة على الورق، لكن الأجواء روت قصة مغايرة: نساء دُعين للدخول لكن لم يُستمع إليهن بصدق، ورُقّين في مناصب لكن لم يحظين بالرعاية الكافية، وأُشيد بهن على إنجازاتهن لكن عُوقبن على صراحتهن، وتُوقع منهن القيادة لكن فقط ضمن منظور ضيق لما يُفترض أن تبدو عليه القيادة.
لذا، حينما يُطرح عليَّ السؤال عما يحتاجه النساء لتزدهر في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، تأتي إجابتي بسيطة: علينا تطوير البيئة، وليس زيادة المقاييس الرقمية فحسب.
تشهد المنطقة حركة تطورية مستمرة؛ إذ كشف تقرير مؤشر التوازن بين الجنسين في مجالس الإدارة لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2025 (الصادر عن جامعة هيريوت وات ومؤسسة أورورا 50) أن النساء شغلن نسبة 6.8% من مقاعد مجالس الإدارة في دول مجلس التعاون الخليجي بحلول شهر يناير 2025، بزيادة عن 5.2% في عام 2024، كما تصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة المشهد بنسبة 14.8% (185 من أصل 1,248 مقعدًا). (أورورا 50). يُعد هذا الأمر مهمًا، ويشير إلى وجود نية حقيقية. لكن التمثيل مجرد بداية للرحلة، وليس خط النهاية.
يتمثل الازدهار في التعبير الكامل عن الذات - بتأثير، وصدق، وإذن داخلي للقيادة. ولهذا السبب، تستطيع أنظمة الحصص فتح الأبواب، لكن الثقافة هي التي تحدّد ما يحدث بمجرد عبورك لتلك الأبواب.
من الأرقام إلى الرعاية: خلق الظروف الملائمة للازدهار
نتعامل مع القيادة في مؤسسة راوند تيبل جلوبال باعتبارها منظومة. تمتلك المنظومة عناصر متكاملة مثل: الهيكل والتدفق، والفعل والتأمل، والطموح والتجديد. وفي الأنظمة البشرية، فإننا نختبر هذه العناصر بوصفها سمات ذكورية وأنثوية موجودة فينا جميعًا، بصرف النظر عن الجنس.
تمنحنا السمات الذكورية، في أفضل حالاتها، الوضوح، والحدود، والحسم، وشجاعة الفعل. بينما تمنحنا السمات الأنثوية، في أفضل حالاتها، التعاون، والإبداع، والحدس، والقدرة على استشعار ما هو قادم. لا تُقدس الثقافات المزدهرة إحدى هذه السمات وتنبذ الأخرى؛ بل تدمج بين كلتيهما.
إذا أردتم للنساء أن تزدهر، أوجدوا لثلاثة شروط:
1- الصدق مع الذات كمعيار للقيادة
يُثمر الصدق مع الذات ثقة صادقة؛ إذ يُمكن القادة من قدرتهم على تقديم وجهة نظر مختلفة، وطرح الأسئلة، وإثارة القضايا باحترام، وأن الرد سيكون الفضول وحل المشكلات بدلاً من إطلاق الأحكام. ويُعد هذا ميزة للأداء في قطاعات سريعة حركة مثل الضيافة والأعمال عالية النمو: حيث يتحدث الناس مبكرًا، ويحدث التعلم أسرع، ويتم إيجاد الحلول في وقت أقرب.
2- الرعاية الوظيفية الكافية، وليس مجرد التوجيه
يُعد التوجيه إرشادًا، بينما تُعد الرعاية دعمًا نشطًا. وتبدو الرعاية كأن يقول أحدهم: "أنا أرشح اسمك"، أو "أنا أدعمك لتولي هذا الدور الصعب"، أو "سأعمل على إبراز عملك". حينما تصبح الرعاية عادة قيادية مشتركة – على مستوى الجنسين والمستويات الوظيفية - يتوقف التقدم الوظيفي عن كونه مصادفة ويبدأ في التحول إلى مسار واضح.
3- قواعد مشاركة مرئية وعادلة
يتسارع الازدهار حينما تكون التوقعات واضحة ومتسقة. عندما تتفق الفرق على كيفية اتخاذ القرارات، وكيفية تقاسم أعباء العمل، وكيفية احترام الحدود، وطريقة الاعتراف بالمساهمات، يستطيع الأشخاص التركيز على التميز بدلاً من التشكيك في النظام. كما تُسهل الاتفاقيات الواضحة أيضًا تقدير النطاق الكامل لمساهمات القيادة مثل: الإنجاز، والتعاون، والترابط، والاهتمام، وذلك بوصفها جزءًا من الأداء العالي.
القادة لا يولدون؛ بل يُصنعون — وبإمكان الجميع القيادة من موقعهم
لا تُعد القيادة نمطًا للشخصية؛ بل هي ممارسة. يمكن تعلمها، والتدرب عليها، وتعزيزها، وتجسيدها.
يُشكل هذا جوهر مفهوم القيادة من المركز. فالمركز ليس لقبًا وظيفيًا، بل هو نقطة التأثير: الشخص الذي يُحقق الاستقرار في اللحظة الحاسمة، وينطق بالحقيقة باهتمام، ويصدق مع ذاته، ويتحمل مسؤولية الطاقة التي يجلبها إلى المكان.
تتخذ القيادة دورًا مختلفًا حينما تُنمي المؤسسات مفهوم القيادة من المركز، حيث يشعر القائد أنه جزء من هيئة، ومنظومة مترابطة، بدلاً من العمل في صوامع منعزلة يُسيطر عليها صنع القرار الهرمي. حينها تتوقف الثقافة عن الاعتماد على قلة من الأفراد الأبطال، وتتوقف النساء عن انتظار أن يقع الاختيار عليهن، ويبدأن في تشكيل النتائج في الوقت الفعلي.
"ليست القيادة لقبًا تكتسبه؛ بل هي فعل تمارسه - خاصة عندما لا يتقدم أي شخص آخر للقيام بذلك".
أدوات عملية تصنع القادة (وتعيد تشكيل الثقافة)
لهذا السبب ابتكرنا برنامج شاين: لتقديم أدوات عملية قابلة للتكرار تصنع القادة من الداخل إلى الخارج - أدوات تدعم الوضوح، والرفاهية، والثقة، والعمل الشجاع في اللحظات الأكثر أهمية.
إليكم ثلاث أدوات أعود إليها دائمًا لفعاليتها عبر الثقافات المختلفة:
1- الوعي الذاتي تحت الضغط
لا يرتقي القادة لمستوى الحدث تلقائيًا؛ بل تحركهم أنماطهم السلوكية. عندما يمكنك ملاحظة نمطك، سواء كان الدفاعية، أو العجلة، أو إرضاء الناس، أو السيطرة - يمكنك التفكير ذاتيًا ورؤية نفسك تختار استجابة مختلفة تلقائيًا. يُغيّر هذا التوقف المؤقت مسار الاجتماعات، والفرق، والنتائج.
2- لغة التدريب التي تبني القدرات
إذا كنا نريد قيادة ذات أثر، يجب على القادة التوقف عن أداء دور المنقذ والبدء في تدريب الأخرين. اسألوا: "ما الذي تعتقد أنه المشكلة الحقيقية من وجهة نظرك؟"، "وما الخيارات المتاحة لدينا؟"، "ما هي مساهمتك هنا؟"، "ما هي الخطوة الصحيحة التالية؟". يتعلم الناس القيادة من خلال منحهم المساحة لممارسة الصدق الجذري.
3- الموازنة بين الدافع والتجديد
حينما تحتفي الثقافات بالإرهاق كدليل على الالتزام، فإنها تعاقب بهدوء السمات الأنثوية التي تحافظ على صحة الأنظمة: التأمل، والتعافي، والعلاقات، والمعنى. ابنوا إيقاعات عمل تحترم الأمرين معًا: أهداف واضحة وتجديد حقيقي.
ما وراء نظام الحصص: القيادة التي نهدف لبنائها
لا تتعاملوا مع تقدم المرأة بوصفه برنامجًا، بل كخطوة في تطور القيادة ذاتها.
تستطيع أنظمة الحصص فتح الأبواب، لكن الازدهار يتطلب بيئات متوازنة يستطيع فيها كل من الرجال والنساء أن يكونوا أقوياء ويتمتعوا بالإنسانية، وأن يكونوا طموحين وأصحاء، حازمين ومتعاطفين. هذا هو المستقبل الذي ألتزم ببنائه - من خلال فلسفة راوند تيبل، ومن خلال القيادة من المركز، وعبر برنامج شاين بوصفه مجموعة أدوات تحول الإمكانات إلى قيادة ملموسة.